المحتوى الرئيسى

امرأة تملك ميزاناً بالغ الدقة

04/11 19:47

إن أزمة وعي المرأة لحقيقة أزماتها، أكبر أزمة تمر بها اليوم، هذه محاولة لمواجهة الذات تشخيصاً كخطوة أولى للعلاج، وعليه كانت هذه السلسلة.

علامَ تركزين وعلامَ لا تركزين؟ سؤال جوهري في الحياة.

فالتركيز يبدأ بخاطرة، بفكرة، وما إن يستغرق الإنسان فيها أكثر وبوقت أطول حتى تشغل مساحة متزايدة من التفكير، وعندها يكثف التفكير في هذا الأمر، يصل إلى مرحلة التركيز، بعبارة أخرى التركيز تفكير متكرر موجه نحو أمر ما، وأهمية التركيز تكمن في أنه حيث ما كان التركيز توجهت الأهداف والجهود والأوقات والأموال نحوه.

وبملاحظة الواقع نجد أننا لسنا أمام أزمة عدم تركيز عند المرأة، فالتركيز موجود، بل الإشكال غالباً هو شدة التركيز، إن المشكلة هي في وجهة وتوجيه هذا التركيز، فهو مفتقد فيما يجب وجوده، وموجود فيما ينبغي غيابه.

ولتسليط الضوء على هذا المفهوم نشير إلى أن الأمور في الحياة مستويات، منها أمور أساسية جوهرية، وأمور هامة، وأخرى عادية، ومنها غير هامة، وبعضها تافهة ومنها السيئة، وعلى أساس تصنيف الإنسان لها وما يضعه من أمور في كل خانة تختلف اهتماماته وآثاره في الحياة.

واليوم تشهد المرأة تخبطاً في تصنيف أمور حياتها فقد تضع غير المهمة في المهمة أو السيئة في العادية، وهذه قد تحدث مشاكل على الصعيد الشخصي والأسري والمجتمعي ليست بالبسيطة، والكارثة أن تصنف الأمور السيئة أو التافهة في خانة الأساسية والجوهرية، وهذا ينشأ بالدرجة الأولى من عدم معرفة السيئ من اللاسيئ، والتافه من المهم، أو الاستسهال في التصدي للأمور السيئة إلى حد التطبيع والتعايش، وأحياناً القيام بها بل والاعتياد عليها.

إن الإحصائيات التي تنتشر هنا وهناك مأساوية، تلك التي تتحدث عن نسب ما تنفقه المرأة من أموال طائلة وضخمة، وأسعار مخيفة على مستحضرات التجميل والأزياء والإكسسوارات والجراحة التجميلية، إضافة إلى أخبار المزايدات بين الثريات والشهيرات في أسعار المشتريات من الملابس والحلي، ثروات تكفي لسد احتياجات العشرات من مخيمات اللاجئين في بلادنا، وتخفيض نسب المجاعة في العالم، وقد يكون الفستان الواحد المرصع بالألماس أو الأحجار الكريمة كافياً لإنقاذ حياة الآلاف ممن يذهبون ضحايا لأمراض التلوث المائي.

إنها أزمة في توجيه التركيز ينتج عنها هدر للأموال في مقابل هدر للأرواح وإزهاق للنفوس.

وهناك هدر في الوقت نتيجة التركيز على الملهيات ومصائد الترفيه كمشاهدة المسلسلات بحلقاتها ذات الأرقام الفلكية، أو الإطالة في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وجلسات المطاعم والكافيهات في أحاديث أسباب الضياع، كل أنواع الضياع في بلادنا، ذلك عندما ضيعت المرأة جهودها ووقتها وأموالها، وأيضا مساحة كبيرة من تفكيرها وهي تتابع بشغف (سنوات الضياع)، حقاً سنوات ضاعت من عمرها وأضاعت فرصاً للإنجاز والبناء الفكري والاجتماعي والاقتصادي.. إلخ، ولو وجهت تركيزها ووضعت الأمور الجوهرية هذه في مكانها الصحيح لا في خانة العادية أو غير الهامّة، لأحدثت نقلة نوعية وكمّية في المجتمع.

إن التركيز هذا يضفي الأولوية في التفكير والاهتمام بحيث تصبح التوافه والتنافس على الماديات أولى الأولويات إلى الحد الذي يصل مرض التركيز الشكلي إلى التعليم، فنراها تفضل تخصصاً على آخر للحصول على المكانة المرموقة والدخل المالي، غير مبالية بمواهبها الحقيقية، بل ما يراه الآخرون ألمع بريقاً وأكثر وجاهة.

وهدر آخر يستنزف طاقات المرأة عندما توجه التركيز على كل ما يجذب الجنس الآخر، ففي خارج نطاق الزوجية يصبح الرجل هو الغاية والهدف الذي في سبيل نيل إعجابه ورضاه تضحي بكل ما هو غالٍ ونفيس وجوهري.

أما في سياق الحياة الزوجية فأثر التركيز على الزوج تظهر حين تجعله محور حياتها وتعتبره من ضمن ممتلكاتها التي تخاف الآخرين من سرقته، فتهدر كل طاقاتها تحت مظلة حب الزوج.

والأزمة أصابت الأم التي تركز في تربيتها لأبنائها على الإشباع المادي والجسدي من مأكل وملبس وتعتبرهما جزءاً من الظهور المادي أمام الآخرين، إضافة إلى الإصرار على تعليمهم في نوع معين من المدارس لا للعلم بل لغايات شكلية فحسب، وأحياناً تفعل ذلك دونما إدراك.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل