المحتوى الرئيسى

د. محمد النادي يكتب: الإجابة.. الجزائر

03/27 10:22

ظل مشهد بوتفليفة (الرئيس الجزائرى) وهو يدلى بصوته فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة للجزائر عالقا فى ذهنى لا استطيع محوه من مخيلتى، الرجل يدلى بصوته من فوق كرسى متحرك.. حتى هنا ليست هناك مشكلة، ولكن المشكلة أنه مرشح رئاسى لولاية رابعة والمشكلة الأكبر أنه فاز فى هذا الاستحقاق الانتخابى بنسبة 81%! ألم يستوقف هذا المشهد أيا من تابعيه إلا أنا؟!

بلد المليون شهيد فى حرب التحرير العظيمة ضد المستعمر الفرنسى الذى كان يعتبر الجزائر درة مستعمرات أفريقيا بالنسبة له، يختار رجلا قعيدا لرئاسة الجزائر؟! هذا الشعب الثائر الغاضب بطبعه يصل إلى حد استكانة بأنه يختار رجلا لا يستطيع الذهاب إلى دورة المياه بمفرده، رئيسا؟ ومتى؟ فى 2014 حيث المنطقة المحيطة كلها تموج بنيران الثورة ورياحها العاتية؟! ولكن للإجابة على هذا السؤال لابد أن نعود إلى أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات فى هذا البلد.

فى أواخر الثمانينيات تحت ولاية الشاذلى بن جديد كرئيس جمهورية للجزائر بدأت المتلازمة الشهيرة للبلاد العربية، ازدهار الحركة الإسلامية. فى عصور الانحطاط الاقتصادى والفكرى ظهر الضغط الإسلامى الذى اسفر عن ظهور الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة عباس المدنى وعلى بلحاج والتى اكتسبت مؤيدين بشكل وبائى ودخلت فى الاستحقاق الانتخابى للبرلمان الجزائرى فى عام 1991 وما حدث بعد ذلك كان بداية الطامة الكبرى. تم سحق الحزب الحاكم -بمعنى الكلمة- أمام هذا الحزب الوليد، وكان الذهول قد ألجم ألسن كل القيادات فى الدولة، والتى اتخذت خطوات كارثية فقد ألغت الانتخابات البرلمانية وتم فرض حالة الطوارىء فى طول البلاد وتم اعتقال عباس المدنى وعلى بلحاج واستقال الشاذلى بن جديد ليحكم البلاد مجلس أعلى للبلاد بقيادة محمد بو ضياف.. رجل نظيف اليد قادم من المنفى ليقود البلاد وبعد ذلك تأخذ البلاد أكثر المنعطفات خطورة فى تاريخها الحديث فقد تم اغتيال محمد بو ضياف على مرأى ومسمع من الناس وهو يخطب فيهم على يد واحد من حرسه الشخصيين وقد اعترف أنه متعاطف مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لذلك فقد اغتال بو ضياف.

من يقتل من؟ هذا السؤال ظل يتردد على الألسن طيلة فترة التسعينيات من قبِل الجميع خارج طرفى النزاع. الحكومة الجزائرية تؤكد أنها تحارب الإرهاب، والإرهابيون هم من يقتلون الصحفيين والمدنيين، وبالطبع وحدات الجيش النظامى، والتيار الإسلامى أعلن الجهاد على الحكومة لخروجها عن النسق الديموقراطى وحرمانها من السلطة، ومن بين هذه الإدعاءات تم قتل أكثر من 200 ألف جزائرى من فترة 1993 إلى 2000 وهناك الكثير من المفقودين لم يتعرف أحد على مكانهم حتى الآن.

تبين لى أن الجزائر لا تملك جيشا ولكن الجيش يملك الجزائر!

عام 2000 خرج إلى النور كتاب “الحرب القذرة” مكتوب بالفرنسية فى قلب عاصمة النور لرجل المظلات السابق حبيب سويدية، أقل ما يقال عن أثر هذا الكتاب أنه أحدث زلزالا فى الأوساط السياسية الجزائرية والفرنسية.

حبيب سويدية قدم شهادة صاعقة عن فترة خدمته فى القوات الخاصة الجزائرية مفادها أن كل ما حدث كان مدبرا ومعدا من قبل قيادات فى الجيش. رحى الحرب هذه كان معدا لها أن تدور وتطحن عظام الجزائرين بينها لأكثر من عشر سنين، شهادات عن اعتقال وتعذيب وقتل خارج القانون ليس للإرهابيين وفقط ولكن الطامة الكبرى هى قتل المدنيين العزل وإحراق ممتلكاتهم وإلصاق التهمة بالإرهابيين، تهاون فى إنقاذ وحدات من الجيش تحت وطأة هجوم إرهابى حتى يتم القضاء عليها عن بكرة أبيها والمتاجرة بصور شهدائها فى الإعلام الجزائرى والغربى.

تم الحكم على حبيب سويدية بالإعدام عام 2002 من قبل المحاكم الجزائرية لأنه مارس القتل خارج القانون إبان فترة خدمته بناءا على شهادته فى كتابه وتم رفع دعوة قضائية من قبل الجنرال المتقاعد خالد نزار أمام المحاكم الفرنسية وتقديم شهادات ممهورة من قبِل إرهابيين تائبين أن حبيب هو من كان يمارس تلك الفظائع التى تحدث عنها.

شهد كتاب “الحرب القذرة” حربا أخرى قذرة على مؤلفه، إن دلت على شىء فإنما تدل على صدق شهادته وقربها من شىء حرص الكثيرون على طمسه وإخفاء هوية من قام به.

نعود إلى السؤال الأهم: لماذا حدث كل هذا؟ لماذا عندما تلوح الديموقراطية فى الأفق لأى بلد عربى يحكمه طاغية، يتم التلويح بكارت الإرهاب الإسلامى؟ كيف تم تكوين الجبهة الإسلامية للإنقاذ بهذه السرعة، وكيف كسبت هذا الزخم على الأرض؟ ماهية تكوين فرق موت بقيادة خالد نزار شخصيا (وزير الدفاع إبان هذه الفترة)، مهمتها الوحيدة القتل وإدخال الخبال واللغط فى هذه الحرب التى لا نعرف من فيها يقتل من ولأجل ماذا؟

طرفا الصراع فى الأخير جلسا على مائدة واحدة وأيديهم الملطخة بدماء الجزائريين تصافحت وكتبا ما يعرف باسم معاهدة الوئام الوطني وتم عمل استتابة للإرهابيين وتم إعطائهم مصادر للرزق؟ ولكن فى الحقيقة هم أُعطوا قبلة حياة للعودة حتى تحين لحظة أخرى تلوح الحرية والديموقراطية فى الأفق، فيتم الدفع بهم إلى الصورة، ودفع البلاد إلى ذلك النفق المظلم الذى لا يتورع أى من الطرفين أن يخوض غماره مرة أخرى وبنفس الكيفية وبنفس الضراوة، الإجابة تراها فى مشهد بو تفليقة وهو يحكم الجزائر على كرسى متحرك.

نعم هى كانت حرب كسر إرادة.. تم كسر إرادة الشعب الجزائرى الذى كان يبحث عن الديموقراطية بحثا عن التعددية، عن هزيمة الحزب الواحد، فأُدخل فى حرب ضاع فيها ما يزيد عن 200 ألف جزائري، مما جعلهم يؤثرون السلامة ويرضون بما يقدم لهم من طعام، حتى وإن كان حامضا، ويقبلون برئيس حتى ولو كان على كرسى متحرك.

ولماذا الإجابة هى الجزائر؟ هى الإجابة على كل ما يحدث فى مصر من تخبط وسوء إدارة وغلو للأسعار واعتقال وقتل خارج القانون وحرب بلا هوادة فى سيناء ضاع فيها الكثير من ابنائنا.

ما حدث فى الجزائر هو ما يحدث فى مصر.. جيش يملك مصر وإذا حاولت أن تخرج من تحت عباءته، يتم التنكيل بالشعب والتلويح بكارت الإرهاب، ويتم بث فوضى فى أرجاء البلاد لا تعلم من السبب فيها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل