المحتوى الرئيسى

الكِتاب معلم صامت.. فانتبه قبل أن تقرأ

03/29 11:09

منذ فترة يسيرة سمعت من عدة أشخاص أنَّ هناك شباناً وفتيات في أوج شبابهم أصبحوا يعتقدون معتقدات جديدة تخالف عقيدة الإسلام الصحيحة، بعد أن كانوا بعيدين عن تلك الشوائب، ولا يعكر ولا يكدر فكرهم السليم شيء من ذلك.

حينها بدأت أبحث عن سبب ذلك التغير في المعتقد والفكر، قادني بحثي إلى سبب أول ومهم، جدير بأن نهتم به، وألا نستهين به قيد أُنملة، هذا السبب يعود إلى الاختيار الخاطئ والمتهور في تحديد الكتب أو الروايات أو المقالات التي نقرأها، كثير من القراء، خاصة الشبان والشابات الذين يقبلون على قراءة كتب وروايات ومقالات كان عامل الجذب فيها أسلوب ذلك الكاتب، حتى أَسَرَ القارئ بأسلوبه، واستطاع أن يغير فكره ومعتقده جراء ذلك الجذب الذي لم يكن مقابله ردة فعل تساويه إن كان صحيحاً، أو ردة فعل قوية تتغلب عليه إن كان سقيماً!

وهنا أعادتني الذاكرة إلى مرحلة الدراسة الجامعية؛ حيث كنت طالبة في كلية أصول الدِّين، وكان من ضمن الخطة المعتمدة للدراسة مساق "دراسات في الأديان" يتناول هذا المساق قراءة في الكتاب المقدس لبعض ما ورد في كتب اليهود والنصارى، بعدما حُرِّفت تحريفاً لا تكاد تجد فيها معلومة صحيحة إلا القليل، غير أننا نسأل أنفسنا حينها هل بالفعل هذه المعلومة صحيحة أم شابتها شائبة التحريف والتغيير؟! المهم أن الطالب لا يُسَجَل له هذا المساق إلا بعد دراسته لثلاثة مساقات في: توحيد الألوهية والربوبية، والأسماء والصفات - أسماء الله وصفاته - وتوحيد الإيمان بالملائكة والرسل وكتبهم، بعدها يستطيع الطالب أن يقرأ بعض النصوص في الكتاب المقدس، دون أن ينحرف معتقده السليم، أو أن يتغير فكره الإسلامي الصحيح؛ لكونه بنى العقيدة الإسلامية الصحيحة في قلبه بناء قوياً عميقاً لا يزلزله ولا يخدشه أي فكر آخر مخالف.

ويؤيد ما أقول موقفٌ حصل بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وعمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديثٍ أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ، وَقَالَ: "أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي".

لكن اعلم أيُّها القارئ الفاضل أن كل ما أقصده وكل ما أريد إيصاله لك، أنك قبل أن تقرأ أي شيء، اسأل نفسك الآتي:

وعليك أيضاً أن تسأل نفسك قبل إضافة أي معلومة لذاكرتك:

* هل هذه المعلومة صحيحة؟ إن كانت صحيحة أضيفها إلى معلوماتي، وإن كانت سقيمة لا بد أن أنتبه لها وأتمسك بما يخالفها من الصواب.

* هل هذه الفكرة مدسوسة من الكاتب أم لا؟ فإن كانت مدسوسة فاحذرها.

واعلم أنّه عليك أن تفتح عيناً على ما كُتِب وعيناً على مبادئك وثوابتك التي تؤمن بها، والتي من الممكن أن تتأثر بأفكار قد يذكرها الكاتبُ في كتابه والتي قد تنعكس عليك سلباً وأنت لا تشعر، وهذا هو التحدّي الذي يواجهه القُرّاء المبتدئون المتحمسون لقراءة عشرات الكتب في فترات قصيرة.

إننا إذا ما قرأنا علينا ألا نكون إمعة، تارة نؤيد ذلك الكاتب، وتارة نؤيد آخر، وتارة نؤيد ثالثاً، في كل مرة نؤيد صاحب الكتاب الذي بين أيدينا، ثم إذا ما انتقلنا إلى غيره أيدناه دون تمحيص فكر، وقد يكون كل كتاب يختلف اختلافاً جذرياً معاكساً بأسلوبه وفكره وكاتبه عن سابقه، حينها سنخرج بفكر مُشَوَّش هَدَّام لا بَنَّاء.

في بدايات قراءتي للكتب اتجهت للكتب الدينية منها المتخصصة ومنها الروحانية، ثم بعد ذلك أضفت لمكتبتي كتب التنمية البشرية، ثم روايتين شهيرتين كان أسلوب الروائي فيهما جذاباً يجعلك تُكمل القراءة بشغف وإنهائها في أقرب وقت، ولا شك أنهما تحملان بين جنباتهما الغث والسمين، فكنت أتجاوز الغث معرضة عنه مجرد أن ألمحه بطرف العين؛ لكون بعض الكلمات لا تليق بالله تعالى، أو لا تتوافق مع آدابنا وأخلاقنا؛ لهذا نبهني ذلك لأمر: أن أكون أكثر حذراً ووعياً، وأكثر فطنةً وذكاءً عند القراءة؛ لنتجنب الخلط والخطأ والانحراف، وأنصح أولئك الذين يُغرمون بقراءة أشياء تأخذهم يسيراً أو بعيداً عن فكرهم، معتقدين بذلك أنهم وقفوا على طريق الثقافة الصحيح، فما أن يخطو خطواتهم الأولى إلا ونجد بعدها أنهم انحدروا في منحدرات ومنعطفات غيرتهم كثيراً؛ لسوء اختيارهم، أو لقلة وعيهم، أو اتباعهم لغيرهم دون قاعدة صلبة يقفون عليها، أو...

ويمكنني أن أضع بين يديك أيها القارئ المسلم الحريص نموذجاً لقراءة أكثر وعياً وفائدةً ورقياً عقائدياً وفكرياً وثقافياً، وتربوياً، واجتماعياً، وسياسياً منها:

* ليكن لك حظ وافر من كتاب الله تعالى "القرآن الكريم" تُخصص لك وِرداً يومياً تقرأه بتدبر وفهم، وتبحث عن المعاني التي لا تفهمها أثناء التدبر في كتب التفسير، وفي بداية الطريق ارجع إلى أيسر التفاسير التي توصل لك المعنى سهلاً واضحاً يسيراً؛ لأن قرآننا هو دستورنا الذي لو فهمناه وطبقناه لسلمت عقائدنا وأفكارنا وحياتنا كلها.

* في العقيدة: اسأل المتخصصين في ذلك، أو ارجع لكتاب شرح العقيدة الطحاوية متى استشكل عليك أمر ما.

* في السيرة النبوية: الرحيق المختوم للمباركفوري، وسلسلة الدكتور علي الصلابي، فنحن بأشد الحاجة لاقتفاء أثر النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضوان الله عليهم

* في الحديث الشريف: اقرأ بحب واستقِ الخير من صحيح البخاري، صحيح مسلم، كتب السنن الأربعة، مسند الإمام الدارمي أو الإمام أحمد بن حنبل، رياض الصالحين، ولا تنسَ ذلك الخير الذي ننساه من عدم الرجوع إلى الأحاديث القدسية.

* في التخطيط: كأن تقرأ للدكتور عبد الكريم بكار، والدكتور محمد أحمد الراشد، وغيرهما من أصحاب الفكر الإسلامي المعاصر.

* في التنمية البشرية: اقرأ بحسب ما تحتاج له نفسك، ويوجهك الوجهة السليمة الصحيحة.

* في الروحانيات والرقائق: كتب الإمام ابن القيم، والدكتور محمد أحمد الراشد، وخالد أبو شادي، وسلمان العودة، ومحمد العريفي، ومحمد راتب النابلسي، وغيرهم كُثر وقد اشتهروا بين الناس، وممكن أن تستمع لمحاضراتهم ومحاضرات غيرهم كالشيخ: نبيل العوضي، ومشاري الخراز، وصالح المغامسي، وآخرين.

* في الجانب التربوي: كأن تستمع للدكتور مصطفى أبو السعد.

* ليكن لك نصيب من التاريخ الإسلامي العظيم الذي شيده النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم، وأسلافنا من المسلمين المجاهدين؛ لأننا نتغنى بتاريخنا الإسلامي، ولكن للأسف لا نعلم عنه إلا اليسير جداً.

* لا تنسى أن تطور ذاتك وترتقي أكثر في تخصصك الذي أنت فيه، بأن تقرأ كتباً ذات أهمية تزيدك علماً وفكراً في تخصصك الذي أحببته واخترته لك.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل