المحتوى الرئيسى

أصل الحكاية | المصري اليوم

03/29 23:57

فى لقاء قريب جمعنى بمجموعة رائعة من شباب وشابات الجامعات لإلقاء محاضرة عن «عناصر بناء الشخصية الناجحة»، طلب منى العديد منهم فى نهاية المحاضرة كتابة سلسلة من المقالات التى تعينهم على الفهم والإدراك الحقيقى لجوهر وطبيعة الصراع العربى- الإسرائيلى، نظراً لما يشعرون به من غضب شديد تجاه السياسة الإسرائيلية العدوانية فى أراضى فلسطين المحتلة.

والحقيقة المطلقة التى لا جدال حولها تبدأ من «أصل الحكاية»، وهى الفكرة الصهيونية فى طبيعتها السياسية والاجتماعية، فهى تنطوى على تصور خاص للإنسان العربى من حيث طبيعته وحقوقه والصلات القائمة بينه وبين وطنه.

كما ترتكز الخطة التوسعية الإسرائيلية على نظرة معينة إلى الإنسان العربى تتنافى مع كل ما يمت إلى حقوقه بصلة، إذ تقف وإياه على طرفى النقيض، وترسم هذه الحقيقة الطبيعة السياسية والاجتماعية لجوهر الصراع العربى- الإسرائيلى. ذلك لأن الدعوة الصهيونية فى مطامعها الرامية إلى الاستيلاء على أجزاء من أرض العرب والسيطرة على مقدراتهم ليس بوسعها أن تعترف بأى حقوق للإنسان العربى.

وهذه النظرة الصهيونية ليست بنت الساعة، بل ترتكز على رصيد تاريخى لا يجوز الاستهانة به، أو بالملابسات التى واكبته وأسهمت فى تكوين رواسبه.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الفكرة الصهيونية وليدة بيئة أوروبية تشكلت خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وهى وريثة موقف تعسفى انعزالى خاص عن العالم وشعوبه وحضاراتــه، لم تعمل على تخطيه وتجاوز معطياتــه التاريخية الراهنة، بل عكفت على تمثله واقتباسه، فاعتنقت العنصرية، بحجة الدفاع عن اليهود، وكرد فعل لظاهرة العداء للسامية، واستنبطت فكرة «القوميــة اليهوديــة» بمثابة تعويض عن كل ما لحق باليهود من أذى على يد العنصرية الأوروبية المتعصبة.

وهكذا، لقد اقتبست القومية اليهوديــة شتى المفاهيم والتصورات التى كانت سائدة فى المجتمع الأوروبى فى الربع الأخير من القرن الماضى لتحارب أعداء الساميـة بسلاحها، ثم لتبقى أسيرة هذا السلاح نفسه بعد ذلك. إن النظرة الصهيونية إلى حقوق الإنسان العربى لا يمكن عزلها عن النظرة الصهيونية إلى الإنسان العربى نفسه، ذلك لأنها وليدة الصورة التى شاءت الظروف أن ترسمها لها وفقا لمقتضيات أهدافها وميولها الخاصة.

والفكرة الصهيونية تركز على اغتصاب أرض عن طريق اقتلاع شعب بأكمله من تراب هذه الأرض، وإذا ما اصطدمت بمقتضيات العدل والشرعية الدولية، فإنها تلجأ إلى تعميمات خبيثة تشكك بها فى علاقة القومية العربية بالوطن العربى فى فلسطين. ثم يتساءل رأى آخر بخبث قائلا: متى كانت فلسطين عربية.. وفى أى حقبة من التاريخ؟ فيتغافل عن ثلاثة عشر قرنا من تاريخ العرب المتصل بفلسطين، وعن حقوقهم فيها منذ فجر التاريخ.

هذا ولم تظهر مطامع إسرائيل التوسعية هذه فى أى وقت بشكل واضح محدد، لأن مؤسساتها السياسية والعسكرية اعتبرت حدود الدولة الإسرائيلية المنشودة فى حركة ديناميكية مستمرة، تتسع مع تزايد أسباب القوة والنفوذ.

لهذا نشأت إسرائيل كفكرة غامضة، حيث لم يكن هناك شعب يهودى يسعى إلى تحقيق ذاته سياسيا، بل كانت هناك مجرد جمعيات دينية وعنصرية مختلفة، تخطط على خرائط من بنات أفكارها حدوداً مصطنعة لبلاد لم تطأها أقدامهم بعد.

والملاحظ أن الغاية القومية الصهيونية نفسها عندما تبلورت أبعادها فى مؤتمر بال سنة 1897، كانت تتسم أيضا بالغموض بما دعا تيودور هرتزل لأن يقول: «لو طُلب منى أن ألخص مؤتمر بال فى كلمة لقلت (إنـــــه فى بال تم تأسيس الدولة اليهوديـــــة، ولو قلت ذلك بصوت مرتفع لضحك منى الجميع).. ولكن المؤسسة العسكرية الصهيونية وقتها كانت تعى ما تقول، وتعتمد على الإغراق فى الغموض لقضاء حوائجها، فبدأت تطالب بوطن قومى لليهود فى فلسطين- مجرد وطن قومى لهم- على حين هى تضمر فرض دولة تشتمل على كل الأرض، من النيل إلى الفرات».

وعندما رسمت إسرائيل خريطتها الأولى بحرب 1948 التوسعية، جاءت على شكل مثلث بالغ الطول شديد النحول، جملة مساحته 20700 كيلومتر مربع ومجموع أطوال حدوده وقتئذ 951 كيلومترا، منها 531 كيلومترا مع الأردن، و٧٠ كيلومترا مع سوريا، ومثلها مع لبنان، و٢٤٧ كيلومترا مع شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة.

ومع مولد الدولة تعمدت قيادتها السياسية أن تغفل أى ذكر لشكلها الجغرافى، وجاء دستورها خاليا من أى تحديد لحدود الدولة، على حين نادى أول رئيس لوزرائها بأن... «حدود إسرائيل تكون حيث يقف جنودها»، فألقى بهذا التصريح العدوانى بعض الضوء على خبايا المطامع الصهيونية ومراميها التوسعية فى الوطن العربى.

وعندما اشتعلت ثورة العراق عام ١٩٥٨، وكشـف الزعيم عبدالسلام عارف عن وثائق حلف بغداد الاستعمارى، ظهرت وثيقة صهيونية خطيرة كانت فى ملفات هذا الحلف، تحمل وجهة نظر المؤسسة العسكريــة الإسرائيليــة فى بعض المناطق العربية المتاخمة، وما توفره لإسرائيل من مزايا كبيرة، إذا ما ضمتها إلى رقعة دولتها، وهى مزايا استراتيجية وسياسية واقتصادية.

وبهذا كانت هذه الوثيقة أول دليل مادى على ما تبيته إسرائيل من خبايا توسعية فى الوطن العربى الكبير، ولم تحظ هذه الوثيقة بأى اهتمام من العالم، بفضل تحكم الصهيونية فى وسائل الإعلام العالمية، وهذه الوثيقة الصهيونية التى اكتشفها العرب فى محفوظات حلف بغداد أظهرت خبايا المطامع الصهيونية التوسعية التى أشعلت إسرائيل على هديها عدة حروب عدوانية لغرض دفع حدودها للأمام، واغتصاب المزيد من الأرض العربية المجاورة. وقد نجحت فى عدوانها عام ١٩٦٧ أن تضم إلى رقعتها ما يزيد على ثلاثة أمثال مساحتها الأصلية، قطعتها من أراضى مصـــر والأردن وسوريا. وبمجرد أن تم لها ذلك سارعت بالإعلان على لسان زعمائها السياسيين وقادتها العسكريين عن أنها لن تتزحزح قيد أنملة عن هذه الحدود الجديدة التى زعمت أنها توفر لها الأمن المنشود.

وفى الوقت نفسه راحت أجهزتها المختلفة تشكك فى حق العرب القانونى فى ملكية هذه الأرض. وكشفت إسرائيل بهذا المسلك عن أن الأهداف الصهيونية الجائرة هى الدافع الحقيقى وراء الصراع العربـــى- الإسرائيلى والدافع الأول لإثارته، يؤازرها فى ذلك مخطط قوى الاستعمار فى المنطقة العربية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل