المحتوى الرئيسى

السيسي وترامب.. تشابه غريب

03/29 01:37

"الظلم في أي مكان هو تهديد للعدل في كل مكان" (مارتن لوثر كينغ)

التشابه بين ترامب والسيسي ضخم، ليس في الأفكار والأهداف فقط، بل وصل إلى حد استخدام ذات الألفاظ تقريباً، وليس فقط اتباع ذات السياسات!

مدير مشروع الموازنة الجديدة لترامب "مايك مولفاني" وصف موازنة هذا العام بأنها "حنونة جداً" fairly compassionate (رقم 1 في المصادر).. ألا يذكرك هذا بمقولة: "الشعب الذي لم يجد مَن يحنو عليه"؟

وبنظرة على هذه الموازنة العطوفة نجدها خالية من أية لمحة من الحنو والعطف.. الإنفاق العسكري فيها ازداد، مقابل انخفاض في ميزانيات البحث الطبي والرعاية الصحية وتعليم الأطفال ومشروعات توصيل الطعام لغير القادرين على ثمنه أو العجزة الذين لا يستطيعون إعداده بأنفسهم (تعرف بمشروعات Meals on the wheels).

ثمة تشابه آخر بين السيسي وترامب وهو خلفيتهما التجارية؛ فترامب رجل أعمال قديم، والسيسي قادم من مؤسسة البزنس الأولى في مصر (الجيش) والتي تسيطر على 60-70% من اقتصاد مصر (رقم 2 في المصادر)، لذا فكلاهما يفكر دائماً في ثمن كل شيء، دون التوقف للحظة عن قيمة أي شيء!

وهذا ما يجعل العسكر لا يصلحون للسياسة، وكذلك رجل الأعمال، فعقلية العسكري قائمة دائماً على الجندية والتبعية التامة والطاعة العمياء واعتبار الخلاف خيانة.. العسكري يفكر دوماً أنه في حرب ضد خصومه، وفي الحرب - بل حتى في التدريب - لا بد أن يكون هناك نسبة من الضحايا!

والتاجر أيضاً يهدف إلى الربح المادي فقط، ولو على حساب الأخلاق والقيم والقوة الناعمة، وانتماء الناس لأوطانهم! وهذا ما يجعل موازنة ترامب العطوفة تلك تقتطع من قوت الأميركيين وصحتهم وتعليمهم وتوظيفهم، في مقابل خفض الضرائب على الأغنياء Tax cut بدعوى تشجيع الاستثمار (رقم 3في المصادر)، وهو عين ما يفعله السيسي في مصر بإعطاء كل المناقصات للجيش بالأمر المباشر، مما أدى إلى سحق الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهروب المستثمرين، وبالتالي انخفاض الاحتياطي الدولاري، وانهيار العملة، وارتفاع الأسعار بهذا الشكل الجنوني!

وحتى يشغل التاجر هذا الشعب الفقير عن صفقاته المشبوهة واستئثاره بالثروة، فإنه يثير النعرات القومية؛ لأن الشعوب العاطفية يسهل اقتيادها عن الشعوب المتعقلة التي تقف وتفكر؛ لذا فلا عجب أن يكرر السيسي دائماً شعار "تحيا مصر"، وأن يضع ترامب شعار "إعادة أميركا عظمى مجدداً" في حملته الانتخابية، وشعار "أميركا أولاً" في هذه الموازنة البشعة، التي وصفتها زعيمة الديمقراطيين في الكونغرس، نانسي بيلوسي أنها ستهدم الطبقات المتوسطة، وتعادي الفقراء، فضلاً عن أنها بمثابة "تدمير ممنهج" للحكومة الفيدرالية ودورها! (رقم 4 في المصادر)

لكن النعرات القومية لا تكفي وحدها، فلا بد للشعب من أن يشعر دائماً بالخطر.. فالشعور بالخطر هو الآخر يجعل الإنسان عاطفياً، والخوف يشل التفكير! الرسالة التي يوجهها المستبد دائماً: هناك خطر على أمنك أنت لا تشعر به، وهذا الخطر يأتي من حيث لا تدري.. لكن لا تقلق، نحن نحميك!

أي مستبد لا بد أن يُشعر الناس بالخوف، منذ فرعون الذي قال لقومه إن موسى سيظهر في الأرض الفساد، مروراً بالسيسي الذي تحدث عن الإرهاب المحتمل، وانتهاء بترامب الذي كان يريد حظر دخول المسلمين، والآن يريد حظر مواطني دول إسلامية بعينها من دخول أميركا!

ولإقناع الشعب بهذه المخاطر يلجأ الحاكم المستبد لكذبة كبرى؛ لأنها كلما كانت الكذبة كبيرة، صدقها الناس بسهولة، كما قال جوبلز وزير دعاية هتلر، ولأنه يجب معاملة الشعب كالأطفال كما أوضح تشومسكي!

رأينا السيسي يخوف الناس من البطة الجاسوسة، ورأينا مستشارة ترامب تقول إن أوباما تجسس على ترامب عبر جهاز الميكروويف! وهي كذبات لا يصدقها عقل؛ لذا فإنها تحتاج لأدوات إعلامية ضخمة، تحدث عنها السيسي بقوله: "الأذرع الإعلامية" وهاجمها ترامب بشدة لعدم وقوفها معه واتهمها بأنها كاذبة Fake news لا تغطي الأحداث الإرهابية بالشكل الكافي،

ولا مانع من اختراع بعض الحوادث التي لم تقع أيضاً للتدليل على حجم الخطر الذي يتعرض له البلد، فإرهاب السيسي محتمل، وترامب غاضب من مجزرة "بولينج جرين" التي لم تقع، (رقم 5 في المصادر) وحادث إرهابي في السويد جعل وزيراً سابقاً يتساءل بدهشة عن نوع المخدر الذي يتعاطاه هذا الرجل!! (رقم 6 في المصادر)

ولتبرير مواجهة هذه المخاوف الشديدة المحدقة بالوطن، والتي لا يدركها المواطن (تعرف في إعلام السيسي بحروب الجيل الرابع) فلا بد من التسلح الشديد بشكل غير مفهوم ومبالغ فيه!

ترامب والسيسي يريان القوة في الإنفاق العسكري فقط، ولا يدري أحد من سيحارب السيسي بالميسترال، بالضبط كما لا يدري أحد حاجة أميركا لزيادة إنفاقها العسكري وهي المغردة بعيداً عن جميع منافسيها!

وأذكر حضراتكم أن الاتحاد السوفييتي لم يسقط بسبب نقص في ترسانته العسكرية؛ بل كادت الصواريخ النووية يصيبها الصدأ في المخازن من كثرتها وقلة استعمالها، لكن الشعب السوفييتي كان قد كفر بالفكرة.

وهذا ما يفعله ترامب الآن، يجعل الشعب الأميركي بقصد أو دون قصد أنهم لا ينتمون لهذا الوطن، وهو أيضا نفس ما فعله السيسي في مصر! ألم يقل السيسي بعد لقائه بترامب إن بينهما كيمياء مشتركة؟!

1- مدير موازنة ترامب يصفها بالحنونة للغاية (سي إن إن ووكالات).

2- الجيش يسيطر على 60-70% من اقتصاد مصر (واشنطن بوست والجزيرة ووكالات).

3- ترامب يخفض عائدات الضرائب مما يفيد الأغنياء فقط (سليت ومواقع أخرى).

4- نانسي بيلوسي، زعيمة الديمقراطيين في الكونغرس: الموازنة الجديدة "تدمير ممنهج" للحكومة الفيدرالية ودورها، وتأخذ أموال الطبقة الوسطى والأسر العاملة لصالح الأغنياء. (سي إن إس ومواقع).

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل