المحتوى الرئيسى

بين فلسطين وتونس: ضريح ودم مشترك وأكثر

04/09 12:56

كيف نشفى من حب تونس؟ سؤال طرحه الشاعر الراحل محمود درويش. ربما لم يكن السؤال محض مصادفة، فقد عُرف عن التونسيين مناصرتهم للقضية الفلسطينية واحتفاؤهم برموز ثقافة مقاومتها، من خليل الوزير إلى ياسر عرفات ومحمود درويش وسميح القاسم.

دخل هؤلاء قلوب التونسيين دون استئذان. وفي التظاهرات والمناسبات النضالية وغيرها ما زال علم فلسطين يُحمل إلى جانب العلم التونسي.

تربط الشعب التونسي صلة وطيدة بالشعب الفلسطيني لعوامل عدة، إذ احتضنت تونس منظمة التحرير الفلسطينية في الثمانينيات من القرن الماضي تحديداً منذ سنة 1982 بعد خروجها من لبنان، كما تم اقتراح تونس كمقر لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وقد شهدت تونس آنذاك دخول الآلاف من الفلسطينيين بحفاوة شعبية عارمة، ودعمت وسيلة بورقيبة، زوجة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، وجودهم في تونس وتابعت ظروف إقامتهم آنذاك.

كما شهدت مدينة حمام الشط بالضاحية الجنوبية للعاصمة حادثة الاعتداء الصهيوني على مقر منظمة التحرير الفلسطينية والتي ذهب ضحيته 50 فلسطينياً و18 تونسياً إضافة إلى جرح مئة شخص، كما تم اغتيال القائد خليل الوزير (أبو جهاد) في مقر إقامته بسيدي بوسعيد بالضاحية الغربية للعاصمة بعد اقتحام فرقة كوماندوس بيته وقتله هو وحراسه.

تعود هذه العلاقة الطيبة إلى سنوات طويلة، إذ هاجر عشرات التونسيين من مختلف أنحاء الجمهورية التونسية شمالاً وجنوباً إلى فلسطين المحتلة من أجل الالتحاق بالمقاومة ضد العصابات الصهيونية، وكان هذا القرار نابعاً من إرادة ذاتية دون توجيهات رسمية تحثهم على اللحاق بالمقاتلين الفلسطينيين.

وبلغ عدد التونسيين الذين ذهبوا إلى فلسطين 2676 متطوعاً حتى 20 يوليو 1948 حسب وثائق " المركز الوطني والجامعي للتوثيق العلمي والتقني". وقد أشاد عبد الرحمن عزام، أمين جامعة الدول العربية، بأداء فوج المقاومين من المغرب العربي في حرب فلسطين 1948.

ويذكر تقرير للاستعمار الفرنسي تضمنه أرشيف الوثائق العامة للحكومة التونسية بالقصبة تحت الرقم 1030، أن عدداً من الشباب التونسيين الذين تراوحت أعمارهم بين العشرين والخامسة والعشرين، بعضهم من العاطلين عن العمل وبعضهم ممن يشتغلون بالخدمات اليومية، سافر إلى الأراضي الفلسطينية سنة 1948 وذلك قبل الإعلان عن قيام إسرائيل في 14 مايو 1948.

وقد حاول المستعمر الفرنسي آنذاك منع المقاومين التونسيين من الالتحاق بجبهة القتال ولكن محاولاته لم تنجح.

وأشار الباحث نور الدين سريب في بحث عن ردّة الفعل التونسية تجاه حرب 1948، نشر في عمل مشترك صدر عن جامعة إكس أون بروفنس الفرنسية بعنوان "العلاقات بين المغرب والمشرق"، عام 1984، إلى أن دوافع التحاق التونسيين بالمقاومة الفلسطينية دينية وقومية وأيضاً تحريرية من أجل تحرير تونس وتعلم الخبرات القتالية والتعود على القتال.

وقال إن التنظيمات السياسية ساهمت في تعزيز الروح الأخوية، ومنها الحزب الدستوري القديم والحزب الدستوري الجديد وكذلك أساتذة الزيتونة.

ويُذكر أن محمد الصادق بسيس وهو أحد أساتذة التعليم الزيتوني بتونس وأحد الناشطين في الحياة الجمعياتية عرف بحماسته الشديدة للقضية الفلسطينية وترأس جمعية الدفاع عن فلسطين العربية في 1936 كما أعلن لجنة الدفاع عن فلسطين التي فتحت باب التطوع للقتال في فلسطين وجمع التبرعات وتجنيد المتطوعين.

وفي هذا السياق جاء في تقرير "روبرت"، قائد الجندرمة بمحافظة قفصة، جنوب البلاد، بتاريخ 15 مايو 1948، وهو محفوظ في أرشيف الحكومة التونسية، أن الدعاية ضد الصهيونية ازدادت إذ تم تسجيل خروج 55 مقاوماً من دائرة قفصة مقارنة بمقاومين أو ثلاثة من بقية الدوائر، كما ذكر التقرير دور الاتحاد العام التونسي للشغل، منظمة الشغيلة بتونس، في تعبئة المقاتلين وتوجيههم إلى فلسطين.

شارك غردكيف نشفى من حب تونس؟ سؤال طرحه الشاعر الفلسطيني محمود درويش.. علاقة التونسيين الوطيدة بالقضية الفلسطينية

شارك غردتيمناً بقدرات الشباب المغاربي الذين قاتلوا في فلسطين، ومن بينهم تونسيون، سمى صلاح الدين ساحة المغاربة في القدس

وقال الأستاذ عمر الشاهد، رئيس حزب الغد، وهو حزب عروبي تونسي، لرصيف22 "إن علاقة التونسيين بفلسطين علاقة ضاربة في التاريخ" منذ ألف سنة.

وذكر أن جيش صلاح الدين الأيوبي الذي خاض معارك ضد الصليبيين ضم مجموعة شباب من المغرب العربي. وتيمناً بقدرات الشباب المغاربي الذين ذهبوا إلى القتال في فلسطين، ومن بينهم تونسيون، سمى صلاح الدين ساحة المغاربة في القدس باسمها الذي ما زالت تُعرف به إلى اليوم.

وأضاف الشاهد: "في القرن السابع عشر ذهب شباب من تونس واشترى أحدهم منطقة باب المغاربة بالكامل وجعلها أرض حبس على التونسيين وكان كل مَن يدخلها من التونسيين يسكن فيها مجاناً. وتمتلك وزارة الثقافة الفلسطينية هذه الوثيقة التاريخية.

وأشار إلى أن ذهاب التونسيين إلى فلسطين كان قبل سنة 1948 وقال: "في عهد الانتداب البريطاني، نفّذت بعض العصابات الصهيونية هجمات على الفلسطينيين، فانتقل بعض الشباب التونسي سنة 1947 للقتال ضد الصهاينة هناك وكان ذلك قبل ظهور إسرائيل، وقاتلوا تحت إمرة شكري القوتلي الذي كوّن آنذاك جيشاً من العرب الوافدين من كل الأقطار العربية".

ولفت إلى أن بعض التونسيين ضحوا بحياتهم على أرض جنوب لبنان وأرض فلسطين وبقي البعض أحياء ومنهم اثنان على قيد الحياة، وهما من مدينة أم التمر من محافظة مدنين جنوب تونس.

وتابع: "مع ظهور المقاومة في جنوب لبنان انضم عدد من الشباب التونسي إلى صفوف المقاومة في جنوب لبنان وبالتحديد إلى التنظيم الشعبي الناصري بقيادة معروف سعد، وبقي بعضهم منتسباً إلى فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية".

وفي سنة 2008، حين أبرمت صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل بوساطة ألمانية، تم تسليم رفات 11 تونسياً أشهرهم على الإطلاق ميلود ناجح قائد العملية الشراعية.

وقضى ميلود بن ناجح نومة في 26 نوفمبر 1987 بعد عملية اقتحام معسكر قيادة المنطقة الشمالية للجيش الصهيوني في فلسطين المحتلة باستخدام طائرة شراعية.

ومن أشهر الشباب الذين فدوا القضية الفلسطينية بحياتهم عمران المقدمي الذي قضى في 26 أبريل 1988 بعد اقتحامه موقعاً عسكرياً صهيونياً في قلب مستعمرة دان بشمال هضبة الجولان.

وعمر قطاطسنة عام 1992، وقد أصيب برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء إمداد المقاومين الفلسطينين بالمؤونة في مرج الزهور بالجنوب اللبناني. وصولاً إلى محمد الزواري الذي اغتيل في عملية خاصة من قِبل الموساد بمحافظة صفاقس في 15 ديسمبر 2016 والذي عُرف بلقب "طيار المقاومة".

وقال السفير الفلسطيني السابق بكابول والمقيم بتونس الأستاذ جمعة الناجي لرصيف22: "أنا من جيل بدايات الثورة الفلسطينية. أتذكر أن عشرات الشباب التونسي قد جاء إلى فلسطين منذ نهايات الستينيات وقد اقتسمنا معهم الضريح والرغيف والجرح نفسه، وقد رأى هؤلاء في القضية الفلسطينية أنها القضية المركزية".

وتابع: "في البداية جاء المقاتلون إلى منطقة الأغوار الشمالية من أجل مواجهة المستعمرات الإسرائيلية وقد عبروا النهر من الأردن وسطروا ملاحم بطولية في مواجهة العدو الإسرائيلي ونحن نذكر لهم هذا الدور الوطني والعروبي".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل