المحتوى الرئيسى

Lamyaa El-Sakhawy يكتب: محمد علي هادم مصر الحديثة! | ساسة بوست

03/27 19:45

منذ 5 دقائق، 27 مارس,2017

في هذه السطور سأُفند أكذوبة من الأكاذيب التي تم الترويج لها -لأكثر من قرنين من الزمان- لتزييف وعي وعقول المصريين. أكذوبة روج لها محمد علي -والذي تولي حكم مصر من 1805 إلى 1848- بنفسه وهي كونه «مؤسس مصر الحديثة».

جاء محمد علي -المولود في مدينة قولة باليونان لأسرة ألبانية- إلى مصر بأمر من السلطان العثماني ليكون على رأس فرقة عسكرية ليساعد في طرد الحملة الفرنسية من مصر، ولكن الحملة -كما هو معروف- لم تخرج إلا بتضحيات شعب مصر وبسالة وشجاعة أهلها بقيادة رجالات الأزهر والزعامات الشعبية، أما محمد علي فلم يكن إلا صديق الفرنسيين الصدوق، وليس أدل على ذلك من التاجر الفرنسي ليون صديق طفولته، والذي تعلم منه محمد علي تجارة الدخان، وتشرب منه الفكر الماسوني الذي أسس عليه بعد ذلك فكره العلماني. وعندما اعتلى حكم مصر لم يعتمد إلا على الأوروبيين والفرنسيين خاصة في بناء دولته الحديثة وتأسيس جيشه، فكان يرى أن الرقي والتقدم لا يكونان إلا في اتباع الركب الأوروبي، ومن ثم كان الفرنسيون هم الأصدقاء المقربون والذين كانت لهم بعد أسرة محمد علي وحاشيته وكبار الملاك كل الامتيازات على حساب الشعب المصري الذي ظلت غالبيته تُعَامل معاملة العبيد المأجورين عند محمد علي وأبنائه؛ لذلك لم تختلف حياة المصريين في عهده عن حياتهم في ظل من سبقوه؛ بل ساءت في بعض المناحي.

تقرب محمد علي من رجالات الأزهر الموصومين بالخيانة والعمالة وسوء السمعة لتعاملهم مع الحملة الفرنسية، وعمل على بسط نفوذهم، وعلى رأسهم الشيخ حسن العطار الذي جعله من رموز التجديد داخل الأزهر. يقول دكتور ذكريا بيومي: «وكان الشيخ حسن يرى بالاتجاه الكامل إلى الثقافة الأوروبية بعد أن عجز المشايخ والعلماء عن مواصلة جهود المسلمين الأوائل». (1) وكان حسن العطار من أوائل الذين انضموا إلى محافل الماسونية التي انبعثت في مصر على يد الحملة الفرنسية. ويذكر أن هذه المحافل قد زاد عددها في عهد محمد علي لتكون معولًا في هدم الدولة العثمانية.

وقد رأى محمد علي أن مشايخ الأزهر الشرفاء هم الجبهة الأخطر التي يجب القضاء عليها، نظرًا لقدرتهم على توحيد الصفوف وتحريك الشارع، والدليل على ذلك الدور الذي قاموا به لتنصيبه واليًا على مصر بعد أن أخذوا عليه العهود والمواثيق في دار المحكمة ليحكم بالعدل، ويرجع إليهم في كافة أمور الحكم؛ لذا قام بتجريد عمر مكرم من كل ألقابه ونفاه إلى دمياط، وعين الشيخ السادات نقيبًا للأشراف بدلًا منه ليزرع الفتن في النفوس. ليس هذا فحسب؛ بل قام بإبعاد كل من لا يعجبه من المشايخ عن القاهرة، ووزع المناصب داخل الحكومة على أولئك الذين تلقوا تعليمهم خارج الأزهر. وبعث الطلاب إلى فرنسا تحديدًا كي يكونوا تحت نظام تعليم غربي، وقام بإنشاء نظام تعليمي يستند إلى هذا النموذج ليتجاوز به الأزهر؛ فشجع بذلك على التعليم العلماني، كما أضاف الفلسفة الأوروبية لبرنامج الدراسة. يقول د.عاصم الدسوقي: «التعليم المدني الذي أقامه محمد علي موازيًا للتعليم الديني التقليدي أوجد ازدواجية في الثقافة والفكر في مصر، خاصة وأن محمد علي اختص خريجي المدارس الحديثة بوظائف الحكومة».(2) من ناحية أخرى قام محمد علي بمصادرة جزء كبير من مداخيل الأزهر، وفرض الضرائب على المدارس الدينية والأراضي التابعة للمساجد.

لن أتحدث هنا عن المصانع التي شيدها محمد علي، أو المحاصيل التي أدخلها وعلى رأسها القطن، أو القناطر التي بناها وغير ذلك من الإيجابيات التي لم يستشعرها إلا طبقة الحكام ومن حولهم من الحاشية والأعيان، فقد ألغى محمد علي نظام الالتزام والوسايا التي كانت توزع على الملتزمين ولكنه حول مصر كلها إلى وسية خاصة به. ذلك لأن محمد علي قد بنى الاقتصاد في عهده على نظام الاحتكار، فكان هو المالك الوحيد لأراضي مصر، والتاجر الوحيد لحاصلاتها، والصانع الوحيد لصناعاتها، والكل يعمل لحسابه. قال المسيو مريو: «لا حاجة بنا إلى الإطالة في عيوب نظام الاحتكار كما وضعه محمد علي، لقد ربح الباشا منه أرباحًا طائلة، لكنه أفضى إلى فقر الفلاحين المدقع، وكاد يهوي بهم إلى المجاعة لولا ما اعتادوه من القناعة وشظف العيش». هذا وقد افتقرت الأراضي الزراعية إلى الفلاحين بسبب تجنيد الآلاف منهم في الجيش قصرًا، إضافة إلى فرار الكثير من الفلاحين من بلادهم بعد عجزهم عن دفع الضرائب وإغراقهم بالديون. أما المتعهدون الذين كانوا يطاردون الفلاحين ويسومونهم العذاب فقد أنعم محمد علي على كثير منهم بالأراضي، وجعلها ملكًا لهم ملكية مطلقة، بينما لم تكن للفلاحين أحقية تملك الأراضي إذ كانوا يزرعونها بحق الانتفاع، ولم يكن نصيبهم من تلك الزراعة إلا الفتات إن تبقى لهم، فقد كان معظمهم يعجز عن دفع الضرائب فيؤدونها في شكل حاصلات من الأراضي التي يزرعونها.

أما عن الصناعة فيقول مسيو مانجان: «كان في البلاد صناعات يتولاها أفراد، ولكن محمد علي احتكر هذه الصناعات وأضاف أرباحها إلى حسابه، وبعد أن كان الصناع يستثمرون هذه الصناعات صاروا يعملون فيها لحساب الحكومة، ويقبضون رواتب معلومة، كعمال مأجورين». فقد تقهقرت الصناعات الصغرى بسبب نظام الاحتكار وتضرر أصحابها تضررًا كبيرًا، ولم يكن للضرائب قاعدة أو نظام فكان محمد علي يفرض الضرائب على الناس كلما احتاجت الحكومة إلى أموال، مما أدى إلى تدهور الكثير من الصناعات في أواخر عهده بسبب الظلم الواقع على الناس.

وفي مجال التجارة ربحت الحكومة أرباحًا وفيرة؛ لأنها كانت تحتكر التجارة الخارجية جميعها، إلا أن الواردات كانت أكثر من الصادرات؛ فقد أحصى كلود بك تجارة مصر الخارجية مع أوروبا وتركيا سنة 1836 فبلغت بحسب إحصائه 2196000 جنيه للصادرات، و2679000 جنيه للواردات.

مع تولي محمد علي للسلطة كلف رفاعة الطهطاوي بترجمة القانون المدني الفرنسي الذي ظل يتغلغل في عهده وعهد خلفائه من بعده، حتى تم إنشاء محاكم قضائية محلية تحكم بالقانون الهمايوني، ومحاكم مختلطة مع الإبقاء على القضاء الشرعي الذي ظل تابعًا لهيئة كبار علماء الأزهر، ومقصورًا تقريبًا في قضايا الأحوال الشخصية حتى تم إلغاؤه تمامًا عام 1955.

يعد الجيش الذي أسسه محمد علي هو نواة الجيش المصري كما هو عليه الآن. فكان يرغب في استبدال الجيش غير النظامي بجيش نظامي مدرب على أحدث النظم الحربية يقول مسيو مانجان: «إن محمد علي بهدمه الجيش غير النظامي وتجنيده الفلاحين على النظام الأوروبي قد أكسب شعبه تقدمًا عظيمًا ورد إلى مصر قوميتها». وقد عمل محمد علي على تعزيز فكرة القومية كمقابل لفكرة الخلافة التي سعى للانفصال عنها والاستقلال بمصر.

وقد اعتمد في تأسيسه للجيش على ضابط فرنسي وهو الكولونيل سيف الذي عرف بعد ذلك بسليمان باشا الفرنساوي. وقد لاقى هذا الفرنسي الأمرين هو وغيره من الضباط الأوروبيين الذين جلبهم محمد علي لتدريب الضباط الذين تم اختيارهم بعناية من خاصة مماليكه ورجاله، والسبب في ذلك أنهم لم يعتادوا أن يتعلموا فنون الحرب على أيدي ضباط أوروبيين مسيحيين، حتى أن بعضهم حاول اغتيال الكولونيل سيف أكثر من مرة. أما الجنود فكانت الحكومة تختارهم من الفلاحين وتقبض عليهم وتسوقهم سرًّا إلى المعسكرات. ولما اتسعت دائرة التجنيد تكونت طائفة من الضباط المصريين المتدربين على يد المعلمين الأوروبيين، وأرسل طائفة إلى أوروبا لإتمام دروسهم الحربية هناك.

ولأن المصريين لم يقبلوا على ذلك التجنيد طائعين، جعل محمد علي يحببهم فيه ويغريهم بمميزات عدة جعلت حياتهم أرقى من حياة الطبقات الأخرى في المجتمع أو الفلاحين، كما كان يقال عنهم، حتى أصبح الجنود يرفضون أن يطلق عليهم فلاحين لما في ذلك من تصغير لشأنهم. وقد استبعد محمد علي المصريين من المراتب السامية في الجندية، وأسندها إلى الأتراك والمماليك حتى لا يجعل نفسه تحت إمرتهم.

أراد محمد علي أن يطبق رؤيته في مصر على نطاق أوسع، وكان دائمًا ما يفكر في الاستقلال بمصر عن الخلافة العثمانية ليكون بنفسه إمبراطورية علمانية  تقضي على هذه الخلافة. وقد مرت علاقته بالباب العالي بعدة مراحل بدأت بالتعاون المثمر، وتبادل المصالح كما حدث في حربه على الوهابيين، ثم الاضطراب والتذبذب كما حدث في حرب المورة، وما بعدها وانتهت هذه العلاقة بالعداء الشامل والحرب الواضحة كما حدث في حروب الشام التي انتصر فيها محمد علي جميعًا، ومن ثم اتسع نفوذ محمد علي ليشمل الحجاز وجزء من اليمن وضم السودان وبلاد الشام وحقق انتصارات متتالية حتى وصلت قواته إلى أدنة مفتاح الدخول إلى الأناضول.

و بعد انتصار الجيش المصري في معركة نصيبين 1839، أدركت الدول الأوروبية خطر محمد علي على التوازن الدولي، وأرادت أن تنتهي منه وتضعفه وتوقفه عند حده بعد أن أدى مهمته في استنزاف الدولة العثمانية التي كانت أصلًا تعاني من الضعف والانهيار الداخلي، لذا أجبرت تلك الدول محمد علي على قبول معاهدة لندن 1840 لتحجيم قوته وإلزامه بالخضوع للسلطان العثماني وإرجاع مصر إلى حدودها الأصلية قبل حروبها الأخيرة، وحرمانها حكم جزيرة العرب وسورية وكريت وإقليم أدنة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل