المحتوى الرئيسى

أسر الضحايا تروى لحظات غرق أبنائها.. «عادل»: «فضلنا ندوّر على محمد 24 ساعة ولقوا جثته على وش الميّه».. و«هويدا»: الأمن غائب والأهالى اللى نقلوا أحفادى للمستشفى

03/27 10:11

خرج من بيته فجراً، يحمل خلف ظهره حقيبته التى امتلأت بملابس السباحة، آخذاً طريقه نحو استاد القاهرة بعد أن ودّع أسرته، غير متوقعين أن يكون هذا هو اللقاء الأخير بينهم وبين ابنهم الذى لم يبلغ عامه العشرين بعد، توسموا فيه جميعاً الأمل، بعد أن قرر تأهيل نفسه بدنياً من أجل الالتحاق بالكلية الحربية، فلم يكن أمامه طريق سوى واحدة من أكاديميات التأهيل التى سمع عنها من أساتذته فى مدرسته بقرية سُبك بمركز أشمون فى محافظة المنوفية: «الإهمال كان بادئ من أول دخولهم من على بوابة الاستاد مش بس فى حمام السباحة، وماكانش فيه أى تنظيم للدخول أو حتى حصر بأعداد الناس اللى دخلت بالرغم إن عددهم كان أكتر من 250 فرد»، كلمات يقولها «عادل علوان»، خال «محمد بدر» الشهير بغريق استاد القاهرة، موضحاً بها علامات الإهمال التى كانت سبباً فى غرق ابن شقيقته ومكوثه فى مياه الحمام لأكثر من 24 ساعة.

«هيثم»: يا دوب غفلت عن ابن أختى ورجعت أبصّ عليه مالقتهوش.. و«صلاح»: مدير حمام السباحة بييجى آخر ربع ساعة ويمشى.. وبياخد أوامره من المدربين مش العكس

ردود فعل «باردة» من إدارة الاستاد، على حد قول «عادل»، بعدما حاولوا التواصل معهم، مما أثار غضبه ومَن معه بصورة كبيرة: «بنتكلم معاهم بيقولوا لنا إنهم مفيش عليهم مسئولية وإن المسئولية كلها على الأكاديمية اللى كانت مأجّرة الحمام»، ليكمل حديثه متسائلاً: «طيب لو الوضع ده هو المعمول بيه، ازاى بقى مايكونش فيه رقابة على الأكاديمية دية فى الوقت اللى هيا موجودة فيه فى حمامات السباحة، وهل هما موفرين منقذين فعلاً ولا لأ عشان لو حصل مصيبة زى اللى حصلت دى يبقى فيه حد مسئول عنها، إنما هما كانوا سايبينهم على راحتهم وحمام السباحة ماكانش عليه منقذ واحد حتى»، مشيراً إلى أن طريقة التدريب نفسها كانت خاطئة وفق ما أخبره أحد معارفه فى الاستاد: «لما جه الدور على محمد نزل فى الميّه ماخرجش، ولما حسوا إن فيه حاجة راحوا جمعوا الشباب اللى معاهم من غير ما يكملوا، وكمان وهما ماشيين خدوا معاهم شنطة اللبس بتاعة محمد عشان يخفوا الجريمة بتاعتهم، وبعد ما خرجوا بربع ساعة قفلوا التليفونات اللى كانت موجودة فى الشنطة».

رحلة من البحث استغرقت يوماً كاملاً، بدأت منذ أن اتصل «عادل» بابن شقيقته ليجد هاتفه مغلقاً، فيزداد القلق داخله وداخل أسرته شيئاً فشيئاً كلما مر الوقت، حتى قرروا الذهاب إلى القاهرة، حيث مقر الأكاديمية التى يتدرب بها «محمد»، بعد مدة من التواصل هاتفياً مع العديد من الجهات التى كان من الممكن أن يوجد بها: «من بعد صلاة الجمعة لحد تانى يوم الصبح واحنا بندوّر عليه وسألنا عليه فى كل مكان، وفضلنا على الوضع ده لحد تانى يوم الصبح لما كلمنا حد فى الاستاد وقال لنا إن هما لقيوا جثة على وش الميّه فى حمام السباحة، ولما رحنا عشان نتعرف عليه كان المنظر غير آدمى، وكانوا مغطيين الجثة بغطا غير آدمى، وكان المنظر تشمئز منه النفوس، وكان عندى رغبة ساعتها إنى أهدّ الاستاد على اللى فيه، ولما سألنا على المسئولين عن حمام السباحة قالوا لنا محدش منهم موجود».

كان «محمد» أخاً لشقيقين، الأول منهما فى الصف الثانى الإعدادى والثانى لم يدخل مرحلة الدراسة بعد، ليكون الابن الأكبر هو «عكاز» والديه فى الحياة، حسب ما أوضح خاله، فقد عولوا عليه فى الكثير من أمور الحياة، وكان خبر وفاته بمثابة الفاجعة الكبرى التى أردتهم من سابع سماء إلى سابع أرض: «اللى حصل لابن اختى ده كارثة وللأسف محدش معترف بيها، ومصر كل يوم يحصل فيها حادثة زى دى فى مكان شكل، ومات آلاف الشباب، وكل حادثة بتاخد لها شوية وبعد كده كأن مفيش حاجة حصلت لحد ما نصحى على كارثة تانية».

لم يكن حادث «محمد بدر» هو الأول من نوعه فى مصر، لا سيما خلال الأعوام القليلة الماضية التى كثرت فيها حوادث الغرق فى حمامات السباحة، سواء فى الأندية أو مراكز الشباب أو حتى فى حمامات السباحة داخل القرى السياحية والفنادق. فمنذ أقل من عام واحد، وتحديداً فى الأيام الأولى من شهر رمضان من العام المنصرم، كانت فاجعة أخرى فى قرية الكنارى بمحافظة بورسعيد، راح ضحيتها طفلان شقيقان، ماتا غرقاً فى حمام السباحة الخاص بالقرية، دون وجود أى نوع من أنواع الأمان الذى يُفترض أن يتم توفيره فى مثل هذه الحمامات، وهو ما أكدته جدة الطفلين «هويدا عبده» فى حديثها مع «الوطن»: «بسملة كان عندها 11 سنة، وعلى كان عنده 5 سنين، أمهم انفصلت عن ابوهم قبل شهرين من الحادثة، وهى كانت شغالة فى قرية الكنارى، وكان اللى شغالين فى المكان ده ليهم أسبوع فى السنة يجيبوا أسرهم ويصيفوا هناك، وخامس يوم رمضان بعد الفطار لما جت خدت العيال وراحت بيهم على هناك، ماكملتش 3 ساعات وجالنا الخبر»، لم تكن «أمينة»، والدة الطفلين، على علم بما ينتظرها من قدَر هناك، فبعد أن استقرت هى وأبناؤها الثلاثة فى سكنهم داخل القرية، وما إن انصرف ذهنها عنهم لبعض الوقت الذى أخذت ترتب فيه بعض الأشياء، حتى تسرب إلى أذنها أصوات عويل من الخارج، فخرجت مهرولة لتكتشف أنها فقدت طفليها الصغيرين دفعة واحدة: «العيال بيلعبوا وهى كانت جوه ولما على الكورة وقعت منه فى الحمام الكبير، نزل يجيبها غرق، أخته بسملة نزلت وراه غرقت هيا كمان والاتنين ماتوا».

مشاكل كثيرة أُثيرت حول هذا الحمام قبل غرق الطفلين، كان آخرها بيان من مدير الوردية الليلية يخلى فيه مسئوليته من حدوث شىء نظراً لعدم وجود كشافات إضاءة كافية على الحمام وأن هذا سيؤدى إلى عدم فتح الحمام بعد الإفطار: «الأمن وقتها ماكانش موجود على الحمام أصلاً والأهالى هما اللى خرّجوا ولاد ابنى من الحمام وودوهم المستشفى، عشان كده احنا رافعين قضية عليهم ومش هنسكت إلا لما ناخد حقنا»، حالة من الإعياء يعيشها والدا الطفلين منذ موتهما وحتى الآن حسب ما أوضحت «هويدا»: «جلال أبوهم من يومها نايم ورايح خالص وعلى طول أنا قاعدة فى الأنتريه وهو نايم فى الأوضة، ودايماً قافل تليفونه ولا بيشتغل ولا بيروح ولا بييجى، وأمهم نفس الكلام، هيا كمان لحد دلوقتى بتموت وعايشة كأنها مش عايشة»، لتختم حديثها قائلة: «القرية دى مفروض تتقفل خالص وانا مش عايزة حاجة من الدنيا غير كده، وانا لو كنت فايقة ساعتها كنت رحت كسرت القرية على اللى فيها».

ولم يمر شهر على حادث قرية الكنارى حتى كانت هناك فاجعة أخرى فى نادى الحامول الاجتماعى فى محافظة كفر الشيخ، حيث لقى طفل مصرعة غرقاً فى حمام سباحة النادى، وهو لم يبلغ عامة السادس من عمره بعد، «كنا رايحين فى يوم إجازة أنا وهو عشان أفسّحه وكنت بخليه ينزل الميّه ويا إما أنزل معاه أو أكون قاعد بره الحمام وباصص عليه، وفى دقايق قليلة جداً حصل كل حاجة»، يقولها «هيثم رمزى»، خال الطفل «يوسف صبرى»، بعد أن أوضح أنه ابن وحيد على أخت صغيرة لم تنجب أمهما غيرهما، ليكمل حديثه قائلاً: «غفلت عنه ولما رجعت أبص عليه تانى مالقتهوش وخدنا بالنا إن هو غرق، ولما طلعناه كان لسه عايش وبيرجّع، وقتها جرينا بيه على المستشفى، وطبعاً الإهمال فى المستشفى كان أكبر، وبعد ما دخلنا بنحو 10 دقايق يوسف مات».

لم يخفَ على «هيثم» حادث استاد القاهرة، وهو الأمر الذى جعله يتذكر ابن أخيه ويوم وفاته: «كلنا سمعنا عن حادثة الاستاد وشفنا كمية الإهمال اللى موجود فى مكان كبير زى ده، ما بالك بقى بحمام سباحة فى قرية أرياف الوضع هيكون عامل ازاى؟»، مشيراً إلى أن حمام السباحة فى نادى الحامول هو الحمام الوحيد فى القرية كلها، وبالتالى تكون به الأعداد كبيرة لا سيماً فى أيام الإجازات، مضيفاً: «مفيش حد يختلف إن الموت فى الأول والآخر قضاء وقدر واحنا مؤمنين بده، ومش حمامات السباحة بس هيا اللى فيها إهمال، كل حاجة فى البلد فيها إهمال».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل