المحتوى الرئيسى

حوار مع صديقي المولع بتكفير الصوفية!

03/26 12:30

* قال صديقي: التكفير حكم شرعي، فلِمَ تخجلون منه!

- قلت: نحن لا نخجل من وصف من تحقَّق بالكفر به، لكننا نمنع أن يكون التكفير سيفاً في يد الجهلة يضربون به من لا يستحق.

* لكنكم لا تكفرون بعض من يجب تكفيره!

- معرفة ما يكفَّر به المرء وما لا يكفَّر يدخل بعضها في أبواب العقائد وبعضها في أبواب الفقه، فيحتاج الأمر إلى كثير علم، لا يناله كل من اشتغل ببعض العلم الشرعي ولو تخصص في بعض جوانبه، واعلم أن تنزيل الحكم بالكفر على واقعة محددة أو شخص معين لا يكون إلا من قاضٍ.

* فلِمَ لا تكفرون الصوفية أهل الانحراف والضلال والبدع؟

- الصوفية مسلمون يريدون التحقق بالدين، فانتقادهم لمجرد الاسم لا يصح؛ بل الواجب على كل مسلم سلوك سبيلهم، يقول سيدي أبي المواهب الشعراني في "الطبقات الكبرى": "وسمعت شيخي ومولاي أبا يحيى زكريا الأنصاري شيخ اﻹسلام يقول: إذا لم يكن للفقيه علم بأحوال القوم -أي الصوفية- واصطلاحاتهم = فهو فقيه جاف. وكنت أسمعه يقول كثيراً: الاعتقاد صبغة، والانتقاد حرمان".

* ما الذي ترمي إليه؟!

- الذي أقصده أن تقرأ رسالة السيد عبد الله بن الصديق "حسن التلطف في بيان وجوب سلوك طريق التصوف"؛ لتعلم كم قصرت الأمة في دينها وتبعت أصحاب الدجال الذين يقلبون الحقائق، فصارت كلمة صوفي لا تقال إلا ويتصور الذهن مجموعة من الدراويش أو المبتدعة فاسدي الاعتقاد، وهذا من مصاديق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لن تقوم الساعة حتى يؤتمن الخائن ويخون الأمين".

* يا سيدي، نحن أمام وقائع لا يمكن تكذيبها، مواقف وعبارات وكلمات لا تحتمل إلا الكفر!

- يا أخي، ينبغي إحسان الظن بالمسلمين، وحمل كلامهم على أحسن المحامل ما أمكن، وتذكَّر قول حجة الإسلام الغزالي: "من قال قولاً يحتمل الايمان من وجه ويحتمل الكفر من تسعة وتسعين، حملنا كلامه على وجه الايمان".

ثم اعلم أن أهل التصوف على صنفين: أهل سلوك كالجنيد، وأهل معرفة كابن العربي الحاتمي والشعراني، وغالب من يشكل كلامه منهم يكون من الصنف الثاني.

* فكيف نتعامل مع "شطحات" الصوفية وعباراتهم غير المفهومة في كتبهم؟!

- القاعدة مع الصوفية وغيرهم: تعظيم جانب الأدب وتقديم حسن الظن بمن ظاهره اﻹسلام، وحمل كلامه على أحسن المحامل ما أمكن.. كما قلت.

ثم انظر.. كان اﻹمام الشعراني -رضي الله عنه- يحرص في مؤلفاته على تأكيد أن ما سيقوله في كتبه لا يخرج عن عقيدة أهل السنة: الأشاعرة والماتريدية، كما فعل في "القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية" و"اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر" و"الكبريت الأحمر في عقائد الشيخ الأكبر" و"الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية"، و"الطبقات الكبرى" وغيرها.. وذلك دفعاً لاعتراض المعترضين ممن تقصر عقولهم عن إدراك مرامي ما سيذكره من علوم أهل الله التي لا تخالف عقائد الصحابة -رضي الله عنهم- بحال.

فعقائد المتكلمين إجمالية، وعقائد القوم تفصيلية، عقائد المتكلمين عن خبر وفكر، وعقائد القوم عن معاينة وذكر، عقائد المتكلمين من تعليم الرجال، وعقائد القوم من تعليم الله تعالى، كما في قوله تعالى: "واتقوا الله ويعلمكم الله".

* فأين تذهب من كلام بعض من تسمونهم العارفين "سبحاني"، أو"ما في الجبة غير الله"، وهو قول كفري صريح ينبغي تكفير قائله.

- يقول سيدي أحمد الرفاعي فيما نقله الإمام الشعراني في "الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية": "ما دام أحدكم يسيء الظن بأحد من الخلق = فهو دليل على نجاسة باطنه".

* هل تريد التماس الأعذار في الكفر الصريح؟

- صريح في عقلك أنت لسوء باطنك، أما عند أهل العلم فلا؛ لأن القائل مسلم فلا نخرجه من الإسلام إلا بجحود ما أدخله فيه، كما يقول الإمام الطحاوي في عقيدته.

* أليس ادعاء الألوهية كفراً، أليس اعتقاد الحلول كفراً؟

- نعم، لكن تنزيل هذا على القول المعين لقائل معين يحتاج إلى حذر، فالخطأ في إدخال كافر في الإسلام أهون من الخطأ في إخراج مسلم منه، ولا يسارع للتكفير إلا الجهلة.

* هذا كلام الصوفية أهل الضلال للمداراة على شركياتهم وبدعهم، والدين واضح لا يحتاج لكل هذا.

- الصوفية هم جمهور علماء الأمة، وكونك لا تدرك هذا لنشأتك في زمان علا فيه صوت الوهابية حتى صار الناس جميعاً يقولون بقولهم مع اختلاف القوة والضعف وصار مخالفهم مشركاَ أو فيه شرك = لا يجعل الباطل حقاً.. فما من عالم تسمع عنه إلا وكان صوفياً له شيخ في التربية.

* شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لم يكونا صوفية وهما العلماء بحق!

- مع تحفظي على حصر فهْم الإسلام والتعبير عنه في الشيخين، لكن لهما كلام في حق الصوفية ليس ككلامكم، فلابن تيمية مجلدان في التصوف، ويقال إنه لبس الخرقة القادرية، وابن القيم كان متصوفاً في مدارج السالكين.

* فما قولهما في مسألتنا؟ وهل تحتاج هذه العبارات لتأويل حتى نكفر قائلها؟!

- لست من أوّل هذه العبارات وحملها على محامل حسنة تليق بالمسلم؛ بل ابن تيمية، شيخكم، حيث قال في الجواب الصحيح:

"حتى يقول أحدهم في هذه الحال: سبحاني! أو ما في هذه الجبة إلا الله".

ومعلوم أن ذات الله -تبارك وتعالى- ليست الذي في قلبه؛ بل في قلبه مثاله العلمي، ومعرفته، فغاب بذلك عن نفسه. هذا وإن كان يقوله الغالط، فيقول من ليس بغالط: الله في قلب فلان، وفلان ما عنده إلا الله، ومن أراد الله فليذهب إلى فلان، وليس مرادهم أن ذات الله في قلبه؛ بل مثاله العلمي ومعرفته وذكره ومحبته، وأنه لا يعبد إلا الله، ولا يرجو إلا إياه، ولا يخاف إلا إياه، ولا يعمل إلا لله، ولا يأمر إلا بطاعته فيفنى بعبادته عن عبادة ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، وبمحبته عن محبة ما سواه.

فما قيل في المسيح عليه السلام، وأمثاله من هذا فهو حق، لكن لا اختصاص للمسيح بهذا.

* وهل هذا التأويل يعصمهم من الكفر إن وقعوا فيه؟

- اعلم أن غالب ما يقال إنه كفر نشأ بسبب قلة ممارسة ومخالطة لكتبهم وعدم معرفة باصطلاحاتهم.

يقول سيدي الشعراني بـ"الأنوار القدسية في آداب العبودية" ما نصه: "وبالجملة، فمن نظر إلى ما الخلق فيه من المصائب والفتن والمحن الظاهرة والباطنة = سهل عليه المناقشة فيما لا يفهمه ووكل علم ذلك إلى أهله، فلكل رجال مقام يذوقونه فيما بينهم، ومن فهم هذا = توقف عن الإنكار على غيره؛ لأنه سالك من طريق غير طريقه، فلا يعترض الفقيه على النحوي، ولا المقرئ على الأصولي، ولا الفقيه على الصوفي، وبالعكس؛ لأن لكل فرقة اصطلاحاً فيما بينهم.

وكلامنا في الاعتراض بالفهم من غير مستند شرعي، وإلا فلو رأينا الصوفي يتربع في الهواء = لا نعبأ به، إلا إن امتثل أمر الله تعالى واجتنب نهيه... وحرام على هذا أن يتكدر ممن نصحه، وحرام على الفقيه أن يتكدر من نصح الولي؛ لأنه أعلى منه فهماً في أحكام الله تعالى.. ولا يتوهم أن علم الأولياء وغوصهم في فهم الأحكام يتوقفان على الآلات عند غيرهم كالنحو واللغة والمعاني ونحو ذلك، فإن الله -سبحانه وتعالى- لا تقييد عليه، فيعطي من شاء، ما شاء، كيف شاء. فافهم".

- أي إن دواء الجهل السؤال، لا المبادرة بالإنكار والانتقاد.. فلنتعلم جميعاً أن علومنا كلها إلى قيام الساعة ليست سوى قطرة من بحار علم الله، والله تعالى يعلم من شاء ما شاء، وفي قصة الخضر إشارة، وفي سلوك موسى معه دلالة على ما ينبغي لأمثالنا فعله.

وهذا الكلام المذكور فرع ثبوت صدق مدّعي الولاية، فإن ثبت عندك ولايته: وجب التسليم وترك الإنكار.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل