المحتوى الرئيسى

يُصبح داعشياً ويُمسي ملحداً

03/29 11:09

ما عاد يخفى على أحد الحالة المزرية التي وصل إليها المجتمع العربي بشكل عام، وجيل الشباب في القلب منه بشكل خاص، من تهاوٍ للبنية القيمية وهشاشة أصابت المنظومة الفكرية لديه، مما أدى إلى تردٍّ أخلاقي وانحرافٍ سلوكي وتخبطٍ فكري وأزمة في الهوية، مما جعله فريسة للتيارات الفكرية المنحرفة سواء المتشددة منها أو المفرِّطة، فأصبح هذا الجيل بهشاشة فكره سهل الاستقطاب، تستهويه فكرة هنا وتجذبه أخرى هناك، حتى أصبح محطماً بين مطرقة التطرف وسندان الإلحاد.

في البداية دعونا نحرر مصطلحَي التطرف والإلحاد حتى يتسنى لنا التعرف على جذور الأزمة، ومن ثَمَّ السعي في محاولة إيجاد حلول لها.

أولاً التطرف: وحينما نتكلم عن مفهوم التطرف يطرأ مباشرة إلى الأذهان المصطلح الفلسفي الدوجماطيقية (Dogmatism) الذي يعبّر عن الجمود الفكري والانغلاق العقلي، والتطرف بهذا المعنى يمثل الانغلاق الفكري الذي يتسم بعدم القدرة على تقبل أية معتقدات تختلف مع معتقدات الشخص أو الجماعة أو حتى التسامح معها، وللأسف الشديد فئة الشباب هي الأكثر ميلاً إلى هذا التيار المتطرف، وخاصة في المجتمعات المنغلقة التي تعاني أزمة في الاندماج مع المجتمعات والثقافات الأخرى.

أما عن الإلحاد فهو رفض الاعتقاد والإيمان بوجود إله، ومصطلح مناقض لفكرة الإيمان من الأساس، وانتشر هذا المصطلح مع انتشار الفكر الحر وبزوغ الحركة العلمانية والتي لا تقبل أية فكرة إلا ببراهين ملموسة، وتؤكد قدرة العقل على المعرفة والتوصل إلى اليقينية منفرداً دون الحاجة إلى دليل أو مرشد، وكانت بداية ظهور مصطلح الإلحاد في مطلع القرن الثامن عشر خلال عصر التنوير؛ حيث شهدت الثورة الفرنسية تياراً إلحادياً لم يسبق له مثيل، ولنا وقفة فيما بعد للكلام عن الدوافع التي أدت إلى الانتشار الكبير للتيار الإلحادي إبان الثورة الفرنسية.

أما عن الأسباب التي أدت إلى توغل هذه التيارات الفكرية الشاذة داخل مجتمعاتنا العربية فتنحصر في أمرين أساسيين هما:

الأول النشأة والبنية القيمية التي بنيت على التقليد دون ترسيخ قناعات، مما أدى إلى هشاشة البنية القيمية عند هذا الجيل من الشباب الذي لم يجد استيعاباً من محاضنه التربوية والفكرية، سواء كانت داخل الأسرة أو المؤسسة التعليمية أو البيئة المجتمعية المحيطة به، والتي كانت بدورها مسؤولة عن تأسيس منظومة قيمية وفكرية قوية يستطيع بها هذا الجيل مواجهة تلك الانحرافات والأفكار المتزمتة والشاذة.

أما عن الأمر الثاني الذي جعل هذا الجيل من الشباب غارقاً بين أمواج متلاطمة من الأفكار المنحرفة، سواء كانت تطرفاً داعشياً أو إلحاداً علمانياً هو غياب دور التيارات المعتدلة، سواء كانت مؤسسات دينية أو كيانات سياسية أو تجمعات أهلية، وعدم تقديم نموذج ناجح يُحدث حالة من الاستقطاب لهذا الجيل، وعدم القدرة على استيعاب طاقته واستثمارها داخل الحراك المجتمعي، مما يجعله يقف منفرداً في مواجهة هذه الموجات الشرسة والهجمات المتسارعة من طرفين متنازعين على استقطابه، سواء كان تيار التطرف العلماني الملحد، أو تيار التطرف الديني المتشدد، وبسبب الهشاشة الفكرية والقيمية التي أصيب بها هذا الجيل مضينا كل يوم نرى منهم مَن يصبح داعشياً ويمسي ملحداً.

أما عن الحل فيكمن في عودة الدور الريادي لمؤسسات المجتمع المنوط بها نشر الوعي والفكر المعتدل، بداية من المؤسسة الدينية، من خلال بناء قنوات تواصل مباشرة مع الشباب وتوجيه خطاب منفتح حر لا سلطان عليه من أحد لإحداث حالة من الترابط بين هذا الجيل ومؤسسته الدينية، وتفعيل دور المؤسسات المجتمعية لتستوعب طاقات الشباب المهدرة، وتقديم التأهيل التربوي للأسر حتى تستطيع أن تنتج لنا أجيالاً تحمل قيماً وأفكاراً مبنية على قناعات راسخة تستطيع أن تواجه هذه التيارات المنحرفة، وإيجاد تيار جديد منافس على الساحة، تيار يمتاز بالاعتدال، وفي نفس الوقت يمتلك فكراً ومشروعاً حضارياً تنموياً منفتحاً.

وفي الأخير دعونا نحلم، لعل أحلام اليوم تصبح في الغد حقيقة.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل