المحتوى الرئيسى

فلسانين وطفرانين والحالة جيم؟

03/25 11:09

«إِمفَلِس- فَلسَان- أَبيَض- إِمطَقرَة مَعِي- طَفرَان- أَنضَف مِن البَلَاط بَعد غَسِيلو- إِخبُطنِي بِالحِيط مَا بَرِن- الحَالَة جِيم...». كل هذه وغيرها، مصطلحات نستخدمها أو نسمعها على مدار اليوم في بلادنا العربية. والمحصلة النهائية لكل تلك التعبيرات هو الإيحاء بعدم امتلاك المال. ورغم الأهمية التي يحظى بها المال في حياة البشر، فإن مصطلحات «الفَلَس»، لا تقتصر على فئة بعينها، فهي تُتَداول بين الأغنياء والفقراء على حدٍ سواء.

«في يوم الخميس من كل أسبوع يكون العدس هو الطبق الرئيسي على المائدة في منزلنا، ولا يرافقه سوى بعض البصل ومَثَلٌ شعبي يقول "العدس ولا الفلس"، كانت أمي تقوله لنا حتى لا نتذمر من تلك العادة التي تهدف إلى التوفير لغداء يوم الجمعة الذي عادة ما يكون من الزَفَر (أنواع اللحوم المختلفة)»، هذا ما قالته سمية فلفل، شابة فلسطينية من جنوب قطاع غزة.

يمكننا أن نقول إن الأوضاع الاقتصادية ليست هي السبب الأساسي لوصول الإنسان إلى مرحلة «الفَلَس». على العكس تماماً، فمن الممكن أن يكفي الدخل الثابت للإنسان لتلبية احتياجاته الأساسية والرفاهيات أيضاً، لكنه يعاني الفَلَس قبل الوصول إلى منتصف الشهر، وهذا مرتبط بطريقة التصرف والإدارة التي يقوم بها بعد تقاضيه الراتب.

«أنا أعرف ناس بيقبضوا مرتب يعني خلينا نقول ألف جنيه مصري (ما يعادل الآن 60 دولاراً)، وفي الوقت نفسه عندهم التزامات كبيرة، يعني ممكن يحتاجوا أكتر من 5 آلاف جنيه بالشهر مصاريف، لكن أنا بشوف إنهم ممكن يحوشو (يدخروا) من الألف جنيه دي (هذه)، ورغم إنو القبض بتاعي أكتر من كده بكتير إلا إني بفلس قبل نص الشهر، لدرجة إني فكرت أروح عند الناس دول (هؤلاء)، يمكن أتعلم منهم شوية عن التوفير، وغالباً لو عشت عالطريقة بتاعتهم ممكن أكون مليونير في أقل من سنة»، يقول عبد الرحمن زكي، شاب مصري يعمل صحفياً في أكثر من مكان.

أما عن رحلة سعد هويدي، الشاب السوري الذي نزح إلى القاهرة، جراء الحرب التي تعصف ببلاده، مع الإفلاس، فمن الممكن أن يكتب بها مجلدات كما يقول والابتسامة لا تفارق وجهه. «أنا والفلس إخوان. يعني بظن إنو لو بيوم صار معي فلوس ممكن تيجيني سكتة قلبية أو يصير فيي حاجة ما منيحة، يعني أنا عم بشتغل في محل ملابس، ومستحيل يجيني نوم بالليل لو كان معي فلوس، طول عمري هيك ما بعرف ليه، بس يمكن بكون مرتاح أكتر لما بكون مفلس لأنو لما يكون معي فلوس بصير محتار شو بدي أشتري وشو بدي جيب لدرجة إني ممكن أعطي اللي بيبقى معي لأي حد محتاج قبل ما أروح البيت».

ولما كانت البداية الحقيقية للإنسان الأول من داخل الكهوف، كان المكان الطبيعي للمرأة في ذلك الوقت هو الكهف، بخلاف الرجل الذي كان يقضي يومه وراء الحيوانات برمحه لتلبية احتياجات كهفه الأساسية من الغذاء. ومن هنا صار للرجال والنساء نظرة مختلفة في المسائل المادية.

لم يتخل الرجل يوماً عن نظرته لنفسه، التي يرى فيها أنه بطل لهذه الحياة وممثل أول على خشبة مسرحها، وإن كان لا يملك المقومات الأساسية للحياة. وغالباً لا يكون «كنز المال»، أو حتى ادخاره لأوقات الأزمات، مسألة تعني الرجال. فجزء من رجولتهم مرتبط بالإسراف، وشراء الأشياء التافهة، قبل الأساسية، كنوع من حب السيطرة. كما أن الحرج من الإفلاس نادراً ما يكون موجوداً في قاموس الرجل، فمن الممكن بالنسبة له اللجوء لاقتراض المال من أقرانه أو عائلته، دون أدنى شعور بالخجل، على عكس النساء.

شارك غردجزء من الرجولة مرتبط بالإسراف وشراء الأشياء التافهة قبل الأساسية كنوع من حب السيطرة

شارك غرد"بكون مرتاح أكتر لما بكون مفلس لأنه لما يكون معي فلوس بصير محتار شو بدي أشتري وشو بدي جيب ولمين أعطيهم"

يقول فتحي كيلاني، شاب مصري حديث العهد بالزواج: «حين بدأت التخطيط لمسألة الزواج، كنت أملك بعض المال، وحين بدأت مرحلة التجهيز اصطدمت بالواقع، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة التضخم بعد تعويم الجنيه المصري، الذي وصل إلى أدنى مستوياته».

ويضيف، «الأمر برمته استنزفني حتى باتت مصطلحات المفلسين تتردد على لساني بشكل دائم، وغالباً ما أستخدم مصطلح "الحالة جيم"، خصوصاً أن الالتزامات أصبحت تشكل عبئاً كبيراً، وفي المقابل طرأ تغيير على الدخل الشهري الذي انخفضت قيمته إلى أكثر من النصف».

بينما يختلف مفهوم «الفَلَس» عند النساء عن مفهوم الرجال له. فالمرأة بحسب مجتمعنا الشرقي «كائن ضعيف»، ولما كان دورها يقتصر غالباً على المنزل وتربية الأبناء، أصبحت تبحث عن وسائل دفاعية بعيداً عن العضلات والقوة، تحسباً لأي طارئ قد يحدث مستقبلاً إن تخلى عنها الرجل. من هنا جاء المثل القائل «الست تعشش والراجل يطفش»، ما يعني أن المرأة تكون أكثر حرصاً على بيتها وأبنائها من الرجل، وأكثر ما يؤرقها هو مسألة الاستقرار المادي لأسرتها، وتسعى للاكتفاء بالموارد المادية المتاحة، وعدم الحاجة إلى أي أحد، وإن كانت عائلتها، فمسألة الاحتياج والإفلاس بالنسبة للمرأة مرتبطة بالذل والهوان.

تقول منه علي، التي تدرس في جامعة القاهرة، إنها تتلقى مصروفها من والدها، ويقدر بـ40 جنيه يومياً، وتدخر أكثر من نصفه لأنها تذهب إلى الجامعة 3 أيام في الأسبوع. وبقية الأيام تقضيها في المنزل، وتخرج مع صديقاتها في أيام العطل الرسمية. وتضيف: «أخي الأكبر مسرف جداً، ورغم أنه يتلقى مصروفاً أكثر مني، فهو دوماً يعاني الإفلاس ويقترض مني».

كثيراً ما يتردد هذا المصطلح في الأفلام السينمائية المصرية، وكان يوحي بشكل مباشر بإفلاس قائله... لكن من أين جاء هذا المصطلح؟ وكيف أصبح دارجاً على لسان العامة في مصر؟

خلال جولة من البحث والاستفسار، كانت الإجابة التي أجمعت عليها الغالبية العظمى، أن مصطلح «الحالة جيم»، هو إحدى مراحل تصنيف الاقتصاد في البلاد، وتدل المرحلة «ج»، على مدى السوء الذي أصاب الاقتصاد، بخلاف المرحلة «أ»، والمرحلة «ب».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل