المحتوى الرئيسى

باتريك كوكبيرن يكتب: دستور أردوغان ينهى ما تبقى من الديمقراطية فى تركيا | المصري اليوم

04/12 00:37

نقلاً عن صحيفة «إندبندنت» البريطانية

فى الأيام الأخيرة قبل تصويت الأتراك فى استفتاء، فى ١٦ إبريل الجارى، على إعطاء الرئيس التركى رجب طيب أردوغان صلاحيات ديكتاتورية، وإنهاء النظام البرلمانى، فإن المزاج فى أنقرة الآن يميل إلى تبنى نظريات المؤامرة، والتشكك فى وجود مؤامرات أجنبية على البلاد.

واتضح هذا الأمر جليًا خلال رد الفعل الذى جاء بعد كتابة السفير البريطانى فى أنقرة، ريتشارد مور، تغريدة على موقع «تويتر»، باللغتين التركية والإنجليزية، تتحدث عن جمال ورود التيوليب فى إسنطبول، مع نشره لصورة لهذه الورود خارج قصر دولمباهس، وقد تبدو هذه الرسالة طبيعية للغاية وغير مثيرة للجدل على الإطلاق، ولكن بالنسبة للمذيع الرياضى التركى، كانت الرسالة بمثابة تهديدً، وفقًا لما ذكرته صحيفة «ديلى نيوز» التركية، حيث كتب سينير تغريدة على «تويتر» لمتابعيه، البالغ عددهم ٨٤٩ ألفًا، قائلًا فيها إن المقصود من الكلمات هو إظهار الدعم للانقلاب العسكرى الفاشل ضد أردوغان فى يوليو ٢٠١٦، وتشجيع الناخبين على التصويت بـ«لا» فى الاستفتاء، وأضاف «هذه هى الطريقة التى يبعثون بها الرسائل إلى تركيا»، فيما جاء رد السفير البريطانى قائلًا، باللغة التركية: «من يكون هذا الأحمق؟».

ولكن سينير ليس وحده الذى يتبنى نظرية المؤامرة، ففى نفس اليوم الذى تحدث فيه سينير عن الأجندة السرية للسفارة البريطانية، كان أردوغان يعبر عن أفكاره هو الآخر حول أوروبا فى تجمع جماهيرى للترويج للاستفتاء، وقال إن «أوروبا اليوم لم تعد مركز الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات، فى أعين مليارات الأشخاص، بل باتت مركز الاضطهاد والعنف والنازية».

ويتهم الرئيس التركى الدول الأوروبية بعدم احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، فى الوقت الذى قام فيه بإقالة ١٣٤ ألف شخص فى تركيا، من بينهم ٧٣٠٠ مدرس وأستاذ جامعى، و٤٣٠٠ قاض، فى الـ٩ أشهر التى تلت الانقلاب الفاشل، على الرغم من عدم وجود أدلة على تورط أى منهم، فيما تم الزج بحوالى ٢٣١ صحفياً فى السجون، وتم إغلاق ١٤٩ مؤسسة إعلامية، واعتقال ٩٥ ألف شخص، و٤٧ ألفا آخرين بموجب قوانين الطوارئ.

إن الديمقراطية متعددة الأحزاب، التى كانت قائمة فى تركيا منذ عام ١٩٤٦، باتت مشوبة الآن بالسجن، والتخويف، والتدخل فى شؤون الحزب، وقد شهدت أنقرة انقلابات عسكرية فى الماضى، ولكن يبدو أن عملية إعادة الهيكلة، والتطهير، الحالية، أكثر تطرفًا بكثير من كل ما سبق، وحتى لو لم تتعرض الأحزاب السياسية الأخرى للهجوم، فسيواجهون صعوبة فى توصيل رسائلهم، لأنه قد تم إغلاق وسائل الإعلام الخاصة بهم، فهناك أحد الإعلاميين التليفزيونيين أعلن أنه سيصوّت بـ«لا» فكانت النتيجة هى فصله من وظيفته فى الحال.

كما أن الوقت المخصص لمختلف الأحزاب على شاشة التليفزيون للترويج لرأيهم فى التصويت فى الاستفتاء، يخبرنا أيضًا عما يجرى فى البلاد، فأردوغان وحزبه العدالة والتنمية الحاكم، حصلا على أكثر من ٤ آلاف دقيقة من البث حتى ٣٠ مارس الماضى، فيما تمكن حزب الشعب الجمهورى، الذى حصل على ٢٥٪ من نسبة التصويت فى الانتخابات الأخيرة، من الحصول على ٢١٦ دقيقة فقط من البث، وهذا أفضل من الحزب الديمقراطى الشعبى الكردستانى، الذى فاز بأكثر من ١٠٪ من الأصوات، وحصل على دقيقة واحدة من البث، ويذكر أنه تم الزج بـ ١٢ عضوا من أعضائه فى البرلمان، البالغ عددهم 59 نائبًا، فى السجون، ويتوقعون عقوبات طويلة.

ويخشى الناخبون الراغبون فى التصويت بـ«لا» من التعرض للاعتقال، فالشرطة والمسؤولون المحليون رفضوا إعطاء التصاريح للمعارضة لإقامة التجمعات، كما قاموا بتحطيم اللافتات، وتمزيق الملصقات التى تدعو إلى التصويت بـ«لا».

وعلى الرغم من المزايا الهائلة التى تتمتع بها حملة «نعم»، أظهرت استطلاعات الرأى، الأسبوع الماضى، أن الناخبين قد انقسموا بالتساوى، أو حتى أن التصويت بـ«لا» كان متقدمًا قليلًا، ولكن معارضى أردوغان ليسوا متفائلين بشأن فرصهم فى الفوز، وذلك لأنهم يعتقدون أنه مهما كانت أصواتهم فى صناديق الاقتراع، فمن المرجح أن تكون النتيجة أغلبية مقنعة لتأسيس النظام الاستبدادى الجديد.

فتركيا قريبًا ستكون مشابهة لبعض الدول المجاورة فى الشرق الأوسط، التى يعمل فيها البرلمان والهيئات القضائية باعتبارها مؤسسات مؤيدة للنظام، ولكن هذه نهاية محبطة للدولة العلمانية التركية الحديثة التى نجح كمال أتاتورك فى تأسيسها، والتى أدت إلى أن تشبه تركيا دول أوروبا الجنوبية مثل إسبانيا وإيطاليا بشكل وثيق، فقبل ١٠ سنوات، كانت اسطنبول، وغيرها من المدن التركية، واحدة من الأماكن الأكثر إثارة للاهتمام فى العالم، فقد كانت تشهد حياة فكرية نابضة بالحياة ولكن يتم إطفاؤها الآن، فأى تعبير عن رأى نقدى يمكن أن يفسر الآن على أنه دعم قوى أو غير مقصود للإرهاب أو محاولة الانقلاب.

وأيا كانت نتيجة الاستفتاء، فإن تركيا ستبقى بلدًا منقسمًا، إلى حد كبير، على أسس سياسية، وعرقية، وطائفية، فصحيح أن أردوغان سحق التمرد الكردى فى جنوب شرق البلاد، مما ترك العديد من المدن فى حالة خراب، لكن التمرد لن ينتهى، وسيبحث عن الدعم فى شبه الدولتين الكرديتين عبر الحدود فى سوريا والعراق، وعمومًا، فإن استراتيجية أردوغان المتمثلة فى تشويه صورة جميع خصومه، ووصفهم بالخونة والإرهابيين، والسعى إلى القضاء عليهم، يجعل من تركيا مكانًا أكثر رعبًا مما كان عليه الحال فى الماضى، فقد بالغ أردوغان فى خلافاته مع الدول الأجنبية مثل ألمانيا وهولندا واستغلها ليتمكن وحزبه من تقديم أنفسهم باعتبارهم المدافعين الأبطال عن الشعب التركى المحاصر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل