المحتوى الرئيسى

محمد صالح يكتب: طواحين الهواء والدولة المدنية الحديثة

04/10 10:23

يبدو حديث الأمس عن الإرهاب الذي “يضرب المسيحيين والمسلمين على حد سواء” وإعراض أغلبية المعلّقين والمحللين والخبراء على حادث الأمس عن اتهام الداخلية المصرية بالتقاعس الأمني، على الرغم من أن الوقت وقت أعياد ومناسبات وطقوس وتجمّعات، والكنائس منشآت على قمة المنشآت المعرضة لأخطر التهديدات، والحديث عن أن الإرهاب إنما ينتقم لما تكبده من خسائر في سيناء وتحديدًا في جبل الحلال، فإذا به يضرب حيث الحلقات الضعيفة في الدلتا، ولم يتمكن من ضرب عمق القاهرة. يبدو ذلك كله مدعاة للأسى والشفقة حقيقة. فأحدًا من السادة الأفاضل لم يضع يده على المشاكل الحقيقية التي تعاني منها الدولة الضعيفة والحكومة المهترئة.

منذ سنتين كان الإرهاب يضرب أنابيب الغاز في صحراء سيناء، ويقوم بعمليات إرهابية في كمائن الشيخ زويد والعريش، اليوم يضرب الإرهاب الكنيسة المرقسية منذ ١٢٠ يومًا، وأمس يضرب كنيستين في منطقتين مختلفتين من جمهورية مصر العربية التي يتصور شعبها أنه “بحاجة لإدارة عسكرية تستطيع الإمساك بمفاصل الدولة”! فأين إذن حزم الرئيس وحزم مؤسساته الأمنية التي تتمكن من الإمساك بصحفيين في عقر دار نقابة الصحفيين، وتقاضي نقيب الصحفيين وتودعه الحبس. بينما لا تتمكن من الإمساك أو حتى المساس بإرهابي يضع عبوة ناسفة أو يلبس حزامًا ناسفًا. بل قل أين الدولة من انتهاك الفراغ العام في الشوارع والمرافق والمواصلات العامة والمصالح الحكومية بجيش جرار من السلفيين الذين تشغل زواياهم وملصقاتهم كل الأدوار في المصالح الحكومية، بل ويتوقف العمل تمامًا أثناء الصلاة، دون قانون أو قاعدة إدارية تبرر هذا التسيب والانفلات. أين الدولة من شارع هدى شعراوي وممر بهلر ومئات الشوارع في المهندسين والدقي ومدينة نصر بينما يشغلها المصلون ويقطعونها جهارًا نهارًا ويغيّرون ملامحها بجمالونات ويؤسسون لقندهار راسخة في وسط قاهرة المعز الفاطمية التي تميزت طوال قرون من الزمان بنزعتها الصوفية المحبة للحياة وللسلام. أين الدولة من كل مظاهر البداوة تلك؟

أين تجديد الخطاب الديني؟ أين محاسبة شيوخ السلفية ممن لازالوا يطلون من قنواتهم الخبيثة فينفثون بغضًا وكراهية ورفضًا للآخر.

بل قل أين الأزهر الذي يرفض تكفير داعش بالأساس، ويسمح بمجرد السؤال عن فتوى تجيز تهنئة المسيحيين بأعيادهم من عدمه.

إنهم يتحدثون عن الإرهاب وكأنه حديث الساعة، ويتحدثون عن التطرف وكأنه ولد بالأمس، ويتحدثون عن السلفية والوهابية والأصولية وكأنها وليدة ثورة يناير.

إن الأمن لم ولن يكون عضلات تعصر الضعيف وتأمن شر القوي بترويضه والتواطئ معه. الأمن معلومات، والأمن فكر، والأمن تكنولوجيا حديثة قادرة على استشعار الخطر وأنواعه ونطاقه وطرق الحماية منه، الأمن دراسات ودورات وورش عمل وكوادر مدربة متعلّمة فعالة ونشيطة، لا تشريفات وتكريمات ومميزات وفنادق وشقق وڤلل وعقارات.

الأمن قبل كل شئ هو التعليم والثقافة والتربية والمجتمع المدني. الأمن هو محاربة الفقر والجهل والمرض. الأمن هو العمل على تطوير البنى التحية في العشوائيات وفرض سيادة الدولة على أراضيها ومحاربة البلطجة بجميع أشكالها (الرسمية منها وغير الرسمية). الأمن هو الشعب، والشعب هو من يدافع عن مكتسباته، وعن أمنه واستقراره، حينما يعلم أن الوطن وطنه، وأن المال ماله، وأن العرض عرضه. الشعب الذي يتعلم جيدًا، ويعالج جيدًا، ويعيش في مسكن ملائم جيد التهوية يتمتع فيه بجميع المرافق، ويصل إليه ومنه بوسيلة مواصلات آدمية وطرق معقولة هو الذي يدافع عن مكتسباته تلك. أما الشعب المحروم، الجاهل، المريض، الفقير فهو لص. شأنه في ذلك شأن اللصوص الذين سرقوه ويرفلون في نعيمه ويبخلون عليه بالتعليم والصحة والبنية التحتية. شأنه في ذلك شأن مبارك اللص. الأب والإبن معًا. الشعب أيضًا يسرق في مواد البناء، وفي المصالح الحكومية، ويرتشي ويسمح بدخول عبوات ناسفة، وقد يفجّر نفسه من فرط يأسه واستقطاب الخبثاء له.. الشعب هو من يدافع عن شرطته وجيشه الوطني لأنه يعلم دورهما ويعلم ضرورتهما، ويخدم فيهما. ويضحي أبنائه بحياتهم في سبيل أمن وسلامة الوطن.

اليوم وبعد تكرار حرفي لحوادث الإرهاب في التجمعات الدينية المسيحية. لايزال السادة المسؤولون والخبراء والمحللون يصارعون طواحين الهواء. بالأمن والقضاء والجيش.

إن داعش وبن لادن والقاعدة والنصرة والإخوان ليست تنظيمات وإنما هي أفكار.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل