المحتوى الرئيسى

أفيون التفكير الإيجابي

03/24 15:48

وجب التنبيه إلى أنه في عام 1952 أطلق المبشر ورجل الدين الأميركي نورمان فنسنت بيل كتابه بعنوان "قوة التفكير الإيجابي"، الذي حاول فيه إقناع اتباعه بأن طريقته في التفكير الإيجابي ستعبر بهم إلى بر الأمان، وستتجاوز بهم كلَّ ما يعتريهم من حالة وشعور سلبيين، هذا فقط في حال ما اتبعوا طريقته وتقنياته، على حد زعمه.

والتفكير الإيجابي عند نورمان فينست بيل يتلخص في تكرار عبارات تُوحي بالإيجاب من شأنها خلق حالة من الإيجابية تمكّن الفرد من التغلب على الأفكار والمشاعر السلبية، فالتوكيدات الإيجابية عند بيل قادرة على إحداث اختراق في الحالة السلبية! بمعنى آخر هو يطلب من قرّائه إعادة التركيز على أمور إيجابية حال اعترتهم فكرة سلبية، وحينها سيغدو كل شيء على ما يرام، ولكن ما مدى فاعلية التفكير الإيجابي في ظل التحديات اليومية التي تواجه الفرد منا؟ وهل تنجح هذه الطريقة مع كل الأفكار السلبية؟

قد ينجح التفكير الإيجابي في تجنب الأفكار السلبية البسيطة، نعم قد يكون إحدى الطرق التي تعمل على هذا المستوى، وهو أمر جيد ومطلوب، لكن ماذا لو كانت ذبذبات هذه الأفكار قوية، خاصة إذا كانت متكررة؟! الحق أن هذا النوع من الأفكار يستحيل معه التفكير الإيجابي إلى مجرد أفيون سريع المفعول ومؤقت التأثير، ولن يقدر على إقناع العقل بالاستمرار في تجاهل المشاعر السلبية المتولدة عن تلك الأفكار، وفي الحقيقة هذا الاستمرار في التعامل مع هذا النوع من الأفكار بهذه الطريقة هو هروب من الواقع وانفصال الذات عن إمكاناتها، وهذا يحجب الفرد عن ذاته الواعية (True Self)، وبدلاً من الهروب من مواجهة الحالة السلبية يتوجب علينا أن نكون أكثر وعياً بذواتنا، وأقدر على فهم تلك المشاعر والرسالة التي بدت من ورائها.

إن الانفصال عن الواقع، أو بِلُغتنا هنا الهروب من مواجهة الأفكار السلبية عبر التركيز على توكيدات الإيجاب فقط (Affirmations) ليس أكثر من مجرد تقنيع للأعراض، واستمرار هذا التجاهل للأعراض سيقود إلى مقاومة يكون فيها العقل الواعي مُجبراً على التصادم مع اللاواعي، وهذا ما يكشف عن ضحالة التفكير الإيجابي التي وصفها أحدهم بأنه ليس أكثر من مجرد بلاسيبو (Placebo)!

إن مَلَكة الوعي الذاتي مبدئياً تؤهل الفرد لتقبل مشاعره السلبية، وهذا يتم بتأمل تلك المشاعر وفهم الفكرة التي من ورائها، الأمر بسيط فقط أنت بحاجة؛ لأن تتوقف للحظات عن التفاعل مشاعرياً مع تلك الفكرة/الأفكار السلبية، خذ نفساً عميقاً وادخل في حالة صمت، أو ما نسميه بالتأمل (Meditation) وراقب دون تفاعل، لا تجتهد في إيقاف الأفكار، لا تقاومها، فقط راقِب دون أحكام، التأمل سيعيد لك ترتيب الأمور، سيعرض لك ما في اللاوعي (العقل الباطن) على شاشة الوعي، هنا قد تتجلى لك الفكرة السلبية بقوة، لا تقاومها وإنما اسمح لها بأن تُعبّر عن نفسها بوضوح، تخيّلها، ثم ناقشها وافهم الأسباب الكامنة وراءها، قد يكون خلفها قناعة أو حدث معين، لا يهم، المهم كن يقظاً وحاضراً، لا تغذِّها بمشاعرك وإلا ستجذبها في واقعك، فقط كُن مراقباً، التأمل بوعي وعمق سيحسم لك تلك الأفكار، ثم تمضي في رسالتك!

يعتقد رواد التنمية الذاتية والروحية من أن المشاعر تمثّل معياراً ومؤشراً حقيقياً على جودة الحياة لدى الفرد، ويعتبرون أن المشاعر السلبية في عمقها تدل على عدة أمور منها:

1- أن الشخص يعيش في وهم الزمن (سَرْحان) إما في الماضي الذي مضى أو في المستقبل الذي لم يأتِ بعد وكلاهما وَهْم، حالة من الضياع في التفكير اللاواعي، فالحياة عبارة عن لحظات حاضرة ممتدة، إما أن تعيشها بوعي أو أن تضيع في عقدة التفكير (Being or Thinking)

2- أو أن الشخص فاقد لمهمته (Mission) في الحياة، بلا رسالة ولا رؤية ولا أهداف، فالأصل أن كل واحد منا يحمل بصمة متفردة، وقد جاء على هذه الحياة برسالة قد اختارها في عالم الروح، والمفترض أن يعيد اكتشاف رسالته ويمارسها هنا في عالم البشر.

3- أو أن الشخص يريد شيئاً ويرغب فيه لكن تركيزه في ما لا يريد، مثال ذلك الطالب الذي يود النجاح حين تسأله عن ماذا يريد؟ يجيب: لا أريد أن أرسب.

4- أو أن هناك شعوراً بالحرمان، وهو أن تتمنى شيئاً ومشاعرك ليست متوافقة مع ما تتمناه، مثال ذلك الشخص الذي يرغب في شيء، لكن في أعماق نفسه يشعر بأنه لا يستحقه.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل