المحتوى الرئيسى

نهاية دولة المماليك في مصر | المصري اليوم

03/30 21:49

وصف المستشرق الأسكتلندي وليم موير دولة المماليك في كتابه تاريخ دولة المماليك في مصر بأنه لا يوجد في تاريخ العالم نظيراً لعصر المماليك، حيث يتم شراء طائفة من الأرقاء بأموال المصريين من أسواق آسيا تحت رعاية أرقاء مثلهم، ثم يحكمون بلداً غنياً مثل مصر ويضعون أيديهم على بلاد أخرى خارج مصر، ويصبح مملوك اليوم منهم هو حاكم الغد، حكم المماليك مصر لمدة قرنين ونصف تقريباً (1250 – 1517) محققين إنجازات عسكرية مهمة والكثير من الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وخلفوا من ورائهم كثير من الآثار شاهدة على تقدم فنون البناء والعمارة والزخرفة في عصرهم، وعلى كم البذخ المادى والفساد الذي أطاح بدولتهم في نهاية الأمر.

عسكرياً نجحت دولة المماليك في الحفاظ على مصر ووحدة أراضيها من الاحتلال العسكرى سواء من المغول أو من الصليبين ولم تتعرض لاحتلال مماثل لما حدث في الشام والعراق، كما نجحوا في الوقوف أمام أطماع البرتغاليين التوسعية خاصة محاولاتهم الحثيثة للسيطرة على البحر الأحمر وطرق التجارة، أما اقتصادياً فقد أهمل المماليك القطاع الصناعى والزراعى مما أدى لتعرض مصر للعديد من المجاعات (عدد المجاعات التي اجتاحت مصر من 1250 م إلى عام 1517 تجاوز الـ 20 منها مجاعة عام 1295 وعام 1403 تم رصد حالات أكل لحوم بشر) ناهيك عن الأوبئة والجفاف والفيضانات وارتفاع أسعار السلع الغذائية التي كانت قاسماً مشتركاً طوال فترة حكم المماليك، وبالتالى لم يجد المماليك بديلاً عن الاعتماد على التجارة الخارجية باستغلال موقع مصر الجغرافى كمعبر لحركة التجارة بين الهند وأوروبا من خلال فرض الضرائب على البضائع التجارية أو تصدير التوابل والبخور الوارد من الهند، إلا أن الفساد الذي استشرى في أركان دولة المماليك من استخدام أهل الثقة بدلاً من الكفاءات في المناصب الحساسة وانتشار الرشوة وشراء المناصب والتركيز على احتكار السلطة والتجارة، وإقصاء المصريين وحتى المماليك المنتمين لأجنحة معارضة وإهمال التعليم والبحث العلمى وقطاع الصحة مما أدى في نهاية الأمر إلى تدهور الآلة العسكرية القوية للمماليك، وإطلاق العثمانيين على دولتهم رصاصة الرحمة في معركة مرج دابق ثم الإجهاز عليهم في معركة الريدانية.

سياسياً تم إنهاك دولة المماليك في دوامة الصراع على السلطة، حيث قام النظام المملوكى على نظام ملكى فريد من نوعه يتم بموجبه انتقال السلطة من ملك إلى آخر بناء على قاعدة المُلك لمن غلب وليس بنظام الوراثة، كما كان على الفائز بالعرش سداد فواتير الدعم الذي تلقاه من أمراء المماليك الذين أوصلوه للعرش بتعينهم في مناصب تبسط سيطرتهم على مفاصل الدولة وتدر عليهم مكاسب مربحة، وكان على الشعب أن يتحمل تحصيل الضرائب بصورة مضاعفة لعدم اعتراف الطرف الفائز بالضرائب المدفوعة للطرف المهزوم أو التابع للحاكم السابق.

كما جاء اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح ليضع بداية النهاية لتك الدولة، حيث انخفضت بشدة حركة التجارة الخارجية التي كانت تمر بالأراضى المصرية نظراً لارتفاع قيمة الضرائب التي كان على التجار الأوروبيين تحملها مما أدى لحالة إفلاس حاول المماليك علاجها بخفض قيمة العملة المصرية (الدرهم) بإحلال الفضة كبديل عن الذهب إلا أن معدلات التضخم استمرت في الارتفاع وانخفضت القيمة الشرائية للعملة المصرية في هذا الوقت، ورغم محاولات المماليك الحثيثة لإنقاذ الاقتصاد بتوزيع فتات الأموال على الناس ومحاولة السيطرة على الاحتكار وفتح الشون والتسعير الجبرى للمواد الغذائبة إلا أن كل هذه الإجراءات جاءت متأخرة جداً وغير فعالة نظراً لضعف الكفاءة الإدارية للدولة في ذلك الوقت.

