المحتوى الرئيسى

مروة سامي تكتب: “١٠٤ القاهرة”.. الله يا ست

04/10 10:05

“١٠٤ القاهرة”.. عنوان لرواية قد تمر عليها بين رفوف المكتبات ولا تلفت نظرك، قد لا تتوقف أمامها لتفر في أوراقها لتقرر هل تشتريها أم لا، إذا توقفت قد لا يغريك اسم الكاتبة لتشتري الكتاب.

وهذا تحديدا ما دفعني لكتابة هذه السطور. لأثبت لنفسي قبل أن أثبت لأي أحد أن مصر وستاتها دائما قادرة على أن تدهشك. وأن ألاعيب التسويق. والأكثر مبيعا. وآراء كبار الكتاب المطبوعة في خلفية بعض الكتب. وجوائز البوكر والقائمة الطويلة. والجو ده كله ليس ضمانا أبدا لمحتوى الرواية.

أحتاج لقراءة الروايات كنوع من الإدمان. أحتاج لصحبة رواية تؤنس أفكاري. تعقد صداقة بيني وبين الشخصيات. إذا لم تنشأ هذه الصداقة. أهجر الرواية فورا وأبحث عن جرعة أخرى تهدئ أعراض الانسحاب.

طقوسي دائما لشراء الكتب هي التسكع بين المكتبات أو محلات بيع الكتب إذا أردنا الدقة. أبحث عن رواية أو اثنتين أمضي بعض الوقت بصحبتها. أبحث عن الدهشة والأفكار الطازجة غير المعلبة. أبحث عن خيال ينفض عني غبار الحياة اليومية ويكسر حوافها المربعة، المغلفة بالبلاستيك.

قد تكون عوامل الجذب بالنسبة لي هي اسم الكتاب وأحيانا آراء بعض الشخصيات الأدبية عن الكتاب التي توجد في الخلفية. الخدعة المكررة. وأحيانا يكون اسم المؤلف. على سبيل المثال اسم علاء الأسواني على أي رواية “وليس كتابا” كفيل بأن أقتنيها لأنه حتى الآن لم يكف عن إثارة دهشتي.

بدافع الفضول والملل واليأس من أن أجد رواية تتناغم مع ترددات موجاتي قررت استكشاف تلك الرواية بالرغم من الشك بأنها ستكون مثل غيرها وخصوصا أن الرواية لكاتبة. أنثى يعني. “مش عنصرية والله”. لأنه من المفترض أنني أنثى أيضا وأدعي أنني كاتبة على باب الله، بقدر ما هو إحباط من مستوى ما قرأت لكاتبات مصريات أستثني منهن عددا قليلا جدًا جدًا. ده بخلاف -استغفر الله العظيم- ما تفرزه الروائيات العربيات. تصدمني رؤى محدودة لمنتج يفترض أن الخيال فيه ليس له حدود وبالتالي لا افهم لماذا تتصدره “الدوجما” والخوف من كسر قيود الواقع واللهاث خلف كليشيه بيحبني؟ ما بيحبنيش؟ أو كليشيه المرأة المقهورة الضحية.

طمأنت نفسي أنه ليس هناك ما أخسره. مع احتمالية انني لن استطيع إنهاء قراءة الفصل الأول كما حدث مع معظم ما قرأت في السنة الماضية، إلا أنني قررت أن أتوكل على الله وأقرأ. ما هي خربانه خربانه.

تعرفت على الرواية عن طريق بوست على الفيسبوك به انطباع فنانة تشكيلية رائعة أثق في تلقائيتها بعد قراءتها للرواية. لم يخل انطباعي من أن هذا الحماس للرواية هو نوع من مجاملة الأصدقاء. ولِمَ لا إذا كان كبار الكتاب يفعلونها وأهي جمعية ودايرة. وهذا تحديدا ما لبسني في الحيط في 2016 قبل معرض الكتاب. كان هدفي أن أعد قائمة محترمة للكتب التي اشتريها من المعرض تكون زادًا وزوادًا لي طول السنة. اعتمدت على الـ reviews والترشيحات. إلى أن اكتشفت أنه فرح اتنصب وكله بينقط والنقطة بتترد. كان سببا في قراءة بعض الكتب التي لا تستحق عناء الطباعة. ما علينا.

توكلنا على الله. قرأت السطور الأولى من الرواية بصبر لم يخل من حيادية لحد ما نشوف، لأن شخصية “حسن” لم يكن بها ما يغريني وهي مفتتح الرواية. حتى وصلت إلى بداية كلام “انشراح” بطلة الرواية. للدهشة وجدت نفسي كالقطة التي تسعى خلف بكرة من الصوف طرف خيطها في يد “انشراح”. ما سر تلك الطاقة التي تشعها قصة حياة انشراح؟ وما هذا الوعي الذي تحمله “ضحى عاصي” في مجالات بعيدة عن دائرة اهتمام ستات مصر حتى المثقفات منهن أو مدعيات الثقافة وهُن كثيرات؟

انشراح. too good to be true. خلطة من السحر والفلسفة والحب غير المشروط والثقة بالنفس. بالرغم من إيماني العميق أن كل إنسان يمتلك ما تمتلكه انشراح. لكن مَن مِن البشر يدرك هذه الحقيقة؟

لا تملك إلا أن تحب انشراح. لكن حبي لها لم يخل من غيظ لأنها عارفة وفاهمة قدراتها. لكنها تخاف أن تصدق نفسها. قادرة على تغيير واقع كل المحيطين بها. ولكنها لا تغير واقعها. لكنني بالرغم من هذا الغيظ لا أملك إلا أن أحبها وأعجب بها.

الرواية لا تحتوي على أي فذلكة أدبية. تلمس ببساطة دون الإنجراف في فخ الشرح الأكاديمي أو الفلسفي المفرط موضوعات غير تقليدية مثل OBE (out of body Experience) وفكرة الروح المرشدة والوعي الكوني. الرواية تثير تساؤلات عن ما يمكن أن يصل إليه الإنسان إذا آمن بقدراته، وأعاد اكتشاف نفسه.

ضحى عاصي كتبت بصدق وتلقائية. يبدو أنها غير مشغولة بابهار أحد من النقاد وتجار سوق الكتابة أو مجاذيب الـ Social Media. بقدر ما هي مهمومة بأن تكتب نفسها ولنفسها وتبوح للورق ما بما يؤرقها من قضايا.

لا تخيفيني الأسماء ولا أخاف الاتهام بالجهل أو الضآلة الأدبية، فهناك الكثير من أعمال الكتاب المُكلبظةِ أسمائهم لا تعجبني. لا أحب الكتاب إلا إذا لمس روحي ولا أكمل قراءته إلا إذا شعرت بصدق الكاتب وحيرته. ولا أقبل أن يملي علي الكاتب أفكاره كأنها حقائق مؤكدة. لم أحب أدب نجيب محفوظ إلا بعد أن قرأت “في قلب الليل”. ولم أعشقه إلا بعد أن قرأت “أصداء السيرة الذاتية”.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل