المحتوى الرئيسى

الشهيد مينا | المصري اليوم

04/10 22:49

كان مينا مع غيره من أبناء «معموديته» ينخرط فى قداس العيد، يستحضر ما وقر فى «عقيدته» عن آلام السيد المسيح، عليه السلام، تتداخل فى داخله مشاعر المؤمن المُقدر لجلال ما يعنيه العيد دينياً، والمنطلق فى فرحة ما يمثله له هذا العيد من فرصة للبهجة والتقاط الأنفاس فى مشوار الحياة الصعب الزاخر بالتوترات.

فى الكنيسة تعلم أن عقيدته وكنيسته طوال تاريخها قامت على الاستشهاد، وعلى أجداد سبقوا، واجهوا اضطهاد كل الإمبراطوريات القديمة بصلابة لا يدعمها سلاح سوى الإيمان.

مثل غيره كان يظن أن كل هذا التاريخ الزاخر بالألم والتضحية والاستشهاد ماض مضى، يستحضره فى الصلوات والطقوس والأعياد. حتى عندما كان يجد غيره وكأنه مازال يسير على ذات الدرب الذى بدأته الكنيسة منذ قرون، ويسقط بسبب عقيدته فى تفجيرات واستهدافات لم يخل منها عهد ولم تنقطع مع نظام، كان يبكى ويتعاطف ويغضب. ربما يصرخ أو يسب فى سره أو فى العلن أو عبر كيبورد، يشارك فى صلوات تأبين من راحوا فى الإسكندرية أو الصعيد أو سيناء، يتذكر من يعرفه منهم، ويتألم فى استكانة.

لوقت ظن أنه فى مأمن.. طنطا ليست كغيرها، لا فتن طائفية فى تاريخها، والنزعة الصوفية التى تضفى على تدين أهلها مزيجاً من الانفتاح والتسامح والقبول، وكأنه إشعاع المسجد الأحمدى الكبير ومريدى صاحب مقامه، ما جعل التجار الأقباط يتحلقون بجواره يمارسون بيعهم بأمان.

كان يظن، لكن صباح العيد بدد ظنونه، لم يعد فى مأمن، بل الحق عرف، أنه لم يكن من الأصل فى مأمن لمجرد أن يد الغدر لم تصل له بعد. كان كمسافر ينتظر محطته، وكأن هذا الوحش ينادى عليه «الدور.. الدور».

قبل لحظات من تطاير لحمه كانت الأحلام تتكاثر فى رأسه، عن المستقبل والنجاح والطموح والسعادة، لكنه لوهلة ومع استحضار معنى العيد ومناسبته، ربما سأل نفسه: أليس لى نصيب من هذه الآلام؟

والحق كان معه، فقد وجد له نصيباً، ووجد للجميع أنصبة، منهم من نالها ومنهم من يبدو واقفاً فى دور بلا حول أو قوة.

مات «مينا» لأنه مسيحى، ولأنه مصرى، ولأنه من تلك المنطقة المنخرطة فى صراع سياسى لا ينتهى.

كيف كان يمكن أن يغير قدره إذن؟

إذا كان الوحش يحارب معركته السياسية فى كل مكان، وهو دائماً الحلقة الأضعف التى يسهل ضربها فى كل مرة. تتكرر السيناريوهات والاختراقات والاعتقادات والانتماءات وتبقى النتيجة واحدة.. مسيحيين يموتون غدراً لحظة صلاة.

مات مينا لأنه مسيحى، سعى قاتله لاصطياده بسبب الصليب الذى يضعه فى باطن معصمه، وصوته الذى يتردد فى جنبات قاعة الصلاة، وإذا عاش كان سيبقى مشروع هدف محتمل، لا يعرف أين سيكون فى العيد التالى، وأين ستكون الضربة التالية.

مات مينا غدراً ومعه عشرات غيره رجال ونساء ومسلمون أيضاً. مات مثل ضباط الشرطة وأفرادها، لكن هناك من سأل كثيراً وكثيراً جداً مستنكراً: «شهداء الوطن؟!»، لا تجد موقعاً إلكترونياً ينشر أسماء الشهداء إلا وفى التعليقات من يستنكر وصف الشهداء، ومن هؤلاء من يعتقد أن الانتحارى الذى فجر نفسه بالإسكندرية مثلاً أرسل ضحاياه المسلمين لمنازل الشهداء، ووضع المسيحيين فى خانة القتلى الخاسرين.

مثل هؤلاء كثيرون وكثيرون جداً يعيشون بيننا، ليسوا إرهابيين، لم يحملوا السلاح ولم يستبيحوا الأرواح، لكنهم يملكون من أسس الاعتقاد والتفكير ما يجعلهم أقرب ذهنيا لمعسكر الإرهاب، وربما لديهم من التفهم ما يبرر جرائمهم، طالما أنها موجهة لآخر، مسيحى كان أو أى آخر مغاير.

هؤلاء مثلهم مثل الإرهابيين، تربوا على كراهية الآخر وازدرائه، وعلى رخص حياته، واستباحة عرضه وماله، وأيضا مصادرة مصيره فى أبديته، هؤلاء كثيرون جداً فى المدارس والمساجد والمعاهد والنوادى والحكومة والأحزاب.

إنهم يستكثرون على من ماتوا غدراً أن يكونوا شهداء لوطن أراد من قتلهم كسره وتركيعه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل