المحتوى الرئيسى

قليل من الأمن.. كثير من السياسة

03/28 21:47

تحتاج مصر هذه الأيام إلى رفع شعار «كثير من السياسة قليل من الأمن»، وإلا فسندفع ثمنا باهظا إن لم نكن قد بدأنا فى دفعه.

من المؤسف أن يتحدث كثيرون بمن فيهم غالبية من خرجوا فى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ وأصروا على رحيل حسنى مبارك، عن حنينهم للهامش المحدود من السياسة الذى كان سائدا فى السنوات الأخيرة فى عهده. هذا الأمر يعنى أن السياسة ماتت تقريبا الآن، وإلا ما ترحم بعض من شاركوا فى ثورة ينايرعلى أيام مبارك.

حنين البعض إلى هذه الأيام يعنى أننا فشلنا فشلا ذريعا فى إقناع الناس بالسياسات الحالية حتى لو كانت أفضل.

لا ينكر عاقل وجود شخصيات وكفاءات حقيقية فى نظام مبارك، وكانت هناك نجاحات فى بعض القطاعات، لكن نحن نتحدث عن تقييم عام لمرحلة امتدت ٣٠ عاما انتهت بتدمير التعليم والصحة ومعظم الخدمات، وغالبية من الشباب منتهى أملها أن تهاجر للخارج.

لكن يحسب لهذه المرحلة أنها أقنعت غالبية الشعب نسبيا بفكرة التنوع والأصوات المختلفة، ولذلك استمر هذا النظام ثلاثين عاما، والفضل الأساسى فى ذلك هو ممارسة السياسة.

عندما نقول قليلا من الأمن فلا يعنى ذلك التقليل من دور الأمن. العكس هو الصحيح. المطلوب أقصى درجات الحسم والشدة ضد الإرهابيين والمخربين والقتلة والفسدة لكن عندما تكون هناك سياسة أكثر، فسوف تقلل كثيرا من العبء الملقى على عاتق المؤسسة الأمنية. وفى المقابل فإنه فى اللحظة التى تتوقف فيها السياسة أو تتجمد أو تتعطل، يصبح الحمل كله فوق كاهل الشرطة والجيش، وهو أمر خطير يهدد الاستقرار العام على المدى الطويل.

لا أعرف حتى الآن ما الذى يمنع الحكومة وسائر أجهزة الدولة من زيادة جرعة السياسة، ليس حبا فى السياسة أو المعارضة بل من أجل المصلحة الذاتية لهذه الحكومة.

وجود السياسة وزيادة جرعتها هما اللذان يضمنان التنفيس وإخراج البخار المكتوم وإلا فالنتيجة هى الانفجار.

زيادة جرعة السياسة ليست بدعة أو اختراعا حديثا بل هى وصفة مجربة فى كل المجتمعات وفى كل العصور.

حتى فى المجتمعات المغلقة سياسيا أو ذات الحزب الواحد نجحت هذه التجربة. تأملوا الحالة الصينية حيث لا يوجد إلا الحزب الشيوعى فقط، وعلى الرغم من ذلك هناك تعددية حقيقية داخل هذا الحزب بحيث يتم تداول السلطة تحت سقف الحزب وفى إطار المصالح العليا للدولة. صحيح أنه لا توجد ديمقراطية بالمفهوم الغربى فى الصين، لكن المؤكد أن هناك تعددية حقيقية.

وهناك النموذج الإيرانى الذى يعتمد عمليا مبدأ «ولاية الفقيه». وعلى الرغم من ذلك هناك ممارسة فعلية للسياسة، تجعل غالبية المواطنين يقتنعون بأن هناك تعددية وتداولا للسلطة ــ حتى لو كانت شكلية ــ بين المحافظين والإصلاحيين، لكن تحت مظلة المرشد الأعلى عبر مصلحة تشخيص النظام.

تحتاج حكومتنا إلى الاقتناع أولا بأهمية ممارسة السياسة والحد الأدنى من حرية الرأى والأصوات المختلفة. صحيح أنه لن تكون هناك فى مصر ديمقراطية كاملة على النمط الغربى قبل وجود قوى سياسية منظمة فعلية على الأرض تكون انعاكسا لقوى اجتماعية.

فى الماضى كان يمكن أن يزيد دور الأمن فى السياسة لكن الأمر اختلف تماما الآن، فى ظل ثورة الإنترنت والدور الخطير الذى تلعبه وسائل التواصل الاجتماعى. لم تعد هناك إمكانية لحجب الأخبار والأفكار. الكثير من التابوهات تكسرت والعديد من المفاهيم تغيرت حتى نظريات الحكم. صار مطلوبا من الحكومة أن تقنع مواطنيها بأى قرار أو توجه. لم يعد مسموحا أن تقمعهم فقط.

على الحكومة وأجهزتها أن تثق فى نفسها وأن تثق أن الأمن استتب إلى حد. كبير. نعم هناك مشاكل كثيرة خصوصا الأزمة الاقتصادية ومواجهة ذلك لا تكون إلا بالسياسة.

Comments

عاجل