لا شك أن دولة المماليك كانت حائطاً منيعاً حمى مصر من أطماع ومؤامرات استهدفت السيطرة على مصر واستغلال خيراتها إلا أن إدارة مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كان من السوء إلى درجة أن الجبهة الداخلية كانت مفككة تماماً، وتعددت الثورات والاضطرابات في أنحاء متفرقة من مصر، وكان المصريون يشاهدون مثلا معركة الريدانية من مقاعد المتفرجين بدون أي مشاركة حقيقية في حماية بلادهم من الصراع المملوكى العثمانى، بينما لو كانت هناك مشاركة حقيقية في السلطة لكان المصريين كفيلين بهزيمة السلطان سليم الأول وجيشه ودفعه بعيداً عن مصر والشام.

كثيراً ما رددنا مقولة بأن التاريخ يعيد نفسه، فقد تختلف الدول في أسباب صعودها إلا أن نهايات تلك الدول وسقوطها يأتى دائماً متشابه فهل نتعلم الدرس من التاريخ أم نترك التاريخ يعيد نفسه بأشكال وصيغ جديدة تتناسب مع عصرنا.

قد اجتذبت موانئ مصر المدن التجارية الإيطالية، البندقية وجنوة وبيزا، بفضل التكاليف الزهيدة للبضائع القادمة من الشرق الأقصى عبر هذا البلد، بالإضافة إلى ميزة الحصول على حاصلات الأراضي المصرية ومنتجاتها الصناعية، وكانت هناك من جهة أخرى أرباح كبيرة تتحقق بتوريد بعض السلع الأوروبية التي كانت مصر بحاجة إليها مثل الحديد والخشب، لكن توثيق العلاقات السلمية مع مصر لم يكن بالسهولة التي تبدو لأول وهلة بسبب عداوة مصر للصليبيين في بلاد الشام. وكانت المدن الإيطالية خاصة تسأل قبل أن ترتبط بعلاقات تجارية مع مصر: هل تسيء بذلك إلى بقية العالم المسيحي؟ لأن تجار مصر سوف يستفيدون حتماً من جرَّاء المبادلات التجارية، كما تنتفع خزائن السلطان من حصيلة الرسوم الجمركية، ويترتب على ذلك تنامي قوة هذا البلد، مما يشكل ازدياداً في الخطر على المدن الصليبية في بلاد الشام.

وكان التاجر الغربي الذي يتاجر مع مصر يُوصَف بأنه مسيحي فاجر، في حين تعرَّض حكام المماليك الذين يتعاونون مع التجار الغربيين للانتقاد من قبل بعض المتعصبين، وبالرغم من أن العقبات على التجارة بين مصر والمدن الإيطالية تأتي من الطرفين، إلا أنها استمرت ناشطة أحيانًا وسط الأجواء العاصفة، وكان الأمل عند الطرفين في الحصول على أرباح ومنافع جسيمة يبدد الكثير من المخاوف.

وإذا كانت العلاقات بين المدن الإيطالية التجارية وبين المماليك تأرجحت بين المشاحنات والهدوء وفقًا لتقلب الظروف السياسية، فإن الوضع اختلف مع الإمارات المسيحية في أوروبا الغربية مثل قشتالة وأرغونة وإشبيلية.

ويبدو أن حرص الإمارات المسيحية في إسبانيا على عدم وصول نجدات من دولة المماليك إلى المسلمين في إسبانيا دفع ملوكها إلى مسالمة المماليك، وتبادل الهدايا مع الأمراء في مصر.

وإذا كانت التجارة مع مصر مباحة بوجه عام لرعايا ملك أرغون فإنه كان محظورًا عليهم أن يبيعوا المسلمين مواد بناء السفن أو سفنًا مبنية، وفي عام 673 هـ / 1274م أصدر جيمس الأول ملك أرغون مرسوماً يحظر فيه تصدير المعادن والخشب والأسلحة والمواد الغذائية إلى مصر.

كما ارتبطت صقلية بعلاقات طيبة مع حكام مصر منذ العهد الأيوبي، وقد تمتع الصقليون في مصر بتخفيض في التعريفات، واستمرت هذه العلاقة الطيبة في عهد دولة المماليك البحرية، إذ حرص مانفرد بن فريدريك الثاني على صداقة السلطان بيبرس، كما حرص هذا الأخير على الاحتفاظ بعلاقة الود التي ربطت مصر بمملكة صقلية، وقد جمعت الطرفين مصلحة مشتركة وهي العداء للصليبيين في بلاد الشام ومغول فارس.

وتشير المراجع إلى تبادل الهدايا بين مانفرد وبيبرس، فأرسل هذا الأخير في عام 660 هـ / 1261 م، وفداً برئاسة المؤرخ جمال الدين بن واصل إلى ملك صقلية، وحمله هدية جليلة منها بعض الزرافات، وبعض أسرى عين جالوت من المغول، وقد رد مانفرد بسفارة مشابهة تحمل الهدايا للسلطان[24].

ارتبط تاريخ البرتغال التجاري منذ أوائل القرن السادس عشر الميلادي بالكشوف الجغرافية، والواقع أن حركة الكشوف هذه التي تم قسم كبير منها في القرن الخامس عشر الميلادي كانت أهم نتيجة عملية للنهضة الأوروبية، فقد استطاع الملاحون الأوروبيون أن يحققوا أعظم نصر في هذا المجال في أواخر ذلك القرن تمثل في حادثين:

الأول: كشف الأمريكتين ابتداءً من عام (898 هـ / 1492 م).

الثاني: كشف الطريق البحري من أوروبا إلى الهند بالالتفاف حول أفريقيا عن طريق رأس الرجاء الصالح في عام (904 هـ / 1498 م).

وكان لهذين الحادثين أثر عميق في تاريخ العالم ومستقبل البشرية[25].

والواقع أنه تضافرت عدة عوامل أدت إلى الكشف الجغرافي الثاني المرتبط مباشرة بموضوعنا، والذي كان رائده فاسكو دي جاما لعلَّ أهمها:

1 ـ التخلص من الرسوم الجمركية الفادحة التي كانت تفرضها السلطات المملوكية في مصر وبلاد الشام على السلع الشرقية عند مرورها في أراضي هذين البلدين.

2 ـ الرغبة في ضرب الاحتكار الذي كان يمارسه تجار البندقية في نقل السلع الشرقية من موانئ مصر وبلاد الشام إلى أوروبا كوسيلة لحرمان هذه الجمهورية من مصادر ثرائها.

3 ـ تطلع التجار من رعايا دول أخرى غير البندقية إلى النزول إلى ميدان التجارة الشرقية، والحصول لأنفسهم على شطر من أرباحها الوفيرة.

4 ـ ضرب المسلمين حيث أدى العامل الديني دورًا بارزًا في تخطيط سياسة البرتغاليين، بهدف تحويل المسلمين في غربي أفريقيا وفي غيرها من المناطق الآهلة إلى المسيحية.

5 ـ سيطرت على الأوروبيين في عصر النهضة رغبة قوية في زيادة معلوماتهم الجغرافية[26].

وبوصول البرتغاليين إلى الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح أنشأوا لهم مراكز تجارية مسلحة على سواحل البلاد الواقعة على هذا الطريق، وعملوا على بسط سيطرتهم العسكرية والتجارية على هذه المناطق ابتغاء احتكار تجارة الشرق، ونقلها إلى أوروبا عبر الطريق الجديد.

وقد أحدث نبأ هذا الاكتشاف الجغرافي المهم انفعالاً قويًا في الدوائر الحاكمة في كل من مصر وجمهورية البندقية؛ ذلك لأن كل ما يصيب تجارة الشرق الأدنى من ضرر يزعزع أسس قوتهما وثروتهما.

وتابع البرتغاليون نشاطهم التجاري في الهند لتحقيق هدفين ينتهيان إلى غاية واحدة:

الأول: توسيع مجال تجارتهم بفتح أسواق جديدة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل