المحتوى الرئيسى

عبدالرحيم ريحان يكتب : حكايتى مع دير البنات بوادى فيران

04/12 11:11

هى قصة إنصهار الآخر فى الآخر ليجتمعوا فى بوتقة واحدة تجمعهم الأفراح وتوجعهم الآلام وحين يهتز طرف ويتألم طرف تكون الهزة والألم موجعة للجميع ومن يستهدف طرف فهو يستهدف الجميع فالضربة موجعة ومؤلمة لنا جميعًا

تربينا على الحب العيد هو عيد للمسلمين والمسيحيين نتبادل الكعك ونتزاور ونلهو فى الحدائق سويًا تربينا على أن بيوت العبادة مقدسة عندما نمر عليها نسير فى أدب جم واحترام، كنا ندعى للأفراح بالكنائس، بالفعل كنت تبذل جهدًا كبيرًا لتتعرف على ديانة أحدنا فكانت تجمعنا أم واحدة نحبها ونعمل من أجلها هى مصر الحبيبة

وكبرنا بهذه الأخلاقيات والمبادئ وكان تخصصى بكلية الآثار هى الآثار الإسلامية والمسيحية وكنا نزور المساجد والأديرة وزورنا معظم أديرة مصر مع أستاذنا رحمة الله عليه الأستاذ الدكتور مصطفى شيحة أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بكلية الآثار جامعة القاهرة، ثم كان عملى بسيناء بين القلاع والأديرة وكان موضوع دراستى للماجستير ” دراسة أثرية حضارية للآثار المسيحية بسيناء” وعشت فترة شبابى فى أعمال حفائر بقلعة صلاح الدين بطابا وميناء دهب البحرى والميناء المملوكى بتل الكيلانى بطور سيناء ودير الوادى بطور سيناء ودير البنات بوادى فيران وهو محور قصتنا 

وكنت مقيمًا داخل الدير مرافقًا لبعثة آثار المعهد الألمانى بالقاهرة برئاسة الدكتور بيتر جروسمان بمنطقة تل محرض وجبل الطاحونة بوادى فيران وكانت إقامتى بإحدى حجرات دير البنات الحديث  وتصادف عملى لموسمين حفائر فى شهر رمضان وكانت حجرتى مواجهة لكنيسة سيدنا موسى الذى بناها راهبان من دير سانت كاترين عام 1970 وبنى حولها دير عام 1979 خصص للراهبات التابعات لدير سانت كاترين ويسمى دير البنات

ويجمع وادى فيران بين البشر والحجر والشجر ويقع على بعد 60كم شمال غرب دير سانت كاترين طوله 5كم وعرضه ما بين 250 إلى 375م وقد أخذ شهرته من وجوده فى سفح جبل سربال العظيم الذى يبلغ ارتفاعه 2070م فوق مستوى سطح البحر وبه أكبر وأهم مدينة مسيحية مكتشفة بسيناء والتى تحوى آثارًا من القرن الرابع إلى السادس الميلادى شهدت قدوم المسيحيين إليها من أوروبا آمنين مطمئنين على أرض الفيروز فى رحلتهم إلى القدس عبر سيناء 

وكنت أجد اهتمامًا بالغًا من الراهبات بالدير وفى جو الدير أحس بصفاء نفسى وجو روحانى وعزلة ساعدتنى على اختيار منتصف الليل حتى الفجر لقراءة القرآن وكنت أقرأ القرآن بصوت عال داخل الدير وسألت أحدى الراهبات ذات مرة هل قرائتى للقرآن تسبب إزعاج لهن؟ فقلن أنهن يؤدين صلوات فى هذه الأوقات وينصتن بإعجاب لقرائتى  وربما يكون هذا سر إهتمامهن بى وتلبية كل طلباتى من طعام خاص يختلف عن بقية أفراد البعثة ويناسب شهر رمضان الكريم وقد طلبت منهن زبادى للسحور فصنعن الزبادى لى داخل الدير علاوةعلى شراء كميات جلبت من القاهرة خصيصًا ووضعت فى الثلاجة وأحسست داخل الدير أن تمسكى بدينى كان سببًا لاحترام وتقدير وثقة كل المحيطين بى

وفى الصباح كنت أعمل مع البعثة بمجهود يفوق باقى أفراد البعثة نفسها وكنت أتسلق جبل الطاحونة المقابل للمدينة البيزنطية للعمل أعلى الجبل على ارتفاع 886م فوق مستوى سطح البحر وكانت البعثة تقوم بأعمال مسح أثرى بوادى المكتّب قرب وادى فيران ويضم الوادى نقوش نبطية ويونانية وعربية وكنت أتابع النقوش على الجبل وأكتشفها بهمة لفتت نظر أحد أفراد البعثة الألمانية وسألنى عن سر الصيام الذى يعطينى كل هذه القوة والنشاط وشرحت له قيمة الصيام ومن وقتها قرر أن يتناول وجبة الإفطار معى مجاملة لى وربما لملاحظته أن هذا الطعام  أفضل من طعام أفراد البعثة فأراد ضرب عصفورين بحجر

وكانت نزهتى أثناء نهار رمضان هى متابعة أعمال كل أفراد البعثة والتعلم منهم وكان رئيس البعثة الدكتور بيتر جروسمان مهندسًا وأستاذًا فى الآثار وقد تعلمت منه الرفع المعمارى بشكل عملى بمجرد مراقبتى لعمله مع سؤال لدقائق بين يوم وآخر دون تعطيل العمل وكذلك متابعتى لسيدة فاضلة ضمن أفراد البعثة كانت مهمتها رسم لوحات فنية لوادى فيران وهى السيدة إيلينى باولو وقد سجلت أشجار وادى فيران ومعانقتها للآثار وأصبحت لوحاتها وثائق تسجل طبيعة الوادى وآثاره فى فترات مختلفة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل