المحتوى الرئيسى

إيزيس عبدالحكيم قاسم: رفض مهاجمة الاسلام في ألمانيا وقال "نحن أصحاب حضارة عريقة"

03/22 19:55

هزيمته فى انتخابات مجلس الشعب عام 1987 ليست سبب موته

كان يحب عبدالناصر رغم اعتقاله 5 سنوات فى سجن الواحات

اشتغل حارساً ليلياً فى برلين من أجل «لقمة العيش»

كان مغامراً.. وصبوراً.. ومات راضياً بما قدمه للأدب

ذات مساء عام 1954 تم ترحيل الشاب -حينذاك- جمال بدوى، الكاتب والباحث ورئيس تحرير صحيفة الوفد فيما بعد من نقطة «بلوكات النظام - سمى بعد ذلك الأمن المركزى - بعد التحقيق معه كمعتقل سياسى، ونقله إلى قسم أول طنطا استعداداً لترحيله إلى السجن الحربى بمنطقة العباسية.

وقبل صعوده سيارة الترحيلات بدقائق، جاء إليه شرطى عابس الوجه قائلاً: «يا جمال.. ابن خالتك جاء ليزورك». أمامكما 5 دقائق فقط.

جمال بدوى يتمتم بينه وبين نفسه: لكن أنا ليس لى خالة أصلاً.. فمن أين جاء ابنها؟ وقبل أن ينتهى من حواره مع نفسه. وجد «الشرطى» أمامه يُدخل عليه شبحاً يبكى بعنف، ويلقى بجسده النحيل عليه. هذا الشبح هو صديقه القديم فى مدرسة طنطا الثانوية. إنه عبدالحكيم قاسم.

ولكن لماذا تطلق لحيتك هكذا يا حكيم؟ يرد وهو يواصل البكاء.. حتى يلقوا القبض علىّ معك! ثم يواصل كلامه: كيف يا صديقى أتركك لهذا المصير المجهول لوحدك؟ تبسم «جمال بدوى» فى وجهه قائلاً: «أنت هو أنت يا حكيم.. مندفع.. وجسور.. ووفى.. وصديق تعرف معنى الصداقة». بعد دقائق يأتى الشرطى صارخاً فيهما: اتفضل يا أفندى.. شفت ابن خالتك.. الزيارة انتهت!

فى عام 1966 ينتهى عبدالحكيم قاسم من دراسة الحقوق فى جامعة الإسكندرية ثم ينتقل للعمل فى القاهرة، بعد هذه السنوات يتذكر صديقاً آخر اسمه «محمد أبوهاشم» كان زميلاً فى المرحلة الجامعية. وكان مريضاً بمرض نادر فى الأمعاء. مات هذا الصديق وعبدالحكيم فى معتقل الواحات. وذات يوم تذكره، فاستقل القطار متجهاً إلى قريته فى محافظة المنوفية. يومها شعر بحنين يجذبه إلى قريته.. إلى بيته.. إلى قبره! قبل القبر ذهب إلى البيت. هناك وجد أمه التى حكت له لحظات الموت وقسوته. قالت له: «كان يسألنى وهو يحتضر قائلاً: «ترى هل يعذبون عبدالحكيم فى الواحات يا أمى؟ إن بقى على قيد الحياة. وخرج من الواحات سيأتى ليزورنى.. خذيه إلى قبرى يا أمى.. إنه سيبكى علىّ طول عمره»! هى تحكى.. وهو يبكى.. حتى أنهكه البكاء. هذه الصور وغيرها تبين تركيبة هذا الإنسان النقى وتكشف عن عمق الوفاء بداخله، وتؤكد ما أكده هو فى رسالة من رسائله التى كان يبعث بها لأحد الأصدقاء ونُشِرت فى كتاب «كتابات نوبة الحراسة» للزميل محمد شعير من أن الموت يطارده منذ الصغر. فقناعته أنه يعيش الموت من يوم إن ولد. وفى الوقت نفسه كان يدرك أن روح المبدع بداخله تحيا ولا تموت.. تحيا من أجل أن يغير العالم بقصصه ورواياته وكتاباته وأفكاره. كان يعمل من أجل إيجاد نظام اجتماعى وسياسى فى مصر يتيح للفرد أكبر توظيف ممكن لكفاءته وقدراته. فهل الكتابة تكفى لذلك؟ لا! لابد من السياسة.. إذن أخوض تجربة جديدة.. أبحث فيها عن طريق جديد، وليس أمامى الآن إلا أن أترشح عضواً فى مجلس الشعب، وقد كان له ما أراد.

فى عام 1987 قرر خوض انتخابات مجلس الشعب بعد عودته بسنوات من ألمانيا، انضم لحزب التجمع معتقداً أنه -كحزب- هو «أرض الحقيقة» للتغيير. ذهب إلى المقر فى 1 ش كريم الدولة بوسط القاهرة. صعد إليه، بعد دقائق وجد الصدمة.

الصدمة كانت مما رآه «رأيت قذارة وقبحاً، وعناكب، وتمثال يعلوه التراب لعبدالناصر وشباباً يشربون الشاى فى بلادة»، بعد دقائق التقى الدكتور رفعت السعيد أحد قيادات الحزب، ليناقش معه فكرة الانضمام لهم. الدكتور مشغول، متوتر، يزعق هنا، ويصرخ هناك، ويهدأ هنا، ويضحك هناك، كل ذلك وهو لا يعرف لماذا يفعل هذا؟ ولماذا يفعل ذاك؟ أريد منك أن تلخص قولك.. ليس لدى وقت كافٍ لسماعك؟ كان هذا ما لدى د. رفعت السعيد. أما ما كان لديه هو فكتب عنه يقول: «شعرت بالاستياء والغضب، فقررت الانسحاب». فأرض الحقيقة التى تمناها -فيما يبدو- وجدها أرض الوهم، لكن هل هذا يجعله يتراجع عن خوض غمار التجربة؟ بالعكس ازداد إصراراً.. وذات صباح اتصل به رئيس حزب التجمع فى الغربية يطلب منه أن يترشح على قوائم الحزب فى المرتبة الثانية، وبالطبع يرفض، فإما على رأس القائمة وإلا لا. ويتدخل صبرى عبدالله وفؤاد مرسى وخالد محيى الدين القيادات التاريخية للحزب ليكون على رأس القائمة.. لكن مرة أخرى يطل د. رفعت السعيد برأسه ويعلنها له صريحة.. إما فى المرتبة الثانية فى القائمة وتقبل هذا الوضع وإما تنسحب! وبروحه الجسورة، المندفعة المغامرة الرافضة لنظرية الأمر الواقع قَبِل التحدى.. ولم ينسحب.. ويا ليته انسحب!

خاض المعركة داخل الحزب وخارجه. الأديب يواجه السياسى، الحلم يواجه الواقع، الجمال يواجه القبح، الصدق يواجه الكذب، البراءة تواجه النفاق.. وفى النهاية ينتصر الكذب والقبح والنفاق. والواقع يقول إنه انهزم فى تلك المعركة. سقط الفنان من فوق جواد إبداعه. النتيجة أعلنت. سقوط مروع له.

التجربة مؤلمة وقاسية. الفنان بداخله لم يتحمل التداعيات، القلب تألم، والعقل توقف، والجسد أنهكه التعب، فأصيب بجلطة. والجلطة تحولت إلى شلل دائم. وما أقسى تلك الأيام التى تمر على روح مبدعة عاشت من أجل الكتابة من أن تفقد هذه الروح متعة الكتابة. لم يعد يستطيع أن يمسك القلم الذى عاش من أجله. والكتابة التى كانت متعته فى الحياة، فقدها هى الأخرى للأبد، فالشلل أصاب جانبه الأيمن كله. ومن هنا كان الموت الحقيقى له، خاصة عندما نقرأ له وهو يكتب عن الكتابة «أنا أستمتع بالكتابة، وأتذوق الكلمة.. وحينما أكتب أنتشى. ولا أستقر على مكتبى أبداً. أتمشى وأهتف بالكلمات وأرقص». الآن لن يتذوق.. الآن لن ينتشى. الآن لن يرقص. الآن عبدالحكيم قاسم.. مات.

اتصلت بابنته «إيزيس» واتفقنا على اللقاء وهى التى سافرت إليه طفلة عمرها سنوات لتعيش معه فى غربته بألمانيا وعادت من هناك على أبواب الشباب. تعيش فى حى المعادى الهادئ. وصلت فى الموعد. التقينا فى شارع 15.. ترجلنا فيه حتى وصلنا إلى ميدان يسمى مصطفى كامل.. بالقرب منه يوجد «كافيه» جلسنا فيه وبدأنا الحوار. قلت لها ما الذى لا نعرفه عن الكاتب المبهر الراحل عبدالحكيم قاسم أبيك.. من الناحية الإنسانية؟ ردت وعلى وجهها ابتسامة خجولة. والكلمات تخرج منها بصعوبة، لكنها تطاوعها إلى حد ما. أعتقد أنه كان كتاباً مفتوحاً لكل من كان يعرفه حتى فى فترة سفره واغترابه عن مصر سنة 1974 إلى ألمانيا الغربية قبل الدمج ما بين ألمانيا الشرقية والغربية، كان يراسل أصدقاءه من هناك ونشرت هذه الرسائل، ومنها تستطيع أن تعرف ويعرف الوسط الثقافى والأجيال الجديدة من هو عبدالحكيم قاسم. قلت لها نعم هذا من الوارد حدوثه على المستوى الثقافى، لكنى هنا أبحث عن الجانب الإنسانى.. عنه كأب فى المقام الأول. سكتت قليلاً وكأنها تحاول أن تتذكر أيام كانت معه فى برلين، ثم فى القاهرة وبعد فترة الصمت قالت: تزوج أبى أمى زينب التى رحلت بعده بـ5 سنوات، وأظنه كان زواجاً تقليدياً، فهى قريبة له من العائلة، وكان هو قد هدأ قليلاً ويبحث عن الاستقرار، حتى ولو كان استقراراً شكلياً. وبعد الزواج بسنوات قليلة جاءت له البعثة إلى ألمانيا بغرض الدراسة والحصول علي الدكتوراة فى أدب الستينيات. سافر وحده، وظلت أمى وأنا وشقيقى الأصغر «أمير» معها، وعندما كان عمرى ثلاث سنوات ونصف سافرنا إليه. السنوات الأولى لى هناك لم أكن أدرك جيداً الأمور، لكن بعد السنوات العشر الأولى بدأت أفهم ما حولى وأركز بعض الشىء معه. وأعرف حجم أبى الأدبى. وأراه وهو يجلس فى حجرة فى الشقة خاصة به يقرأ ويذاكر فيها ويكتب ويعيش عالمه لوحده.

ولد عبدالحكيم قاسم عام 1935. الأوراق الرسمية تقول إن ميلاده جاء فى 1 يناير 1935، لكن هو نفسه يعتقد أنه ولد قبل هذا التاريخ وبالتحديد فى 5 نوفمبر 1934. وسبب هذا الفارق الزمنى كشف هو عنه عندما سأل والدته، فقالت له: إن عامل التليفون فى قرية والده «البندرة» مركز «السنطة» محافظة الغربية أرجأ قيد الاسم إلى أول العام. وهذا العامل اسمه «موسى الصبرى»، وعندما سأل عبدالحكيم والدته عن السر فى ذلك. قالت: إن عامل التليفون أرجأ قيد الاسم إلى أول العام حتى يكون تجنيدك فى الجيش مع بداية العام الجديد وليس مع مواليد العام الذى قبله. التحق بمدرسة الأقباط الابتدائية. وفى 1949 درس فى مدرسة الناصر الثانوية فى طنطا. فى عام 1954 ترك قريته وأقام فى القاهرة بعد إصابته بالملاريا وسكن فى غرفة على سطح إحدى عمارات شبرا. وعمل فى مكتب محامى وبعده فى محل حلوانى. عام 1955 التحق بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، عام 1956 تطوع فى الجيش دفاعاً عن الإسكندرية بعد العدوان الثلاثى. «العصا الصغيرة» هى أول قصة كتبها عام 1957.. بعد رحيل أبيه تدهورت أحواله المادية وترك الدراسة الجامعية، والتحق بالعمل فى هيئة البريد بميدان العتبة بوسط القاهرة.

فى 26 ديسمبر عام 1959 ألقى القبض عليه بتهمة الانتماء للحزب الشيوعى المصرى، حكم عليه مجلس عسكرى بالسجن خمس سنوات، قضاها فى سجن الواحات. عام 1966 حصل على ليسانس الحقوق، ثم عمل فى التأمين والمعاشات ثم رحل إلى ألمانيا. من أعماله الإبداعية 1969 روايته الأولى «أيام الإنسان السبعة»، 1977 روايته الثانية «المهدى»، ثم «محاولة للخروج» و«قدر الغرف المقبضة» و«طرف من خبر الآخرة» و«الأخت لأب» و«سطور فى دفتر الأحوال»، هذا بخلاف المجموعات القصصية «الأشواق والأسى» و«الهجرة إلى غير المألوف». و«الظنون والرؤى»، وبعد رحيله صدر له «الديوان الأخير» الذى ضم 17 قصة قصيرة وعدة فصول من رواية لم تكتمل بعنوان «كفر سيدى سليم».

عدت من عالمه الإبداعى وغربته وسجنه إلى ابنته التى أجلس إليها منذ ساعة تقريباً نتحدث عن أبيها. جاء عامل الكافيه للمرة الثانية يسأل. قلت له فى المرة الأولى شربت شاى بالنعناع.. ممكن هذه المرة قهوة زيادة. جاء طلبى بعدما أشارت له «إيزيس» أنها تكتفى بفنجان الشاى الأخضر الذى شربته قبل قليل. قلت لها: ألم تضجر الزوجة من زوج يعيش حياة الفنان فى بلد غير بلده وعالم غير عالمه؟ قالت: أعتقد أن والدتى كانت تعرف منذ البداية أنها زوجة لرجل غير عادى، فهو أديب ومثقف وباحث. ومعتقل سياسى سابق، كل ذلك أعطاها مناعة قوية ضد عواصف الزمن التى كانت تهاجم بيتهما فى الغربة. قلت لها من حيث المبدأ.. لماذا ترك القاهرة وسافر إلى ألمانيا؟ هو قال عن ذلك إنه ظل لفترات طويلة يسأل نفسه هذا السؤال؟ وكانت إجابته: أنه لو عاد به الزمان إلى الوراء مرة أخرى حتى يوم شم النسيم عام 1973 يوم أن وجهت له دعوة ليأتى من الإسكندرية للقاهرة لمقابلة «تسلر» استعداداً للسفر. لو عاد الزمن فهو لن يرفض هذه الدعوة، رغم كل ما رآه من ظروف صعبة وقاسية فى رحلة فى بلاد الغربة. ولكن لماذا وجهت له هذه الدعوة لزيارة ألمانيا فى ذلك الوقت؟ كان السبب المعلن له وقتها أن الأكاديمية الإنجيلية ومعهد الدراسات الإسلامية ببرلين راغبان فى مشاركته فى ندوة أدبية، ثم بعدها قرر أن يكون سفره من أجل النجاح والتميز. وأن ينتقل إلى وضع اجتماعى أفضل. سافر من أجل البحث عن «لقاء الحضارة الأوروبية على أرضها ومعايشتها، بالحواس وليس بالقراءة فقط. سافر من أجل البحث عن «الانتماء الذى يخلص القلب من عبودية الأماكن»، ثم بدأ هناك مرحلة العلم والتعلم حتى وهو فى سن متقدمة. قرر وقتها دراسة الأدب المصرى بعيون جديدة.. فسجل رسالة «الأدب المصرى تحت حكم عبدالناصر».. دراسة شاملة لأدباء الستينيات، وتقدم بها لمعهد الدراسات الإسلامية فى برلين الغربية تحت إشراف البروفيسور فريتس. وحقق فى الرسالة نجاحات طيبة، لكنه لم ينجز رسالة الدكتوراة.. فما هى الأسباب التى أعاقته عن ذلك؟ لم يستكملها لأسباب وضحها هو فى أحد حواراته عندما قال: «العمل الأكاديمى عمل يستغرق الحياة كلها، ويتطلب جهد الإنسان كله، وكذلك يفعل الفن. قلت وبالتأكيد هو وجد صعوبة فى التوفيق بين الاثنين؟

قالت: نعم.. التوفيق بينهما فى حياة واحدة، لإنسان واحد، شىء بالغ التعقيد. وكانت هذه هى مشكلته طول أيامه فى ألمانيا. كانت أمى تسأله.. متى تنتهى من الدكتوراة.. فيرد: كلما أمضى شوطاً فيها، يستوقفنى حبى للفن، فأعود للكتابة وأترك الدراسة.

ذات يوم كتب لأحد الأصدقاء من ألمانيا رسالة قال له فيها: «يكاد يخنقنى الضحك حينما أتذكر «الوهم» الذى ركبنى فى القاهرة، إنهم دعونى لبرلين، لأننى كاتب مهم، الأمر يا سيدى أن شخصاً هناك يدعى «ناجى نجيب» قرأ روايتى وأسرع إلى «تسلر» يقول له هذا كتاب يهاجم الإسلام ويسمى المتدينين بهائم، فقال له تسلر «لندعه إلى برلين». ومن هنا جاءت دعوته للسفر، لكنه استسلم لهذا الكمين الذى ينصب أحياناً كرهاً فى الإسلام على اعتبار أنه صورة همجية يدوية جاهلة جاءت من الجزيرة وأضاعت الثقافات الأخرى. بالطبع لا.. تقول إيزيس عن ذلك ونحن نجلس معاً على كافيه بالمعادى. بدأ خلافه مع «تسلر» ومن حوله من المصريين والألمان من أول يوم وصل فيه إلى ألمانيا. قال له: إن روايتى -أيام الإنسان السبعة- هى دفاع عن الدين وليست ضده. قال له «تسلر»: إن أوروبا أقوى؟ رد: بل إن مصر أقوى وثقافتنا قديمة ومتماسكة وقادرة. ومن هنا بدأت الحروب الصغيرة ضده من المصريين والألمان معاً، لكن كان أبى فلاحاً أصيلاً.. واجه كل ذلك بقوة. رفض أن يعادى دينه ويهاجمه من أجل عيون الغرب. رفض أن يهاجم عبدالناصر مع أنه عاش العذاب فى سجونه، ورد عليهم قائلاً: «أنا لست ضد عبدالناصر، إن عبدالناصر هو انتصار الدولة فى عصرها الحديث».

أبى كان عنيداً وقوياً ولديه قدرات شديدة على التحمل. تضحك إيزيس وهى تقول: «أبى -كما قال عن نفسه- تربي على الفرن.. فى الغرف المعتمة. وأكل اللقمة الحاف. وسبح فى الترع الأسنة»، فمن بعد ذلك يستطيع أن يغير أفكاره أو انتماءاته أو حبه للوطن. قلت هل كان راضياً بما أنجزه على مستوى الكتابة؟ قالت: نعم.. كان يقول ما أنجزته ككاتب وكإنسان ربما يكون قليلاً إلى حد ما. لكن فى نهاية الرحلة أنا راضٍ. كان يقول وهو مفعم بالرضا والهدوء مع النفس ومع الآخر فى أيامه الأخيرة أنا اجتهدت فى حدود جهدى.. وهذه الإمكانيات التى منحنى إياه الله.. وعلى قدر هذه الإمكانيات اجتهدت. كان يقول بصدق ورضا: أعرف أننى لست نجماً فى سماء الكتابة المصرية، لكن فى الوقت نفسه أنا كاتب موجود فى زاوية ما فى ضمير القارئ المصرى والعربى. قلت لها: هل بالفعل عمل حارساً ليلياً عندما وصل إلى أوروبا؟ قالت: هناك بعض الأفكار الخاطئة عن أبى، منها مثلاً أنه عمل حارساً ليلياً منذ وصوله.. وهذا غير صحيح.. نعم هو عمل كحارس ليلى فترة من سنوات الغربة حتى يستطيع أن يواجه متطلبات الحياة المادية. ولكن كانت هذه الفترة بعد سنوات من وصوله إلى برلين، فى السنوات الأولى كان اهتمامه بالثقافة والتعلم والرسالة والسينما والمهرجانات والأوبرا. وأظن أن متابعة هذه الفعاليات لا يكون إلا ليلاً.. أليس كذلك؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل