المحتوى الرئيسى

ما الوطن إلا سرادق عزاء | المصري اليوم

04/11 01:13

اصطفوا في صلاة الجنازة، وارفعوا راية الحداد ونكسوا سعف النخيل، إنهم يقطفون الأرواح على أبواب الكنائس، ويرسمون خريطة الوطن بدماء الأبرياء، يفصلون المسجد عن الكنيسة بجثث الشهداء، وينشرون اليتم والترمل بشظايا البارود، ويحولون الوطن إلى «سرادق عزاء».

من فرض الحزن على أقباط مصر، وكتب عليهم القتل والترويع والتهجير، وحول أعيادهم إلى مآتم جماعية ..الإرهاب أم «ثقافة التكفير»؟.

تقطعت أحبالنا الصوتية، وجفت أقلامنا، ونحن نطالب بدولة مدنية، تحترم الدستور والقانون، دولة لا تكون فيها «حقوق المواطنة» مثل (وردة في عروة الجاكيت)، لا تفتح برلمانها للأحزاب الدينية ولا تترك منابرها للسلفية الجهادية وتعاقب من يكفر المسيحى ويحرض على قتله.. لكن الدولة، بكل مؤسساتها التشريعية والقضائية، لاتزال بحاجة إلى تعريف دقيق لمصطلحات: (التحريض على القتل، تهديد السلم الاجتماعى، إثارة الفتنة الطائفية)؟.

كتبت هنا، في نفس المكان مررا، أطالب بمحاكمة «ياسر برهامى»، نائب رئيس الدعوة السلفية، و«أبوإسحاق الحوينى» ومن على شاكلتهم ممن يكفرون الأقباط.. طالبت بتنقية مناهج «التعليم الأزهرى» من الأفكار المتطرفة، التي تخرج للمجتمع جماعات تكفيرية تمارس الإرهاب باسم «الجهاد».. فبقى الأزهر بعلمائه وتلامذته يوردون لـ «داعش وإخوانها» كل ما يلزم من فتاوى استحلال الأموال والأعراض والأنفس!.

«كلنا كفار»، المسلم قبل المسيحى، مادام بيننا من يحتكر «صكوك الإيمان»، ويوزع فتاوى التكفير، ويمهد التربة للقنابل البدائية والأحزمة الناسفة، ثم يتوضأ ويصدر «بيان إدانه»!.

أنا ولدت، وعشت نصف عمرى بمدينة «طنطا»، كانت مدينة آمنه، شعبها متلاحم لا يعرف العنصرية، كنا نحتفل بالأعياد مع الأقباط ويحتفلون معنا بشهر رمضان والأعياد، مدرستى الثانوية تضم الراهبات حتى الآن.. فكيف تمكن الغزو السلفى من عقول البشر وأصبحت المدينة مفخخة بالإرهاب في كل مكان ؟.

ملامح المدينة كانت تنطق بالتسامح دون فذلكة أو شعارات عن الوحدة الوطنية.. تشوهت طنطا عندما تشوه الوطن.. ولم يعد نفس الحضن الآمن للناس على تنوعها واختلافها الدينى والثقافى.. حين تخلت مصر عن وجهها المستنير، عن حضارتها وثقافتها، وأطلقت لحيتها أو اختفت خلف النقاب.

المدينة أصبحت هدفا ومركزا للإرهاب، ربما لتراخى القبضة الأمنية فيها، لتشهد تفجيرا في مركز تدريب للشرطة ثم تفجير كنيسة «مار جرجس» في «أحد السعف».. ويمتد خط النار إلى «كنيسة مارمرقس» بالإسكندرية.

الصيد الثمين كان البابا «تواضروس» الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لكن الشهداء افتدوه بأرواحهم، وسقطوا نساء ورجالا من الشرطة والأهالى، على جدران كنيسته، فهل تتوقع أن يأتى بابا الفاتيكان لزيارة مصر؟.. أن تعود السياحة لمعدلاتها السابقة وتنهمر الاستثمارات الأجنبية على البلاد؟.. إنها قنبلة تفجر وطنا بأكلمه.

كم شهيد يجب أن يسقط لتستيقظ الدولة؟.. كم أسرة قبطية تتشرد، وكم كنيسة تتهدم، وكم عيد يلغى، وكم قبطى يهاجر، وكم قسيس يُغتال، وكم قداس يلغى.. حتى تفيق الدولة من غفلتها وتصدق أن محاربة الإرهاب ليست في «سيناء» وحدها بل استئصال الأفكار التكفيرية من المجتمع.. وتغيير مناخ العنصرية ونفى الآخر.

المواجهة ليست بفرض حالة «الطوارئ»، المواجهة تبدأ بـ «الاعتراف»، كما في المسيحية، بأن المؤسسة الدينية «الأزهر الشريف» سلفيه الهوى- وهابية التوجه، تسعى لتحنيط «الخطاب الدينى» وتجميده لأن «تابوهات التراث» سر سطوتها وعزها ونفوذها.

أما تشكيل (المجلس القومى الأعلى لمحاربة التطرف والإرهاب) فسوف يتم بنفس سياسة الإنكار، سيكون فضيلة الإمام الأكبر الدكتور «أحمد الطيب» على رأس المكلفين بمهمة القضاء على التطرف، ويُستبعد كل من ثبت تورطه في «ازدراء الأئمة الأربعة» أو اجتهد وفكر، وباقى أعضاء المجلس «كل بحسب منصبه»: (وزير أو نقيب أو محافظ أو لواء أو باحث أو إعلامى)!.

لا تراهنوا كثيرا على المجالس العليا، فهى لا تصل للقرى والنجوع، الأطراف البعيدة ملك «التيار السلفى»، تحكمها المنابر واللحى، يطبقون شريعتهم الخاصة وقانونهم المرعب، يصنعون خبزهم اليومى على نار «الفتنة».

وهناك، وحدك تواجه الرصاص الأعمى بصدرك العارى، قدرك محفور على صليبك، يقودك إلى حيث البكاء «ترنيمة حب».. حيث «الآلام» ذاكرتك وحاضرك.. وحدك مصلوب على حزنك، وكلما زاد ألمك ازدت قربا من الله.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل