المحتوى الرئيسى

توحيد الزهيرى- Tawhied Elzohery يكتب: معنى النفس والروح .. بخصوص عملية زرع الرأس للجراح الإيطالي | ساسة بوست

04/09 21:29

توحيد الزهيرى- Tawhied Elzoheryتوحيد الزهيرى

منذ 10 دقائق، 9 أبريل,2017

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ

لن تعيش رأس الإنسان الروسي فوق جسد الإنسان الإيطالي، يتعالى الآن الضجيج والصخب حول ادعاء بعض الأطباء قدرتهم على زرع رأس إنسان. والمقصود أنهم سيأخذون جسد إنسان إيطالى يُعاني من موت دماغي؛ ليتم توصيل هذا الجسد برأس مريض روسي يُعاني من شلل بجسده؛ نتيجة ضمور وتلف بالأعصاب الطرفية، بهدف أن يستفيد الإنسان الروسى بجسد الإنسان الإيطالى المحكوم عليه بالموت، وبكلمات أخرى: على أمل أن يقوم مخ الإنسان الروسي بتشغيل وتنظيم عمل الجسد الإيطالي.

أثار هذا الادعاء عاصفة من الاحتجاجات، والأسئلة المحيرة، هل ستنجح هذه العملية؟ بمعنى أن الإنسان الذي نُقل إليه جسد الآخر، سيعيش بعد إجراء هذه العملية الجراحية الجبارة، وإن شئت قلت بالغة البشاعة.

وبفرض نجاحها، فمن سيكون ذلك الإنسان الذي سيعيش بجسد غيره؟! هل سيكون نفس الإنسان الذي كان قبل نقل جسد غيره إليه؟! أم سيكون إنسانًا آخر، خاصة أنه لا شك سيحمل نفس ملامح الوجه، وعلى هذا الفرض، فمن هو الإنسان؟ ما هي حقيقة نفسه؟ وما معنى الروح؟

كل هذه الأسئلة المحيرة تحتاج – لا شك – إلى إجابات شافية.

ونحب أولًا أن نذكر الجميع بأن هوجة استنساخ الإنسان التي ارتفع صخبها منذ سنوات قليلة، وسودت فيها آلاف الصفحات التي تناقش فيها جوانبها المختلفة: العلمية والدينية والقانونية والاجتماعية، أقول: قد خبت تلك الهوجة وماتت، ولم يعد أحد يتحدث عن مشاكل الإنسان المستنسخ، وخرس كل الأطباء والعلماء الجهابذة الذين كانوا قد أعلنوا عن عزمهم استنساخ بعض أفراد الإنسان لمن يطلب منهم ذلك، وإن بقيت حثالة ممن يتشبثون بالأوهام.

لقد أدركوا عجزهم، لكنهم لم يعرفوا السر وراء ذلك!

والسر بكل بساطة ووضوح هو أن الإنسان ليس مجرد كائن حي، أو دابة تتحرك على الأرض مثل سائر الدواب، وحياة الإنسان تختلف في جوهرها عن حياة بقية الكائنات، بالرغم من التشابه الظاهر” في مظاهر الحياة التي تجمع الإنسان مع غيره من الحيوانات والكائنات الحية.

والجواب: يكمن الخلاف الجوهري في أن الإنسان صورة من روح الله، فالإنسان كائن قد خلق على هيئة (صورة) روح الله. وأن نفس الإنسان، أعني حقيقته الخالدة، كانت قبل خلق هذا الكون المشهود (هذه الأرض وهذه السماوات) فهي أزلية. وستكون بعد تدمير وزوال هذا الكون فهي أبدية، وأنها لا تخرج من الغيب، أي أنها لا تظهر وتصبح مشهودة، إلا بحصولها على نفخة من روح الله، أي قبسًا من النور تأخذه من روح الله، وهو الكائن الأول الذي خرج من الغيب قبل خلق السماوات والأرض، وكشف الله به عن غيبه، وأنار به علمه(1)

وهنا ينبغي أن نميز بين مستويين أو درجتين من درجات الحياة، أي درجات الاتصال بروح الله:

أ‌- درجة الكائنات الحية غير البشرية أو غير الآدمية

وقد نشأت (نبتت) وتطورت وتنوعت هذه الكائنات، عندما أخذ روح الله كتلة من الطين الأرض، ففاض عليها بالحياة، التي تُعد – في حقيقتها – أثرًا للمس روح الله لتلك القطعة من الطين، التي كانت الجسد الذي نشأت منه كل الكائنات الحية على وجه الأرض.

حدث ذلك في زمن موغل في القدم منذ ما يقرب من 9 مليارات من السنين، حيث كان يتم إعداد الأرض لنشأة (إنبات) الكائنات الحية، التي بدأت فعلًا في الظهور قبل ما يقرب من 5 مليارات سنة من الآن.

لقد تنوعت وتكاثرت الكائنات الحية بدء من الحيوانات البسيطة وحيدة الخلية، حتى انتهينا بأشباه البشر أو مقدمات الإنسان، وهنا ارتقينا إلى المستوى أو الدرجة الثانية، وهي الغاية من الخلق، لذلك يمكن تسمية الطينة الحية بطينة آدم، باعتبار أن خلق (ظهور) البشر كان الغاية من خلق الكائنات الحية.

فالإنسان – في الحقيقة – هو ثمرة شجرة الخلق.

ب‌- درجة البشر (الهيئة الآدمية)

وهي ثمرة الحصول على نفخة من روح الله الذي أثمر كائنًا حيًا يُشبه روح الله أو على صورته التي لا يشبهها أي شيء آخر على وجه هذه الأرض.

ههنا – في هذه الدرجة من الحياة – يحتوي الكائن في نفسه على نفخة من روح الله ترفعه فوق كل الكائنات الأخرى التي نشأت من تلك الطينة الحية التي أمسكها روح الله، أي من ذلك الجسد الذي نبتت منه كل الكائنات الحية.

ونفهم مما تقدم أن كل الكائنات الحية التي ظهرت على وجه الأرض كانت بمثابة مقدمات أو مراحل أولية تمهد لظهور الإنسان، وفي كلمات أخري كانت كل تلك الصور من الحياة بمثابة مخازن حُبس فيها الإنسان واختفى وراءها إلى أن حانت اللحظة التي تلقى فيها نفخة من روح الله خرجت بها نفسه من الغيب، أي أصبحت مشهودة في الصورة البشرية أو الهيئة الأدمية التي يتعرف الإنسان فيها على نفسه أو يعرف فيها نفسه.

وتَشكُّل الإنسان في مختلف الصور هي الحقيقة التي سيَعلمُها جميع الناس عندما يُعلنها الله لهم يوم القيامة بقوله مخاطبًا الإنسان:

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ

فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ

و قوله: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ. يعني في أي صورة كلما اختار ركبك فيها.

(أي = كل) ، (ما = كلما أو إذا) ، (شاء = اختار)

إذن فقد رُكب الإنسان في كافة الصور التي يمكن أن يراها ببصره في هذه الحياة الدنيا، وإذا كانت هذه الحقيقة تخفي عن أغلب الناس في حياة الابتلاء هذه، فإنها ستتجلي لهم يوم القيامة عندما يعلنها الله صراحةً دون مواربة، كما أخبرنا في سورة الانفطار.

إذن، فقد رُكب الإنسان (جمعت صورته ونظمت أجزاء جسمه) فيما لا يحصي من الصور بمشيئة (اختيار) ربه، أثناء خلقه (إظهاره) وتسويته (إنضاجه و ترقيته) وعدله (إقامة بنائه في صورة معتدلة) حتى خرج (ظهر) في أحسن تقويم، أو أجمل صورة؛ لأنه أصبح – حينذاك- على هيئة روح الله، وهو المثل الأعلى في السماوات والأرض(2).

ولقد أوضح لنا رسول الله هذا الفرق والتمييز بين درجتي الحياة حين تحدث عن مراحل أو أطوار تخليق جنين الإنسان في بطن أمه. فأخبرنا أن الجنين يكون نطفةً ثم يكون علقةً ثم يكون مضغةً(3)، ثم تتكون فيه العظام وبراعم أجهزة و أعضاء الجسم، ثم يُنفخ فيه الروح.

وغني عن البيان أن الإنسان في مراحل النطفة والعلقة والمضغة وظهور العظام وبراعم أجهزة الجسم يكون حيًا، تتجلي فيه جميع مظاهر الحياة التي تجمعه مع جميع الكائنات الحية، و من ثم فإن معنى نفخ الروح بعد ذلك يدل على معنى آخر، أو درجة أرقى من درجات الحياة حيث يكتسب الإنسان صورة آدم ويكون في طورٍ جديد مُحال على أي كائن آخر أن يبلغه؛ لأنه يصبح على هيئة روح الله، صلى الله عليه وسلم.

إذن، فعندما يتحدثون عن فصل جسد إنسان إيطالي مصاب بموت المخ، يعني ببساطة قطع رأسه وإلقائها في القمامة ليتم تركيب هذا الجسد تحت رأس إنسان آخر مصاب بشلل في جسده، الذي سوف يُفصل عن رأسه ويلقى به أيضًا في القمامة، أقول إننا – في الحقيقة – نكون بإزاء عملية قتل لاثنين من البشر.

إنني على يقين تام من فشل تلك التجربة التي لن تُسفر إلا عن اثنين من القتلي، ليس شكًا في علم الأطباء العظام ولا قدرتهم الجراحية، ولا تجهيزاتهم الطبية العالية، ولكن إيمانًا بأن الإنسان ليس مجرد دآبة تتحرك على الأرض.

ولن تعيش رأس الإنسان الروسي فوق جسد الإنسان الإيطالي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل