المحتوى الرئيسى

قانون السلطة القضائية.. والموت المدنى | المصري اليوم

03/29 22:30

فى العهد الرومانى القديم لم يكن الإنسان يكتسب الشخصية القانونية إلا إذا توافرت فيه ثلاثة عناصر: أن يكون رومانيا، وأن يكون حرا، وأن يكون مستقلا بحقوقه، فإذا فقد عنصرا من هذه العناصر الثلاثة فقد شخصيته القانونية كلها أو بعضها، لكن ما الحل فى حال أن غير رومانى تعامل مع رومانى، واستدان منه ولم يستطع أن يرد له الدين، كيف يمكن تحميل هذه الديون لأسرته وعشيرته ليقوموا بسدادها بالنيابة عنه، وجد المشرع الرومانى نفسه فى مأزق، وتفتق ذهنه عن حيلة قانونية تسمى الموت المدنى، حيث يتم اعتبار هذا المدين وكأنه مات موتا طبيعيا، ومن ثم تؤول الحقوق والالتزامات إلى ورثته الشرعيين ويصبحون مسؤولين عن تسديد ما عليه.. وهؤلاء الميتون مدنيا كان من الممكن قتلهم دون أن يتعرض قاتلهم لأى عقاب.

الحيل القانونية معروفة منذ قديم الأزل، فى كل العصور ومع مختلف نظم الحكم المستبدة التى ترفع فى العلن شعار دولة القانون والديمقراطية والمساواة بين المواطنين، وفى الخفاء تمارس أسوأ وأحط صنوف التمييز بين الناس ومحاولة السيطرة عليهم بقوانين تمت حياكتها خصيصا لسلبهم حقوقهم المشروعة والطبيعية.

فاجأنا برلمان الدكتور عبدالعال بتعديلات تشريعية على قوانين السلطة القضائية أقرها يوم الإثنين الماضى وفى غضون أيام قليلة، هذه التعديلات تعطى لرئيس الجمهورية سلطة اختيار جميع رؤساء الجهات والهيئات القضائية باستثناء رئيس المحكمة الدستورية العليا، من بين 3 مرشحين تختارهم المجالس العليا لكل جهة من بين أقدم 7 نواب لرئيسها.

هذا التعديل يطيح بقاعدة الأقدمية المتعارف عليها منذ عشرات السنين فى هذه الجهات، وكان بموجبها تقتصر سلطة رئيس الجمهورية على التصديق على من تم اختيارهم من قبل القضاة، هذا الحق سيؤول لرئيس الجمهورية، وبالتالى تصبح للسلطة التنفيذية اليد العليا على السلطة القضائية، ويصبح الحديث عن استقلال القضاء لغوا لا معنى له.

الحجة التى قدمها البرلمان لتمرير هذا القانون أن معيار الكفاءة هو الذى يجب أن يسود عند اختيار رؤساء الهيئات القضائية وليس السن، البرلمان، بذلك، يعلن بشكل مباشر أن القضاء لا يفرز مؤهلين، وأن شخصا آخر من السلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية، هو الأقدر على اختيار الأكفأ بين المرشحين، وهذا الطعن مردود عليه بأن النظام القضائى فى جوهره لا يُصعد إلا الأكفاء، ولضمان ألا تتدخل الأهواء فى الاختيار استقر فى القوانين المنظمة للسلطة القضائية، بما فى ذلك مجلس القضاء الأعلى والمجلس الخاص فى هيئة قضايا والمجالس المشابهة، أن الأقدمية هى الحاكمة، وقُصد بها ضمان استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية. اختيار رئيس الجمهورية لرؤساء هذه الهيئات القضائية سيفتح الباب لدور متزايد للتقارير الأمنية والمواءمات السياسية، وبالتالى لن يتم اختيار الأكثر كفاءة كما يردد، ولكن سيتم اختيار القاضى الذى يتقرب للرئيس ويحاول استرضاءه، وسيتم تعميم سياسة الاسترضاء من أعلى الهرم القضائى حتى سفحه، وبذلك يتم القضاء تدريجيا على استقلال القضاء والكفاءة معا.

يُشاع أن هذا القانون صدر لاستبعاد كل من: المستشار أنس على عبدالله عمارة، الذى كان سيترأس محكمة النقض ابتداء من أول يوليو القادم، والمستشار يحيى راغب دكرورى الذى سيتولى رئاسة مجلس الدولة بهيئاته بمجرد انتهاء العام القضائى الحالى فى 30 يونيو المقبل، استبعادهما له أسبابه حسبما يُشاع، ويقترن استبعاد المستشار الدكروى فى أذهان العامة بحكمه التاريخى بمصرية تيران وصنافير.

السؤال: هل يكسب الرئيس السيسى لو أصبحت كل سلطات الدولة فى يده: تنفيذية وتشريعية وقضائية أم يخسر؟.. إن ذلك سيجعل من مصر دولة كسيحة لا تستقيم فيها أمور الحكم، فلا يمكن أن ترتكز دولة على ركن واحد (السلطة التنفيذية)، الأمر ستكون له عواقب وخيمة، لا تحتملها مصر التى مازالت فى مرحلة إعياء بعد ما مر بها من تقلبات سياسية واقتصادية.

وهل هذا هو الوقت المناسب لصناعة مصادمة بين السلطة التشريعية والقضائية وقهر رجال القضاء ونحن على أعتاب انتخابات رئاسية؟

السيسى، بالتأكيد، سيتقدم كمرشح لفترة ولاية ثانية، وأريد هنا أن أسأله سؤالا ليس نقدا ولا انتقاصا لكن مصارحة يُقصد بها النصح والخير: من بقى معك يا سيادة الرئيس من تحالف 30 يونيو؟ وماذا بقى للمصريين من حقوق؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل