المحتوى الرئيسى

لماذا لا يصح أن نصف علاقتنا مع أمريكا بـ«الإستراتيجية»؟

03/26 21:01

العبارة ترسخت في السياسة المصرية منذ تصريح السادات عن خيوط اللعبة التي أصبحت كلها في يد أمريكا

وصف العلاقات بـ«الإستراتيجية» غير صحيح بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق مع التوجه ناحية الغرب

العرب يضعون «كل البيض في سلة واحدة» بما يتنافى مع المصلحة القومية والاعتبارات التاريخية والسياسية

«إن العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية علاقة إستراتيجية».. كم مرة سمعنا هذا التصريح شكلًا أو مضمونًا في مصر، حتى أصبح بمثابة "القوابت" الكلامية السياسية للمسؤولين المصريين من أول الرؤساء إلى ما يسمون بالخبراء الإستراتيجيين، ومن ثم بات يمر على ذهن الناس دون أي غرابة.

الأمثلة على ذلك كثيرة، وكلها تنحصر في الفترة من السبعينيات إلى الآن، والمرة الأحدث كانت اليوم على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما قال إن «العلاقات المصرية الأمريكية علاقات وثيقة وممتدة وذات طبيعة استراتيجية، وأن المرحلة المقبلة تتطلب تعزيز هذه العلاقات على كافة الأصعدة»، وذلك خلال لقائه رونالد لاودر رئيس الكونجرس اليهودي العالمي.

في السطور التالية ننقد هذا الوصف الشائع لعلاقة سياسية محكومة بتغيرات ربما تقع في أي وقت، مع بلد كان في وقت ما – ولا يزال يعتبر- من أعداء الوطن العربي.

تاريخيا، فتحت السياسة المصرية الباب لمثل هذه التصريحات منذ أن أعلن الرئيس الراحل أنور السادات في الفترة بعد حرب السادس من أكتوبر 1973 أن «99 % من خيوط اللعبة في يد أمريكا»، وهو التصريح الذي يعتبره كثيرون عنوانا لكتالوج السياسة المصرية الخارجية بعد ذلك.

الأمر بالنسبة للسادات لم يكن مجرد تصريح فقط، لكنه بالفعل كان يريد أن يضع العلاقة بين القاهرة وواشنطن في مرتبة «الإستراتيجية»، وهو أمر –بغض النظر عن الاختلاف معه- ليس صحيحًا.

بعد السادات، ذاعت عبارة «العلاقات الإستراتيجية» كثيرا طوال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، حتى في الأوقات التي شهدت فتورا في هذه العلاقات، كانت الجملة على ألسنة السياسيين، وتجسد ذلك عموما في سير مصر في الركب الأمريكي في التعامل مع قضايا المنطقة العربية مثل غزو العراق للكويت والمفاوضات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي.

في 25 يناير 2011 تراجع الدور والتأثير الأمريكي في مصر بفعل الأحداث المربكة التي فاجأت الكثيرين، لكن نغمة «العلاقات الإستراتيجية» سرعان ما عادت مرة أخرى على ألسنة دبلوماسيين، ثم إلى التصريحات الرئاسية.

من مظاهر هذه العلاقة ما يسمى بـ«الحوار الإستراتيجي» وهي مجموعة من المباحثات السياسية والاقتصادية تٌعقد بين البلدين في فترات زمنية مختلفة، بدأت للمرة الأولى في عامي 1988 و1989 في القاهرة وواشنطن، وتوقفت لفترة ثم عادت مرة أخرى في عامي 1998 و1999.

الغريب أن الجولة الثالثة من هذه الجسلسات عادت في أغسطس 2015، بعد توقف 15 عاما، برغم أن العلاقات وقتها كانت في حالة فتور بعد 30 يونيو 2013 وعدم اعتراف الولايات المتحدة بشرعية إزاحة نظام جماعة الإخوان.

في يونيو 2015 قال السيسي في حوار تليفزيوني مع أسامة كمال إن «أدبيات التعامل مع السياسية الأمريكية ليست ملزمة لي»، لكنه عاد في نفس الحوار ليؤكد على الجملة المعتادة بقوله إن «العلاقة استراتيجية وقوية ونعترف بأنهم كان لهم دور إيجابي جدا مع مصر خلال السنوات الماضية وحتى الآن».

بدا تصريح «الأدبيات غير الملزمة» تكليلا لفترة مغايرة من التعامل مع أمريكا، لكن الإصرار على استخدام وصف «الإستراتيجية» عند كلالم على العلاقات يبدو غريبا لحد كبير، طالما أن الأدبيات القديمة لم تعد ملزمة كما جاء على لسان السيسي.

وبعد أيام سيلتقي السيسي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، في واشنطن، وهي زيارة ربما يضع عليها كثيرون آمالا بدافع الكلام المتكرر عن «الكيميا» الشخصية التي تجمع الرئيسين، وهو تعبير أيضًا يشبه القول غير المحسوب بـ«إستراتيجية العلاقات».

كل البيض في سلة واحدة!

كما ذكرنا، بخلاف الاتفاق أو الاختلاف على العلاقة مع الولايات المتحدة، يبقى وصفها بـ«الإستراتيجية» خطأ فادح، لا يجب أن يمر هكذا، لأنه يخالف التاريخ والأمن القومي والإرادة أيضا.

الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل يقول إن الأمن القومي العربي لا يجب أن يخضع لهوى السياسيين، بمعنى أن الحاكم بإمكان تغيير دفته من طرف دولي إلى آخر لكنه لا يستطيع ولا يحق له أن يصف أي توجه سياسي خارجي بالإستراتيجي، لأن ذلك من الممكن أن يتغير في فترة لاحقة.

الاستثناء الوحيد من هذا الكلام هو الوطن العربي، فمن الطبيعي والحتمي أن تكون العلاقة بين كل العرب «إستراتيجية»، لأنها مبنية على عوامل التاريخ واللغة والمصير المشترك، ويقول هيكل وفي إحدى حلقات «تجربة حياة» على فضائية الجزيرة، سنة 2008: «أمنك القومي ليس قابلاً للتعديل، لأنه ببساطة خارج إرادة السياسة، صنعته جغرافيا وتارخ سابقين على أي عصر وعلى أي زمن، ولها مستلزمات حقيقية وليس فقط مجرد اختيارات يصرّفها من يشاء كما يشاء».

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل