المحتوى الرئيسى

أقباط العريش.. إلى أين؟ | أسايطة

03/25 22:05

الرئيسيه » بين الناس » تحقيقات » أقباط العريش.. إلى أين؟

“المجهول”.. ربما تكون الكلمة الوحيدة التي تشير إلى حجم المعاناة التي يعيشها الأقباط النازحون من العريش، فغالبية من التقينا بهم قضوا ما يزيد على 20 عاما هناك وأسسوا حياتهم وربوا أولادهم وينتظرون لهم المستقبل الباهر، إلا أن جاءت الجماعات الإرهابية وقضت على كل ذلك وجعلتهم بين خيارين لا ثالث لهم فإما القتل أو الخطف…”ولاد البلد” التقت بثلاث أسر قبطية استقرت في أسيوط بعد رحلة هروب كانت أشبه بخروج الروح من الجسد.

 محمود: الإرهابيون معاهم كشوف بأسماء الأقباط

“شفنا الموت بعنينا ومقدرناش نعمل حاجة”، بملامح تبدو عليها الرعب والعناء يتحدث “محمود” اسم مستعار، 50عاماً، عن رحلة الفرار من محافظة العريش إلى أسيوط، حيث ترك رب الأسرة مسكنه وعمله وحياته خوفا من بطش المليشيات الإرهابية إلى مكان آخر لعله ينجو بنفسه وأسرته من القتل، ويكمل “أنا مش عارف أقول إيه، بس سبت روحي وذكرياتي من 25 سنة قعدتهم في العريش”، ولكن عمليات القتل والذعر حالت بينهم وبين بقائهم هناك، حيث بدأت الأحداث تتوالى وتتصاعد بعد ثورة يناير والأوضاع أصبحت أكثر توترًا وبدأت العمليات الإرهابية ضد الأقباط تحديدا، ولم يستطع الأمن السيطرة على الوضع.

سيطر الصمت لبرهة على أرجاء المكان، عيون تتجول في كل مكان حاملةً دموع مقيدة تخشى الحديث، “مكنتش أتخيل إنه ييجي اليوم اللى أمشي فيه من بلدي، محدش متخيل يعنى إيه الكلمة دي”، ويستطرد تركتها رغما عن أنفي فبعد رحيل مرسي عادت العمليات الإرهابية للنشاط وبقوة، وكانت جميعها تخرج من منطقة جبل الحلال، و كل تفجيراتهم تحدث ضد الجيش والشرطة، والتفجيرات ملأت الشوارع، وقاموا بتفجير مدرعات وكمين المطافئ، وبعدها اتجهوا نحو تصفية الأقباط.

ويتابع: في العام  الماضي قتلوا الأبوين مينا ورفائيل، ومع بداية هذا العام قتلوا شخص يدعى وائل صاحب سوبر ماركت، وبعدها “دخلوا عنده شربوا كانز وأكلوا شيبسى ومشيوا ولا كإنهم عملوا حاجة”، وبعدها خطفوا طبيب يدعى وديع رمسيس وكانت لديه مستشفى خاص ومدرسة وأخذوا فدية مليون جنيه نظير إطلاق سراحه.

فجأة تغيرت ملامح الرجل وبدت علامات الاندهاش تسيطر على وجهه وكأنه أبى أن يصدق ما حدث له، “أنا شفت واحد كان مروح بعد شغله والإرهاب كان ناصب كمين في الشارع، وفتشوه ولما شافوا بطاقته وعرفوا إنه مسيحي غرقوه رصاص في لحظة، ولما تدخل واحد مسلم ضربوا عليه الرصاص في رجله وقالوا له لو نطقت هنقتلك زيه”، ويذكر أنه خلال 15 يومًا قتلوا 8 أقباط، وقبل فراري مع أسرتي لأسيوط، قاموا بنشر كشوف بأسماء الأقباط، لقتلهم بالدور، ويقال إن الكشوف بها 40 اسم، فمثلًا خلال قتلهم لصاحب محل ” وهو بينزل بضاعة للسوبر ماركت”،  قاموا بالنداء عليه باسمه يا “وائل”، وعندما نظر إليهم قاموا بقتله، وقبطي آخر كان يبيع خضار هو وزوجته في سوق الخميس قاموا بضربه بالنار في الظهر، “وندهوا عليه باسمه جمال”، وفي أي وقت يقوموا بعمليات القتل ولا يستطيع أحد التعرض لهم لأنهم يستخدمون الموتوسيكلات، وهو ما جاء بعدها بحظر استخدامها في المحافظة فيما بعد.

ربة منزل: جالنا اتصال بيقولنا اهربوا الدور عليكم في القتل

“امشوا دلوقتي ومتقعدوش ولا دقيقة تاني”، اتصال هاتفي جاء من صديق مسلم قلب حياة أسرة رأسا على عقب، بعدما بات العيش في محافظة العريش الموت المنتظر، “عفاف”، اسم مستعار، ربة منزل، وتبلغ من العمر48عاما، تقطن هناك منذ 15 عاما بعد زواجها، ولكن ما تشهده البلدة خلال الآونة الحالية جعلها تهرب بنفسها وأسرتها من الإرهاب.

تقول عفاف: أصابتنا حالة من الذعر والرهبة فقد جاء دور زوجي في كشف الموت، فأسرعنا بوضع بعض الملابس دون أي تركيز وأغلقنا شقتنا وهرولنا بالسيارة حتى وصلنا الإسماعيلية كنا نموت في اللحظة ألف مرة من الخوف، فلا نعلم من الذي يريد قتلنا “لا عرفين شكله ولا عرفين هو مين وهما ممكن يطلعولك من جوه الحيط أو تحت البلاط، طول الوقت الضرب شغال في الشوارع  مش عارفينه جاي من فين  ولا رايح فين”، ففي يوم ما فجروا مدرعة بكمين بجوار مدرسة ابنتي الصغرى، والانفجار بينه وبين المنزل  100 متر، أسرعت أنا وصديقة لي “نجري في الشوارع عشان نوصل المدرسة،  بنتي اتصلت وقالتلى يا ماما متنزليش إحنا كويسين ومستخبيين في المدرسة”، ولكن لم استطع الانتظار وحاولت الوصول للمدرسة، وعندما زاد الرصاص “الأهالي خبونا في العمارات بتاعتهم”، وابنتي لم تذهب إلى المدرسة هذا العام إلا 3 أيام، واللي خبونا مسلمين”.

يقاطع الزوج زوجته أثناء الحديث قائلا: “رفضت كثيرًا الخروج من العريش، فهل يستطيع السمك العيش خارج الماء، ولكن خفت على بناتي هيروحوا فين لو حصلتلي حاجه”، نعم هي رحلت عذاب، تركنا كل شيئ، وكنا ننظر يمينًا وشمالًا أثناء خروجنا، فنحن لا نعلم من عدونا، فكل العمليات تتم بشكل مختلف فمن الممكن أن يخرجوا عن طريق البحر وهذا ما تم أثناء الانتخابات شغلوا الناس في الشارع والإرهابيين دخلوا الفندق وقتلوا اللي فيه”.

“أصعب حاجة لما تكون مش عارف مين عدوك ولا مين اللى عاوز يموتك”، يتابع الزوج حديثة ويقول” هم ملهمش لبس معين تعرفهم منه، عاملين زى عفاريت العلبة، يكسروا الكاميرات ويخربوا الكنايس، وبعد ما الدنيا خربت نزلوا الجيش في المدينة عشان الدنيا تهدى، أنت مثلا متقدرش تتصل بالشرطة لأنها هي نفسها الإرهابيين بيعملوا لهم كماين، واحد من الإرهابيين يتصل بالشرطة يطلب النجدة والشرطة تيجى تلاقيه كمين ويقتلوهم عشان كده الشرطة بتشك في أي حد”.

“يعنى مش كفاية الموت لا، وخراب ديار”، يستغيث الزوج من تعرضه للفصل من عمله حيث أنه في إجازة لمدة شهر واحد والآن يتصل به أصدقائه من العريش يطالبونه بالعودة لأنه مهدد بالفصل، “أنا سايب شغلي بمزاجي يعنى وروحت للنواب عشان يساعدوني في ده وأديني مستنى”.

سعيد: بدعي إن الأوضاع تتحسن وأرجع بلدي

لم تكن حالة “محمود”، أفضل حالا من “سعيد”، اسم مستعار، ويبلغ من العمر 53عاما، الذي ترك أرضه وماله ومنزله ولا يعرف إن كان سيعود لها مرة أخرى أم لا، حيث يقطن فيها منذ 18 عاما.

“خروجي من العريش بمثابة نزع الروح من الجسد”، يقولها سعيد موضحا أنه تلقى تهديدات كثيرة ما اضطره للرحيل، ولكنه يتمنى عودة الهدوء لبلده ويأمل في العودة مرة أخرى.

يعاود “محمود” الحديث عما يجري في العريش قائلا: لا نستطيع تحديد الفاعل، فيقال إنهم حماس ويقال إنهم البدو ويقال إنهم أنصار بيت المقدس، “يعنى ممكن تلاقى كمينين في الشارع ولا تعرف ده بتاع مين ولا ده بتاع مين”، وهذا يرجع كله إلى ثقافة الكراهية التي زرعت في عقول الأطفال بسبب التعليم، فهناك مدرسين يرسخون لذلك “المسيحي كافر لازم يموت”، ولا توجد أي رقابة عليهم لذلك يجب الاهتمام بإصلاح منظومة التعليم “دول قفلوا بيوت الثقافة وقالوا حرام، والتي تمشي بشعرها يقولوا عاهرة” وهذا ينطبق على البعض وليس الكل.

 التضامن: استقبلنا 47 أسرة نازحة خلال الفترة الماضية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل