المحتوى الرئيسى

"مودرن" أم "ذو نزعة شرقية"؟ أي الرجال أنت؟

03/24 15:48

كان نجيب محفوظ عبقرياً عندما رسم ملامح شخصية "داود باشا" التي جسَّدها ببراعة خالد النبوي في مسلسل "حديث الصباح والمساء"، تلك الشخصية التي كشفت عقدة الرجل الشرقي الذي ظل حائراً بين ما تربَّى عليه وما تلقَّاه من أهله وبني طبقته في أحد أحياء القاهرة القديمة، وبين ما شاهده وعايشه في بلاد الخواجات.

ظل "داود باشا" لسنوات يقتله الصراع الداخلي بين رغبته في أن يظهر بمظهر الرجل "المودرن" الذي ينتمي للتقاليد الأوروبية ونمط التفكير الغربي الذي انعكس في طريقة حياته واختياره لزوجته، وبين إيمانه بأنه ينتمي للحياة التي رأى عليها أفراد أسرته.

"داود باشا" اختار زوجة من الطبقة الأرستقراطية وقتها لتناسب طموحه ورغبته في الانتماء إلى ذلك العالم كطبيب "متعلم في بلاد برَّة"، لكنه لم يشعر يوماً أنها تناسبه، وكان يشعر بالفارق الكبير عن صورة الزوجة المثالية في خياله التي كانت تمثلها والدته. وعندما رفضت أن تمتثل لرغبته في أن تكون نسخة من والدته، اختار أن يتزوج الجارية، ملَّ ابنة المجتمع الراقي واختار امرأة تتقن "صب الماء على قدميه"، كما رأى والدته تفعل لوالده!

هذا النموذج بذلك التكوين ما زال موجوداً بصور مختلفة في رجال مجتمعنا اليوم، هو نفس الرجل الذي يرغب في شريكة مثقفة ومتعلمة، تتقن فنون الحياة، ناجحة في عملها ومستقلة، حرة لتفكر وتقرر وتفعل، تحب بشغف وتعطي بلا حدود، ولكنه على الجانب الآخر ما إن يحصل عليها حتى يجاهد من أجل تحويلها لتلك النسخة التي رأى عليها والدته، يريدها أن تنسى شخصيتها المستقلة وحريتها في اتخاذ قراراتها وتوجيه حياتها وتتحول لامرأة منقادة تتصرف وفق هواه ورغباته بلا وعي أو تفكير كما عاين من قبل استسلام النساء في عائلته.

وهذا ما لخَّصته الكاتبة خولة حمدي في روايتها "غربة الياسمين"، حينما قالت: "الرجال الشرقيون لديهم نظرة دونية للمرأة، يعتبرونها عورة يجب تغطية جسدها بالكامل، ويحتجزونها في البيت لتربية الأطفال والاهتمام بالأشغال المنزلية، حتى من يتزوجون الأوروبيات منهم يحاولون إسقاط تقاليدهم المتزمتة عليهن، ومهما بدا الرجل متحضراً ومتفتحاً فإن نزعته الشرقية تطفو على السطح عاجلاً أم آجلاً".

والسؤال: لماذا لا يكون الرجل صادقاً مع نفسه منذ البداية؟ لماذا يغامر باختيار شريكة حرة مثقفة منفتحة؟ لماذا يرغب في أن يحيا صراعاً هو في غنى عنه إذا كان محدداً وواضحاً في اختيار من تناسب تقاليد وحياة أهله أو مجتمعه؟ لماذا يظن أن امرأة بتلك العقلية المثقفة ستنقاد بسهولة لرغباته وتلغي شخصيتها؟ وما هو المقابل؟

الحقيقة أن الرجل الشرقي لم يستطِع أن يحسم المعركة بداخله لا قديماً ولا حديثاً، هو يرغب في أن يحصل على كل شيء بمنتهى الأنانية دون استعداد للتنازل عن تقاليده البالية أو القبول بتقاليد مختلفة؛ لذلك يكون دوماً متخبطاً بين عدة شخصيات يعيشها بداخله فلا يتمكن بسبب ذلك من أن يكون صادقاً لا مع نفسه ولا مع الآخرين، وبسبب ذلك لن يتمكن أبداً من أن يعيش الحياة التي يتمناها حقاً بسعادة.

وحينما تصطدم المرأة بذلك الرجل فليس أمامها إلا المقاومة حتى لا تكون امرأة أخرى أو تحيا حياة ترفضها تفقد فيها حريتها وشخصيتها، أو تتخلى عن هذا الرجل بمنتهى السهولة إذا أصابها العجز عن الاحتمال، وهذا ما وصفته خولة حمدي حينما تحدثت عن "الحب المشروط" قائلةً: "هو لا يريدها كما هي؛ بل يتمنى أن تطرأ على شخصيتها تغييرات توافق هواه، وكان يعلم كم أن ذلك خطر! في الطبيعة، وفي العلاقات الإنسانية خاصة، من خطر محاولة تغيير الآخرين، ذلك يسمى الحب المشروط، وهو يؤذي صاحبه قبل أن يؤذي من يحب".

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل