المحتوى الرئيسى

محرر «الجريدة» يعمل صيدلياً فى سلسلة كبرى.. والرشاوى تمنع تنفيذ قرارات الإغلاق

03/29 10:09

 فى «معايشة» حقيقية، تقدم محرر «الوطن» بالإسكندرية، لشغل وظيفة «صيدلى» بإحدى أكبر سلاسل الصيدليات، وتمكن من كسب ثقة إدارة السلسلة، وظل لمدة شهر كامل أحد أعضاء فريقها، يبيع الدواء، ويصفه أحياناً للمرضى، ويقوم بإعطاء الحقن وقياس الضغط، شهر كامل تمكن خلاله من التعرف على عالم كبير خفى من المخالفات والخطايا، التى ترتكبها الصيدليات فى حق المرضى، ورصد تسبب تلك المخالفات فى إرباك سوق الدواء، وزيادة معاناة المرضى، وكيفية التحايل على القانون بشتى الطرق، وفى خلال 10 أيام، تمكن محرر «الوطن» من تثبيت قدميه فى الفرع، وأصبح من المسئولين عن صحة المرضى فى إحدى المناطق الراقية، ومحل ثقة من قبل المترددين عليه، لطلب الاستشارة الطبية، ووصف الدواء المناسب، وصرفه لهم.

ولعل من المشاهد المألوفة التى رصدها محرر «الوطن»، خلال هذه المعايشة، رؤية سيدة عجوز، أو طفل صغير يدخل إلى الصيدلية باكياً، بحثاً عن نوع من الدواء لإنقاذ أحد أفراد أسرته، فيرد عليه «الصيدلى» بابتسامة «كاذبة» تكسوها الرحمة والتعاطف، بأن الصنف غير موجود، بسبب النقص الحاد فى كمياته بالأسواق، بينما يتلقى اتصالاً هاتفياً من أحد الزبائن الدائمين والمعروفين باستهلاك كميات كبيرة من البضائع بشكل دورى، ليطلب الصنف نفسه، فيكون رد نفس الشخص عليه بالإيجاب، عارضاً عليه توصيله إلى باب المنزل.

لم يلق محرر «الوطن» إشرافاً من أى شخص بالصيدلية الكبرى خلال التعامل بشكل مباشر مع المرضى، على الرغم من عدم إلمامه الكامل بالدواء، وهو ما لم يكن أمراً يقتصر عليه وحده، فكان جميع العاملين فى المكان يفعلون الشىء ذاته، على الرغم من عدم دراسة أى منهم للصيدلة والدواء بأى حال، وعلى الرغم من منع القانون افتتاح صيدلية إلا بإدارة صيدلى حاصل على المؤهل الوحيد الذى يسمح له بذلك، إلا أن الواقع ليس له علاقة بذلك.

كما رصدت «الوطن» وجود مخازن غير مرخصة لسلاسل الصيدليات الكبرى، تحتوى كل منها على كميات كبيرة من الأدوية بملايين الجنيهات، فضلاً عن وجود نظامين للتشغيل «سيستم» للأدوية، أحدهما «رسمى» يخضع للتفتيش من قبل الجهات المعنية، سواء مديرية الصحة، أو نقابة الصيادلة بالإسكندرية، والثانى «حقيقى» يظهر عدد الأدوية المخزنة، وهو ما تمكنت من خلاله معظم الصيدليات الكبرى من إدارة أزمة نقص الدواء.

وكان من بين مهام محرر «الوطن» خلال عمله فى الصيدلية، إخفاء أصناف معينة من الأدوية عن الجمهور، وتخصيصها لمجموعة من الزبائن «ذوى الأولوية»، ومنها على سبيل المثال دواء «PLAVIX›، الخاص بسيولة الدم لمرضى القلب، ودواء «كيتوستريل» الخاص بالكبد، وذلك بكميات كبيرة بالنسبة للموجود بالأسواق، الذى تباع منه العبوة الواحدة بسعر 15 ألف جنيه، على الرغم من أن سعره الرسمى فى ذلك الوقت لم يكن يتجاوز 220 جنيهاً فقط. أصحاب سلاسل الصيدليات «لا يشق لهم غبار» فيما يتعلق بعلاقتهم بأصحاب النفوذ للخروج من أى مخالفات، ورصدت «الوطن» إلغاء إدارة السلسلة 3 قرارات إغلاق صدرت من مديرية الصحة بالإسكندرية، نتيجة بعض الخروقات فى تصريحات مزاولة المهنة، وتخزين الدواء فى المخازن، وكذلك تخزين دواء مستورد غير خاضع لرقابة وزارة الصحة، الذى قد يكون فى بعض الأحيان غير صالح للاستخدام الآدمى، وغير خاضع للمواصفات القياسية، لكن مرت تلك المشكلات «مرور الكرام»، نتيجة نفوذ الملاك تارة، ودفع الرشاوى إلى رجال الشرطة والصحة تارة أخرى، لغض الطرف عن تلك المخالفات. كما أن مرور اللجان التفتيشية للكشف عن الدواء المستورد غير الخاضع لرقابة وزارة الصحة، يمر هو الآخر «مرور الكرام»، على الرغم من اكتشافه، نتيجة دفع الرشاوى، وعلى الرغم من شن اللجنة التفتيشية زيارة مفاجئة لفرع الصيدلية فى منتصف شهر مارس الحالى، ومطالبة محرر «الوطن» بفتح السيستم الخاص بالدواء، واكتشاف وجود خروقات كثيرة، والشروع فى كتابة قرار بإغلاق الصيدلية فوراً، إلا أن مكالمة هاتفية واحدة من الإدارة إلى بعض الجهات، ألغت القرار قبل أن يصدر، وعادت الأوضاع إلى ما هى عليه.

وكان من بين ملاحظات اللجنة التفتيشية، التى كان من المفترض أن تستند إليها فى إصدار قرارها بإغلاق الصيدلية، وجود كميات كبيرة من الدواء المهرب، الذى يباع بشكل علنى، على الرغم من عدم امتلاكها فواتير أو موافقات رسمية من وزارة الصحة ببيعه، مثل دواء «بنادول»، بجميع أنواعه المستوردة، بالإضافة إلى المنشطات والفيتامينات مثل «OMEGA centrum»، بالإضافة إلى أدوية التخسيس مثل «harva turbo slim»، وجميعها أدوية غير مسجلة بوزارة الصحة من الأساس.

كما رصدت «الوطن» صدور تعليمات بين الحين والآخر من الإدارة إلى العاملين بالصيدلية، بعدم صرف مجموعة من أصناف الدواء إلى المرضى، على الرغم من وجود تلك الأصناف فى الأدراج، وإخراج تلك الأصناف على بعض «الروشتات» ذات القيمة العالية فقط، بالإضافة إلى تخزين الدواء فى المخازن، انتظاراً لزيادة الأسعار، الأمر الذى تستفيد منه السلاسل الكبرى، نظراً لاحتكارها الدواء بالمخازن، ومن بين أهم تلك الأصناف الموجودة فى الأدراج «tobradex» و«artelac»، وهى أنواع من القطرة ناقصة بالأسواق، ولكن يمنع على العاملين بيعها إلا لروشتات ذات قيمة شرائية عالية، وغيرها من الأصناف مثل «glocphage»، و«yassmin»، و«genyara»، وكان يمنع على أى من العاملين بيعها دون إذن مسبق.

وفى الوقت الذى شهدت فيه الأسواق أكبر أزمة فى كميات المحاليل الطبية، تمكنت إدارة سلسلة الصيدليات من تخزين كميات كبيرة منها فى الأدراج، وامتنعت عن بيعها للمئات من المرضى، الذين كانوا يجوبون المدينة ذهاباً وعودة، للبحث عن عبوة منها لإنقاذ أرواحهم، إلا أن القرار المباشر من الإدارة كان يمنع خروج تلك الأصناف، ويعاقب من يبيعها بالمخالفة للتعليمات.

كما رصدت «الوطن» حالة من الحرب بين الصيدليات الكبرى والصغرى، إذ إن السلاسل تستحوذ على الدواء، فيما تعانى الصيدليات الصغيرة من عدم القدرة على الحصول على كميات قليلة منه وتخزينه، الأمر الذى يؤدى إلى خسارتها، وغلق عدد كبير من تلك الصيدليات، خاصةً فى المناطق الشعبية، ويدفعها إلى التفكير بـ«الثأر»، من خلال تقديم عدد كبير من الشكاوى ضد «الكبار» إلى مديرية الصحة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل