المحتوى الرئيسى

تدريب عملى | المصري اليوم

03/28 00:22

الخصومات الدنيوية لا مفر منها لتعارض المصالح وتنافر الطباع. وهى تحدث بين بنى الإنسان فى العالم كله! لكن عندنا تُصبغ بصبغة دينية. بمعنى أن الخصم لا يكفى أن يكون كريها ولكن لا بد أن يُطعن فى دينه أيضا. وأكثر من يفعل ذلك هم أصحاب العاطفة الدينية الجياشة. لا يلبسون كراهيتهم ثوبا دينيا.

وهم- فى اعتقادى- صادقون فى عاطفتهم الدينية، وكثير منهم أُوذى فى الله فعلا. لكن الأصل هو أن الله يمنّ ولا يُمن عليه (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). وقال أيضا عز من قائل: (ومَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)

هذه الآيات مؤداها أن معاناتك فى الدين (بفرض حدوثها) لا ترتب لك أية أولوية فى الدنيا، ولا يعطيك الحق أن تتماهى مع الخالق سبحانه، فتصف فريقا بالنفاق وفريقا بالفسق وفريقا بالكفر!

وقال أيضا، عز من قائل: «وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ». فأثبت الغل بينهم- فى الدنيا- وأثبت لهم المغفرة فى الآخرة. بمعنى أن الله تعالى ليس ربك وحدك، وإنما هو رب خصمك أيضا. وله فى الله ما لك! ويدعوه مثلما تدعوه! ويرجو من الله ما ترجوه.

الله أعز وأجلّ من أن نتحدث باسمه، ونجزم بمصير عباده. لماذا لا نترك الخلق للخالق، ونتخاصم فى الدنيا دون صبغة دينية! لماذا لا نكتفى بأن نسب خصمنا بدلا من كافر ومنافق! فالدين يجب أن يصان عن التجاذبات الدنيوية. الآن أدرك كم كان زعيم الوفد «مصطفى النحاس» مُعظّما لربه، حين جاءه أحد مرشحى الوفد ببرنامج انتخابى يحتوى على شعارات دينية، فقال له وهو المسلم المتدين: «احذف هذه العبارات، فإنها دجل».

والآن أيضا أثمّن ذلك الموقف النبيل للهضيبى، عندما تحدث نائبه مصطفى مشهور عن مضايقات الأمن، مستشهدا بقوله تعالى: «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ»، فأوقف الحديث وسأله: «هل تكفر النظام؟». فتراجع مشهور، فنصحه الهضيبى: «لا تستخدم هذه الآيات فى هذا المقام».

للأسف كلنا نفعل ذلك وقت الغضب. فلننزه الدين عن خصوماتنا الدنيوية. فأغلب الظن أنه ما اضطهد حكام مصر الإسلاميين لأنهم يكرهون الدين، وإنما لأنهم يعلمون أنهم يريدون أن يسلبوهم السلطة. والسلطة فى بلادنا دونها الرقاب، ولا أحد يتركها طوعا. وخلاصة ما نحن فيه الآن هو صراع دنيوى يُستخدم فيه الدين من جهة الإسلاميين والوطنية من جهة النظام، فلا هؤلاء متدينون ولا أولئك وطنيون. ونحن- الشعب المسكين- حائرون بين هؤلاء وهؤلاء.

نحن بحاجة إلى تدريب عملى، نستحضر أبغض إنسان لنا فى الدنيا، ثم نستحضر أن هذا البغض لن يمنعه من رحمة الله. وأنه ليس معنى أنك تبغضه أن الله تعالى يبغضه. بل وربما يقبله ويرفضك أنت (من يدرى؟).

التدريب صعب، وقد حاولت أن أروض نفسى عليه. فأنا مثلكم مزقتنى التجاذبات السياسية، فأحببت وأبغضت. والحل أنك إذا كنت من مؤيدى النظام، فالتدريب العملى لك أن تستحضر وجه رجل تبغضه من الإخوان ثم تسأل نفسك: «ماذا لو قبله الله ورفضك؟ ما الذى بوسعك أن تفعله؟».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل