المحتوى الرئيسى

قراءة ردود الأفعال | المصري اليوم

04/12 00:00

اعتدنا فى الأزمات عدم القراءة الصحيحة للأحداث، والتعجل بإصدار الاتهامات والأحكام، مما جعلها تتكرر مرارا بالطريقة نفسها، دون الوصول إلى الفاعل الحقيقى، لنجد أنفسنا أمام ردود الأفعال نفسها أيضاً، وهكذا دواليك، هى الحلقة المفرغة التى تجعل المواطن يسرح بخياله إلى روايات تآمرية فى معظم الأحيان، خاصة حينما يجد نفسه بالفعل أمام قرارات وإجراءات غير مدروسة، وكأنها الفرصة لتصفية الحسابات، أو لتحقيق مآرب لا تحتاج إلى توضيح.

كارثة تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية، كان من المفترض أن تجبرنا على التعامل بطريقة مختلفة مع مثل هذه الأحداث، ذلك أننا أمام كارثة من النوع الثقيل، من شأنها إجهاض كل محاولات العودة إلى الحياة الطبيعية بعد ٦ سنوات من العبث، تأثير الكارثة سوف يكون طويل المدى على السياحة، كما الاستثمار، كما الاقتصاد عموماً، كما الاستقرار وهو الأهم، لذا كان من المهم التريث فى اتخاذ أى قرارات، إلا ذلك القرار المتعلق بضرورة الوصول إلى المتهمين، أو بمعنى أدق من يقفون خلف المنفذين.

للأسف منذ اللحظة الأولى للحدث هنا وهناك، أصبح الإسلام هو المتهم الأول، المناهج الدراسية، الأزهر ومناهج الأزهر وعلماء الأزهر، المساجد وكتاتيب تحفيظ القرآن، الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، المواطنة والتمييز، على الرغم من أن الفاعل قد يكون غير مصرى، قد يكون غير مسلم، وقد يكون مصريا ومسلما إلا أنه لا تعنيه لا هذه ولا تلك، قد يكون عاد إلى الأراضى المصرية بعد طول غياب، حصل خلاله على دورات فى كل ما هو سيئ ومشين، مما لا علاقة له لا بالوطن ولا بالدين.

أصبحنا أمام مجريات أحداث بدت وكأنها مبرمجة منذ ما قبل وقوع الكارثة، بدا أننا كنا ننتظر كارثة حتى نفرغ ما فى جعبتنا من كثير مما لم نستطع البوح به فى الظروف الطبيعية، ذلك أن إعلان حالة الطوارئ فى حد ذاته كان أمراً غاية فى الغرابة، الأكثر من ذلك هو أنه بعد أقل من ساعة من بدء التطبيق، تتم إحالة اتفاقية الحدود البحرية بالبحر الأحمر، المعروفة شعبياً بالتنازل عن تيران وصنافير إلى اللجنة التشريعية بالبرلمان، تمهيداً لعرضها على الجلسة العامة، فى هذه الحالة من حق خيال المواطن أن يذهب بعيداً تجاه كل القضايا، أصبحنا بذلك أمام قمة العبث.

أسئلة عديدة أصبحت تطرح نفسها الآن، ما الذى يريده النظام من حالة الطوارئ تحديداً، هل هى السيطرة الأمنية بالفعل، أم هناك الكثير مما هو كامن فى الصدور، وإذا كان الهدف هو السيطرة الأمنية، هل لم يكن نزول قوات الجيش كافياً لتحقيق ذلك، لماذا لم نعتمد سياسة التدرج فى اتخاذ القرارات، وما علاقة تيران وصنافير بفرض حالة الطوارئ، وهل هناك المزيد، خلال الأيام والأسابيع المقبلة، نسمع الآن عما تسمى صفقة القرن بخصوص تسوية سرِّية بالمنطقة لم يحاول أصحاب القرار توضيحها، تتواتر الآن صفقات بشأن شبه جزيرة سيناء لم يسع أحد إلى نفيها.

المخاوف من القادم أيها السادة أصبحت أكبر بكثير من الإرهاب فى حد ذاته، ذلك أن القفز على الأحداث بمثل هذه الطريقة أمر مزعج للغاية، فلا الإسلام يدعو إلى القتل، ولا المناهج الدراسية تحض على الكراهية، ولا مناهج الأزهر تدعم الإرهاب، بل لم يثبت أبداً إن كان خريجو الأزهر ضمن أى تنظيم متشدد أو متطرف من التنظيمات التى شهدناها فى العصر الحديث، وهو الأمر الذى يجعلنا نتوقف طويلاً أمام ما يجرى الآن، كما أنه لا يمكن القبول شعبياً بما من شأنه التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير تحت ذلك الضغط السياسى أو التوتر الأمنى، أو أى شىء من هذا القبيل.

لنتعامل إذن مع الكارثة التى نحن بصددها بما يجب أن يكون علمياً من كل الوجوه، وليس بما نُحب أن يكون، أى دون مؤثرات ونوازع شخصية، ذلك أن المجتمع لا يجب أبداً أن يشهد مثل هذه الكوارث مستقبلاً، وذلك لن يتأتى إلا من خلال الاعتراف بالحالة الراهنة بكامل تفاصيلها على أنها أزمة سياسية يعيشها المجتمع، أزمة تصفية حسابات وليست أزمة دينية أبداً، بدليل أن الإرهاب لم يفرق بين الجنس أو اللون أو الديانة، وبدليل أن المساجد كانت متخمة بالمتبرعين بالدم عقب تفجير الكنيستين، أيضاً التشييع فيما بعد كان من المسجد والكنيسة فى وقت واحد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل