المحتوى الرئيسى

أبواق الدعاية العسكرية

03/24 15:48

هالتنا الآلة الدعائية البغيضة التي لا تتوقف، والتي حوَّلت بسطاء المصريين إلى ببغاوات يرددون ما تلقيه لهم دون أي وعي وحولتهم إلى أنعام تلقي بنفسها في بئر الخيانة دون إدراك، وتشارك في الدم دون أن تحمل مسدساً، وعلى عكس ما تريد وتعتقد.

ورأيت أنه من الأوقع أن أسرد أهم تكنيكات الدعاية السياسية التي رصدها الباحثون -وهي ليست من اجتهادي- والتي جرى استخدامها من قِبل إعلاميي النظام العسكري في مصر، وهي التقنيات التي أدت إلى السماح بسقوط المشهد الإعلامي المصري لهذه الدرجة من الدونية، دون أن نجد غضبة شعبية تتناسب مع حجم الجريمة، ويجب الإشارة إلى أنه سيرد ذكر اسم الجيش كثيراً في تطبيقات هذه التكنيكات، وأننا نعتز بجيش مصر، فهم إخوتنا وأبناؤنا، لكننا نختلف مع قادته الذين قادوا الانقلاب.

التكرار المستمر لفكرة عادة ما تكون في صورة شعار بسيط أو لفظ جذاب، وبالتكرار تتحول إلى ما يمكن اعتباره جزءاً من الحقيقة، على طريقة المثل الشعبي "الزن على الودان أمرّ من السحر"، ومن النماذج عليها تكرار "الاعتصامات والمظاهرات المسلحة" و"السيسي المنقذ" و"الإخوان الإرهابية" و"محاولة القضاء على الجيش المصري".

ذكر أشخاص أو مؤسسات بارزة ذات مصداقية عالية لتأييد القرار، ومنها مثلاً التمجيد في الجيش بوصفه "الجيش الوطني الذي حمى الوطن واستجاب لإرادة الشعب في (ثورة)30 يونيو/حزيران.

* الاستفادة من الشخصيات اللامعة:

وهو أسلوب شائع وشديد الخطورة، ولا نقصد به هنا الاقتصار على جذب مشاهير الفن والرياضة لدعم الموقف، مع ما في ذلك من تبعات سيئة على الجيل الناشئ الذي يتخذ من هؤلاء قدوة في السلوك، ولكن الأمر قد يصل إلى حد الخداع بالاستفادة من بعض الانتهازيين من المفكرين والعلماء الذين لا يتورعون عن الممالأة وتقديم بعض الآراء في قوالب فكرية مصطنعة، مع التأكيد على إبرازها تحت أسماء هؤلاء المشاهير بما يحملونه من ألقاب قد تصاغ خصيصاً لإضفاء المزيد من التأثير.

حشد الرأي العام عن طريق إثارة الفزع أو الذعر من تحول مصر إلى المسار الليبي أو السوري وكذلك التخويف من عمليات للقاعدة في مصر والاقتناع بضرورة دعم الجيش والشرطة للوقوف ضد دعاة "التخريب والإرهاب" من المتظاهرين.

استخدام عبارات دالة أو وإشارات تضيف قيمة أو تفضيلاً أخلاقياً لمتبع الرأي مما يشوه متبعي الرأي الآخر، مثل "الجيش الذي خاض الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي يجب اتباعه وتأييد قرارات قائده والتوقف عن دعم الإرهابيين".

هو ادعاء أن الرأي الذي نتبناه هو رأي يؤمن به الجميع؛ لذا يجب إقناع الأفراد خارج القطيع بالانضمام إلى طريق النصر المحتم، والحفاظ على من هم داخل القطيع بتأكيد حتمية النصر، فضلاً عن إثارة الغريزة البشرية الخاصة بـ"الانضمام إلى الحشد والجانب المنتصر" من خلال التأكيد أنه لا يمكن مقاومته، ومن الأفضل الانضمام إليه.

والتطبيق على ذلك القول بأن الله يؤيّد جيش مصر فهم "خير أجناد الأرض"، وأن غالبية الشعب يقف خلفه.. ويتجاهل هذا الخطاب أن السيسي لا يمثل جيش مصر، وأن حديث خير أجناد الأرض حديث "موضوع" والفقه فضلاً عن حقائق التاريخ بينت ذلك بجلاء.

* مغالطة الخطأ والصواب / الأبيض والأسود:

تقديم اختيارين فقط لا بديل عنهما؛ إما معنا الصواب أو ضدنا الخطأ.. "إما مع جيش مصر وقرار السيسي أو مع الإرهابيين الخونة المجرمين الذين سيهزمون".

الدعاية عن طريق تصوير الشعب بأنه مجموعة من السعداء، مثل سباق دراجات السيسي، والاحتفالات الراقصة التي حدثت في التحرير والتي حدثت بينما كان يقوم السيسي بذبح الآلاف في ميدان رابعة والنهضة ورمسيس.

تكرار ذكر مجموعة من الأحداث المركبة للتدليل على صحة القرار، يعتمد هذا الأسلوب على ذكر الأحداث بصورة صادقة مع مزجها بكذبة كبيرة أو تعميم هذه الكذبة، بحيث يمكن خداع الرأي العام والتحايل على كيفية تفسيرهم لهذه الأحداث، مثل استخدام حقيقة "اقتحام السجون في أحداث الثورة" ولكن مزجها بكذبة أخرى أكبر مثل "الاقتحام تم من قِبل حماس والإخوان لتهريب المعتقلين الإخوان"، وأجهزة الدولة العميقة ترسل رسالة لبيريز وتدعوه بكلمة "عزيزي"، واستخدام تلك الرسالة فيما بعد الانقلاب للتدليل علي أن مرسي عميل لإسرائيل.. وهكذا.

يعتمد على إقناع الرأي العام على أن هذا الرأي هو رأي رجل الشارع، وهو الرأي المنطقي، ويعتمد هذا الأسلوب على استخدام اللغة الدارجة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية.. وذلك من خلال إجراء لقاءات متلفزة مع رجال وسيدات بسطاء وبسيطات الثقافة يدعمون قرارات السيسي.

يعتمد هذا الأسلوب على تشويه صاحب الرأي المخالف بجعله من طبقة أدنى / غير ذي قيمة / عديم الأخلاق والقيم عن طريق الاتهامات الباطلة.. من يعارض قرارات الانقلاب فهو خائن وعميل ومغيب ولا يحب مصر ويجب بتره وهكذا.

يعتمد هذا الأسلوب على تبسيط عملية اتخاذ القرار باستخدام صور أو عبارات توجِّه الجمهور للفعل المطلوب مباشرة وإلغاء أي خيارات أخرى متاحة، مثل خطاب التفويض الذي ألقاه السيسي.

يعتمد هذا الأسلوب على نشر حالة من السعادة / الانتشاء أو افتعال أحداث تؤدي إلى رفع الروح المعنوية، ومن أمثلة هذا الأسلوب: منح إجازات رسمية، ونشر وسائل الترفيه، والعروض العسكرية، والخطابات الحماسية، وتقديم مواد تموينية جديدة.

يعتمد هذا الأسلوب على اختلاق أو إخفاء المعلومات من الوثائق الرسمية عن الرأي العام بهدف نشر معلومة خاطئة عن حدث معين أو مجموعة معينة من خلال تزوير / تشويه الصور والمستندات والتسجيلات.. وتم استخدام هذا النموذج بشكل واسع جداً خلال الانقلاب من قبل أذرعه الإعلامية بحيث عادة ما يتم إخفاء أهم تفاصيل من أي واقعة والتركيز على ما يشين الخصم.

يعتمد هذا الأسلوب على تبرير الأحداث بأن القيام بالتظاهر في التحرير بذكرى 30 يونيو/حزيران يزيد من الوطنية اعتماداً على أن الإحساس بالوطنية يلهي الفرد عن الحكم على القضية بشكل موضوعي.. وكذلك دعم "الجيش الوطنى" في مواجهة "الإرهابيين".

الاعتماد على تعبيرات وألفاظ براقة دون أن يكون لها تحليل أو تفسير موضوعي، مثل القول بأن 30 يونيو أعادت للمصري كرامته وحريته، وأنقذت مصر من الضياع، وأن مصر بصدد نهضة عملاقة حقيقية.. وأن مصر انتقلت إلى مصاف الدول العظمى، وأن مصر تقف في علاقة ندية مع أميركا.

الاعتماد على نشر خطاب خادع / مغلوط ممزوج ببعض الحقائق أو يعتمد على التورية، وقد يكون الخطاب مزيجاً بين الحقيقة والأكاذيب، أو يحتوي على بعض الحقيقة فقط، أو يحتوي على ألفاظ تحتمل أكثر من وجه لتفادي اللوم، ونتذكر هنا ما قاله السيسي بأنه لن يكون هناك إخوان بعد توليه الحكم، ولكنه عاد ليقول بأنه لن يكون هناك تنظيم للإخوان، وذلك بعد ما أثير حول ما سيفعله بالإخوان.

الاعتماد على نشر تعميمات غامضة / مبهمة من الممكن أن يؤولها الجمهور حسب ما يرى، الهدف هنا هو تحريك الرأي العام دون استخدام أسلوب فج وصريح.. وتطبيقاً سنجد ذلك في خطابات السيسي الخاصة برفع أسعار الوقود، وكذلك حول أحاديثه الإعلامية أثناء الترشح التي غاصت بالغموض غير المبرر.

يعتمد الأسلوب على إقناع الجمهور بنبذ فكرة الحكم الديني مثلاً؛ لأنها تلقى قبولاً عند جماعات مكروهة وإرهابية مثل الإخوان المسلمين، وبالتالي يتم الهجوم على التيار الإسلامي ككل.

* التبسيط المخل / المفرط:

الاعتماد على تعميمات لمنح إجابات مبسطة لمسائل اجتماعية أو اقتصادية أو عسكرية معقدة، مثل القول بأنه أينما وقف الجيش وقفت الوطنية معه، وأينما كان الإرهابيون كانت إسرائيل.

اختيار وتعديل الاقتباسات خارج سياقها لتغيير المعنى، وعادة تستخدم في السياسة لتشويه الخصم، وهذا النوع استخدم على نطاق واسع جداً في إطار الدعاية العسكرية ضد التيار الإسلامي، وكنموذج تم اجتزاء التصريحات الخاصة بمحمد البلتاجي القيادي الإخواني الخاصة بتوقف العنف في سيناء بتوقف الانقلاب؛ حيث كان حديث الرجل يدور في أنه حينما تتحقق العدالة في الكون سيتوقف العنف، وأنه لو توقف الظلم في مصر لن تجد إرهابياً يفجر نفسه.

يعتمد على إطلاق أسماء تحض على الكراهية ونبذ الطرف الآخر ونشر أحكام مسبقة عن الطرف الآخر، ورسم صورة سلبية عنه، ويعتمد هذا على إثارة الاستنتاجات بدون تحليلها. ودأب الانقلاب ومن قبله الأميركان على نعت "الإسلاميين بالإرهابيين"، و"القوميين بالديكتاتوريين"، و"الاشتراكيين بالملحدين".

يعتمد على استخدام التعميمات البسيطة لتعليل أحداث أو أفعال أو قناعات معينة، وعادة ما يتم استخدام ألفاظ غامضة أو جذابة للتبرير، مثل "لما واحد مسلح من الإخوان الإرهابيين يرمي على الشرطي الذي يقوم بواجبه قنبلة مولوتوف فلا بد للشرطي أن يسبق بقتله"، وذلك لتبرير قتل المتظاهرين يومياً.

* الإلهاء / الرنجة الحمراء:

عرض بيانات أو موضوعات أو أسباب جاذبة ومشتتة للانتباه وخارجة عن الموضوع لقطع الموضوع الأصلي.. كأن نصرف انتباه أي أحد يتحدث عن تدخل الجيش في العملية السياسية فنقول: هذا الجيش العظيم الذي حمى مصر في كل حروبها ليس مسموحاً أن تقول عنه ذلك.

يستخدم هذا الأسلوب عند محاولة زيادة مصداقية أو تشويه فكرة، فعلى سبيل المثال إذا أردت ذكر محاسن العسكر فنهون من مساوئهم، ونكثر من ذكر الحسنات والعكس.. كأن نتشدد جداً ضد الإخوان حينما يقتل شرطي أو جندي هنا أو هناك.. بينما نتساهل في قتل آلاف الناس في رابعة والنهضة وغيرها.. مع أن هنا القاتل معلوم وهناك القاتل مجهول.

الشعار هو جملة رمزية قد تتضمن صورة نمطية وقد يكون هدفها نشر فكرة معينة، ولكن في جميع الأحوال تعتمد على استثارة المشاعر، مثل الجيش يد تبني وأخرى تحمل السلاح، وكذلك صور الجندي الذي يحمل طفلاً التي تنتشر في الميادين العامة.

تعتمد على نشر أحكام مسبقة من خلال تصنيف وقولبة الرأي المخالف في صورة مكروهة / مرفوضة من الجمهور، ويعتمد هذا الأسلوب بشدة على ذكر وقائع أو حقائق استدلالية أو نوادر، مثل التعميم بأن الإخوان إرهابيين وكل مَن هم ضد الانقلاب أيضاً هم إخوان أو إرهابيون أو خونة وعملاء يقبضون من قطر وتركيا، ويتم سرد حكايات مفبركة عن ذلك، وكل ملتحٍ إرهابي وكل منتقبة إرهابية وهكذا.

هو استخدام الاقتباسات اللفظية، سواء كان كاملاً أو مقتطعاً أو سواء كان في محله أو غير محله بهدف تعضيد / نقد فكرة أو هدف أو حدث أو شخص معين، ويعتمد هذا على سمعة ومصداقية المنقول عنه للتدليل على قوة الاقتباس وصلاحيته للموقف.

هو إسقاط صفات إيجابية أو سلبية على فرد أو مجموعة أو قيمة معينة، ويهدف إلى استثارة الرأي العام تجاهه سلباً أو إيجاباً، مثل القول بأن السيسي تربى تربية عسكرية فيها انضباط والتزام، أما مرسي فتربى على العمل السري وأكل الفتة والتهليب والشحاذة!

يستخدم هذا الأسلوب عند عدم الرغبة في التصريح بالسبب خوفاً من فقدانه مصداقيته إذا ذكر بصراحة في هذه الحالة يفترض وجود هذا المبدأ / السبب بشكل غير مباشر أو ضمني في الرسالة.

* ألفاظ الفضيلة / الوعظ:

استخدام ألفاظ ذات مضمون إيجابي في منظومة القيم الخاصة بالجمهور عند الرغبة في نشر صورة إيجابية عن فكرة ما، مثل إسباغ الفضيلة على كل من أيَّدوا الانقلاب.

* تسمية الأشياء بغير مسمياتها:

بما أن وسائل الإعلام تمسك اليوم بزمام الرأي العام وتعمل على توجيهه وصياغته على النحو الذي تريد، فإن ذلك يستتبع بالبداهة تحكمها في المفاهيم والمصطلحات التي تتداولها وتسعى لتدويلها بين الناس؛ إذ تتجنب غالباً التعرض المباشر للقضايا التي ترغب في تحويرها أو تغييرها، وإنما تعمل على إعادة صياغتها بلغة جديدة تتناسب مع سياساتها وبثها بين الناس الذين يتقبلونها لا شعورياً على المدى الطويل، فالبلطجية الذين تستخدمهم الشرطة لقتل المتظاهرين هم مواطنون شرفاء، والمظاهرات الشعبية هى مظاهرات مسلحة، وأي رأي مخالف لما تنادي به هو رأي إرهابي وهكذا.

* الاعتماد على الأرقام والإحصائيات ونتائج الاستفتاء:

وهذا الأسلوب يضفي الكثير من المصداقية على الخبر المراد ترويجه؛ إذ تعمد وسائل الإعلام.. ولكي تقوم الآلة الدعائية للانقلاب باستخدام هذا التكنيك راحت تدعي وجود مؤسسات أصدرت إحصاءات ما، حيث نسبت إلى شركة جوجل العملاقة إصدارها بياناً يفيد بأن من تظاهروا في ميدان التحرير 33 مليوناً وراح إعلاميوها يروجون تلك الكذبة بلا ملل حتى راحت جوجل تكذب ما نسب إليها، علماً بأن ميدان التحرير لا يتسع إلا لنحو 800 ألف شخص فقط بكل الشوارع المحيطة به بحسب مقاييس جوجل إيرث، فضلاً عن أن سكان القاهرة الكبرى الممتدة من مدينة أكتوبر إلى بدر ومايو إلى الخانكة والقناطر لا يزيد عددهم عن 15 مليون نسمة.

* عدم التعرض للأفكار السائدة :

يؤكد الباحثون في مجال الدعاية ضرورة تجنب الصدام مع المتلقي؛ حيث فشلت الكثير من المحاولات السابقة في فرض بعض التوجهات والآراء على الرأي العام عنوة، المدهش أن هذا التكنيك تم تجاهله كلية لأن تطبيقه يعني تجاهل كل التكنيكات السابقة، وعلى النقيض عمدت الدعاية العسكرية لفرض وجهة نظرها فيما حدث بالقوة، وهذا ما سبب رفضاً ظاهراً ومكبوتاً واسعاً لها.

* التظاهر بمنح فرص الحوار والتعبير عن الرأي لجميع الاتجاهات:

مع أن الحرية الفكرية أمر محمود ومطلوب في كل المجتمعات، إلا أن هذه الدعوى قد تبدو كلمة حق أريد بها باطل؛ حيث يمنح أصحاب الآراء والتوجهات الشاذة فرصة الظهور على مسرح الأحداث وكأنهم أصحاب تيار حقيقي كامل، يملك الحق في الوجود والتعايش مع الآخرين، وهذا النمط شاهدناه في دعاة الإلحاد والبلاك بلوك والاحتفاء بهم للتجهيز للانقلاب مع كسب تعاطف المتلقي عبر تقديم هذه التوجهات العنفية الغريبة في صورة عاطفية تداعب الأحاسيس، بدلاً من طرحها كعمل غير ديمقراطي للتغيير.

* التأكيد بدلاً من المناقشة والبرهنة:

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل