المحتوى الرئيسى

أحمد صلاح يكتب: كيف خُدِع الإيرانيون! | ساسة بوست

03/22 09:16

منذ 2 دقيقتين، 22 مارس,2017

لكل دولة سياستان؛ إحداهما معلَنة والأخرى مطمورة تحت ركام الابتسامات الودودة، والمصافحات أمام كاميرات الفضائيات. للساسة في الغرف المغلقة أحاديث أكثر براجماتية، تدور نتائجها حول مفردات (المصلحة)، و(سيب وأنا أسيب)، وربما التهديد المباشر وتبادل الاتهامات. لكنها دائمًا ما تنتهي باتفاق، اتفاق حقيقي أقصدُ، وليس من نوع (جنيف 1 و2 و3) و(آستانة 1 و2… إلخ) حتى نهاية الأعداد!

هنا تتصدر إيران بوصفها بطلة السياسات المخفية والمطمورة، تقف لاعبًا محترفًا يتسنَّم مبادئ المداورة، واللعب على جميع الحبال، والإمساك بتلابيب الموقف (أي موقف)، والوصول إلى الغايات بصرف النظر عما يجري تصديره لشعبها من تمسُّك بمبادئ الثورة، والسعي إلى إعلاء كلمة الدين!

نظام راوَغ كثيرًا، ويراوِغ، وسيراوِغ، كأن الخداع صُنِعَ لها. خلق أساطير و(تابوهات) محرَّمة، لخداع أهلِه، قبل خداع ملايين البشر حول العالم، محاوِلًا تصدير ثورة شوَّهتها طهران الخميني بإفراطها في المادِّيَّة واستمرائها الكذب على مواطنيها، سلسلة من (خفَّة اليد) ليس أولها علاقاتٍ خفيةً مع إسرائيل، وابتلاعَها بلاد التركمان، وتدخُّلَها السافر في الشأن المحلي للدول المجاورة، مما حدا بدولة مثل أذربيجان بأن تصرخ: دعونا وشأننا! ولن يكون آخرُها احتضانَ تنظيم القاعدة ومحاولات اغتيال السفراء، وصناعة النووي تهديدًا للخليج (وليس كما يتصور البعض أمريكا)!

هلال تسعى طهران لإكماله قمرًا يحيط بدول الجوار، فهي في اليمن حوثيَّة، وفي سوريا شيعيَّة، وفي لبنان ممانعة، وفي العراق نظام حكم. حلقات متصلة تحتاج إلى أكثر من مقال واحد للإلمام بها، وكما نكتب دومًا: (يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق).

نتناول هنا الحلقة الأولى من مسلسل خداع إيراني لمواطني الداخل ربما تلخِّصُه شخصية (نابليون)، الخنزير الدموي في الرواية العبقرية (مزرعة الحيوان) لجورج أورويل، حيث قام بوضع اللوائح التي تنظِّم العمل وتضمن الحقوق لجميع الحيوانات، ومن ضمنها منع التعامل مع البشر، أو شرب الخمر، أو الشراء بالنقود، لتنتهي القصة بشربه هو للخمر، وتعامله مع البشر، وشرائه بالنقود. هذا مقال حول الفرق بين عصرَي رضا بهلوي، وآيات الله المتتالية!

في يوم السادس عشر من يناير عام 1979، غادر الشاه رضا بهلوي إلى منفاه، وترك مهامَّه إلى مجلس الوصاية (المجلس الملکي) الذي انهار بعد أقل من شهر (11 فبراير)، وتسنَّم (الثوار) سدّة الحكم، بقيادة آية الله الخميني الذي عاد إلى إيران بعد 14 عامًا في المنفى، وسط ترحيب وحبور.

كان مسوِّغ القيام بالثورة على الشاه، الذي أجَّج مظاهرات أكتوبر 1977، هو سياسة التغريب التي تبناها الأخير، وقمع المعارضة، والفشل في الإصلاح الاقتصاي، بالإضافة إلى تهميش ذوي الكفاءة. في الأسطر التالية نعرض حقيقة هذه الاتهامات وواقعها في إيران الخميني بعد إيران الشاه:

الاتهام الأول: سياسة التغريب القوية

– ها هنا لا يمكننا أن نفتَئِت على الحقيقة التاريخية التي تشي بكيف كانت أواصر الودِّ بين الشاه وأمريكا ممتدة متينة، وكان الرئيس المصري الأسبق أنور السادات يتندَّر بأن (شاه إيران) كان لردح من الزمان الوسيط بين ما يريد العرب أن يقولوه، وما تنوي إسرائيل أن تفعله. لقد استطاعت الحملة الخمينية أن تنال من شاه إيران بوصفه عدوًّا لقضية العرب – المسلمين الأولى (فلسطين)، ولم يستطع الشاه (على ما كان بين يديه) أن يزيح عنه هذه التهمة التي أجَّجت الشارع ضده، وأسهمت في زحزحة بساط التأييد الشعبي من تحت قدميه، فكان سقوطه أسهل مما يمكن.

* بعد قيام الثورة الإسلامية قام الشيخ صادق طبطبائي (نعم، نائب رئيس وزراء إيران ساعتها)، بمحاولة فاشلة لتهريب نحو مائة كيلوجرام من الهيروين، حيث قُبض عليه في برلين، في يناير 1983.

سأكمل: من حظه التعِس أنْ فَتَّشَت الداخلية الألمانية متعلقاتِه، ففوجئوا بختمٍ لدخولِ إسرائيل (نعم، الكيان الصهيوني)، مرقومٍ بتاريخ السادس من ديسمبر عام 1980، أي في أوجِ نجاح الثورة الإيرانية، ويوم كان نائبًا لرئيس الوزراء الإيراني!

أزيدكم من الشعر بيتًا: في الثامن عشر من يوليو، أسقط الجيش السوفييتي طائرة أرجنتينية تابعة لشركة أروريو بلنتس، وكانت محمَّلة بأسلحة وقطع غيار، آتية من تل أبيب، بعد رحلتين موفقتين سابقتين، من طهران إلى تل أبيب والعكس، فانكشفت فضيحة التعاون الإسرائيلي الإيراني المسماة (إيران جيت). أعقب ذلك اعتراف أبو الحسن بني صدر (الرئيس الإيراني الأسبق) ومناحيم بيجن (رئيس الوزراء الإسرائيلي السادس) بوجود علاقة عسكرية، وتعاون بين البلدين، لإضعاف العراق! علاقة كان يحرص على إخفائها (البلدان)، وفضَحَها الإعلام، وفضح معها ثلاث عشرة وثيقة لطلبِ النفط أو تقارير أسلحة أو تحديد موعد اجتماع!

حدِّثْنِي أكثرَ عن المقاومة، والشيطان الأكبر، ومحو إسرائيل!

* كان أكثر ما وتَّر موقف الشاه الإيراني المخلوع هو ما وصفه الثائرون بقمع المعارضة، والتركيز على مجاهدي خلق، وباقي أطياف المعارضة اليسارية، وتركيز الدولة على القبض على مخالفيها وإيداعهم سجون السافاك الإيراني (الاستخبارات الإيرانية السابقة ذات السمعة السيئة) مع تغافُلٍ شبه تامٍّ للتيارات الشيعية التي استولت على المساجد واستطاعت جمع صفوفها للانقضاض عليه في مرحلة لاحقة.

– لقد عانت منظمة مجاهدي خلق المعارِضَة للنظام الأمرَّين، لا سيما بعد كشفها في 2002 المشروع النووي الإيراني (ما زالت إيران تُصِرُّ أنه للأغراض السلمية رغم توقيعها اتفاقية بتعليق النشاطات النووية المحظورة)، ونُكل بهم وحُبس الآلاف، أما معارضو الداخل، فرغم ما يفرضه عليهم الحرس الثوري من قبضة حديدية، استطاع أتباع الحركة الخضراء الإيرانية النفاذ إلى الساحة، وفي 2009 انتفض الشارع الإيراني ضد انتخاب محمود أحمدي نجاد، حتى نجح الحرس الثوري في إعادة فرض سيطرته عبر إلقائهم في غياهب السجون أو التخلص من بعضهم.

ويوميًّا نسمع بيانات لثوار الأحواز، والحركة الخضراء، تؤكد أن النضال مستمر. وفي مطلع هذا العام، تحولت جنازة رفسنجاني (الرئيس الإيراني الأسبق)، إلى مظاهرة شارك فيها 2.5 مليون إيراني يحملون شعارات الحركة الخضراء، بحسب تقرير لـ(وول ستريت جورنال).

الاتهام الثالث: فشل الإصلاح السياسي

* كان لفشل شاه إيران في الإصلاح الاقتصادي، وانتشار الأسواق السوداء، وارتفاع التضخم إلى حدٍّ لا يطاق، وإثقال كاهل المواطنين، لا سيما بعد فشل برنامجه للإصلاح الذي أُطلق في عام 1974، دور كبير في إسقاط نظام رضا بهلوي، فالثورة تقوم دائمًا على عوامل اقتصادية، وانظر إلى هتاف (عيش، حرية، عدالة إنسانية) لتعرف أن الوجدان الجمعي قدَّم العيش على الحرية والعدالة معًا.

– ورغم أن إيران الآن تمثل ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، فإن معدل التنمية لا يتجاوز النصف في المائة، لا سيما عقب فرض سلال العقوبات المتتابعة من أمريكا والغرب.

لقد ارتفع المعدل الرسمي للبطالة من 10.6 في المائة عام 2014 إلى 12.7 في المائة خلال العام الحالي، في حين بلغت نسبة البطالة بين الشباب (15 إلى 29 عامًا) 27 في المائة ورغم انخراط الفتيات في أعمال شاقَّة بإيران، فإنهنَّ الأكثر إحساسًا بالفقر على الإطلاق. ونظير قيام إيران بتطوير التكنولوجيا النووية، محاوِلَةً إنتاج قنبلة، يعيش نحو نصف السكان تحت خط الفقر العالمي (تبعًا لآخر إحصائية تعتمدها إيران وكانت ترفض أن تقيس بعدها معدل الفقر، وكان قد وصل في 2005 إلى نحو 23 في المائة)، مع وجود فروق شاسعة بين طبقات المجتمع الإيراني؛ بين من يسكنون كهوفًا وحفرًا في الأرض، ومن يقيمون في القصور. وفي حين وصلت العملة الإيرانية إلى 4 آلاف تومان إيرانية، فإنها ارتفعت في بعض الأحيان بالسوق السوداء إلى أضعاف ذلك (التومان = 10 ريالات إيرانية، والريال الإيراني = 100 دينار).

الاتهام الرابع: تهميش أهل الخبرة

· كان من أهم ما نعى عليه الثوار الإيرانيون هو تهميش ذوي الكفاءات، والامتناع عن بروز أي منافس ذي كفاءة، ما دام معارضًا.

– ومجرد النظر إلى واقع الأحواز (المنطقة العربية تاريخيًّا المحتلَّة إيرانيًّا من بعد عام 1920) والبلوش (قومية إيرانية مضطهدة)، والسنّة في إيران، يشي بالواقع المأزوم، تشهد على ذلك الإعدامات بالجملة، والاعتقالات دون سند قانوني، والمطاردة والتهجير.

لقد وُجِّهت أحكام الإعدام لعلماء فيزيائيين، ودعاة وشيوخ من أهل السنّة، بل إن الحكم تجاوز المعارضين إلى نساء قاومن محاولة اغتصابهن من قبل ضباط في الاستخبارات (ريحانة جباري ضد مرتضى سيرباندي).

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل