المحتوى الرئيسى

من بينها Lloyds وBarclays وHSBC.. كيف تعاملت البنوك البريطانية مع المبالغ الضخمة من الأموال الروسية المغسولة؟

03/21 20:26

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن البنوك البريطانية العامة المنتشرة في كل شوارع المملكة المتحدة، حوّلت ما يقرب من 740 مليون دولار من عملية غسل أموال واسعة النطاق يديرها مجرمون روسيون، لهم روابط مع الحكومة الروسية، ولجنة أمن الدولة التابعة للمخابرات السوفييتية KGB.

ويعتبر بنك HSBC، والبنك الملكي في اسكتلندا، وLloyds، وBarclays وCoutts ضمن قائمة تشمل 17 بنكاً مقرها المملكة المتحدة، أو لديها فروع فيها، وهي القائمة التي تواجه تساؤلات حول المعلومات التي يعرفونها بخصوص المُخطط الدولي، والسبب الذي لم يجعلهم يتخذون قراراً بوقف التحويلات المالية المشبوهة.

وتُظْهِر الوثائق التي اطلعت عليها صحيفة الغارديان، أنه يبدو كأن هناك ما لا يقل عن 20 مليار دولار، نُقِلَت خارج روسيا خلال فترة 4 أعوام ما بين عامي 2010 و2014. وقد يصل الرقم الحقيقي إلى 80 مليار دولار، بحسب ما يعتقده المُحققون.

وقال أحد كبار الشخصيات المُشاركة في التحقيق: "من الواضح أن الأموال الروسية أموال مسروقة، أو يرجع أصلها لعملية إجرامية".

ولا يزال المُحققون يحاولون التَعَرُّف على بعض الشخصيات الروسية الثرية والمؤثرين سياسياً، الواقفين خلف العملية المعروفة باسم "غسل الأموال العالمي -the Global Laundromat".

ويُقدر عدد الشخصيات المُشاركة في العملية، بما يقرب من 500 شخص، بما في ذلك القلة الروسية والمصرفيون بموسكو، والشخصيات التي تعمل، أو لها صلة بخدمة الأمن الاتحادية لروسيا الاتحادية FSB، ووكالة التجسس السابقة التابعة لـKGB.

وكان إيغور بوتين، ابن عم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عضواً بأحد بنوك موسكو التي تمتلك حسابات متورطة في عملية الاحتيال والتزوير.

ولعبت الشركات المُسجلة ببريطانيا دوراً بارزاً في تلك الشبكة واسعة النطاق لغسل الأموال. إلا أن المالكين الحقيقيين لمعظم الشركات المتورطة في المُخطط، لا يزالون يحتفظون بالسرية؛ بسبب خاصية استخدام اسم مُستعار وإخفاء الهوية الحقيقية، التي توفرها قوانين الـ"أوف شور" المثيرة للجدل والتي توفر مزيداً من الخصوصية لأصحابها.

وحصل كل من مشروع الصحافة المتخصصة في الاستقصاء عن الفساد والجريمة المُنظمة OCCRP وصحيفة نوفايا جازيتا، على السجلات المصرفية العالمية من بعض المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها. وشاركت OCCRP تلك البيانات مع صحيفة الغارديان والشركاء من وسائل الإعلام في 32 دولة.

وشملت الوثائق، تفاصيل عما يقرب من 70.000 مُعاملة مصرفية، بما في ذلك 1.920 مُعاملة تمت عبر البنوك البريطانية، و373 مُعاملة تمت من خلال بنوك الولايات المتحدة الأميركية.

ومن المفهوم جيداً، أن تلك البيانات تُشَكِّل جزءاً من الأدلة التي تم جمعها في التحقيق الذي دام 3 أعوام، في مجال غسل الأموال، والذي تقوده الشرطة في لاتفيا ومولدوفا.

كما كشف المحققون عن مؤامرة شملت مليارات الدولارات التي أُرسِلَت من المُشتبه فيهم بروسيا، عبر حسابات في لاتفيا ومولدوفا ببنوك سيئة السمعة مشهورة بتعرُّضها لعمليات احتيال في مجال غسل الأموال.

أما عمليات تَعَقُّب الأثر، فقد قادت المحققين إلى 96 دولة، بالإضافة إلى شبكة من الشركات المملوكة لجهات مجهولة الهوية، ومُعظمهم مُسَجَّل في مصلحة الشركات بلندن. كما تم حل معظم الشركات الأساسية البالغ عددها 21 شركة، الخاضعة للفحص والتدقيق.

وأدى حجم العملية الضخم إلى إدهاش موظفي إنفاذ القانون؛ إذ تُظْهِر السجلات أن البنوك البريطانية، والبنوك الأجنبية التي يوجد لها مكاتب في لندن، قامت بمعاملات وصلت إلى 738.1 مليون دولار، في صفقات يبدو أنها تشتمل على أموال جنائية من موسكو.

وتقول البنوك إن لديها وحدات مُعقدة ومتطورة، تُكَرِّس جهودها لاستئصال الجرائم المالية. لكنهم يقولون إن حجم المدفوعات -التي تصل إلى مليارات كل عام- يجعل ذلك العمل شاقاً للغاية.

وقال أحد المصادر: "إن كنت في الطرف الخلفي، فأنت على الأرجح تلعب إحدى لعبات الخداع والمناورات، في محاولة السيطرة على الأمور".

قام بنك HSBC بتحويل ما يقرب من 545.3 مليون دولار من الأموال المغسولة، والتي تم توجيه مُعظمها عبر فرع البنك في هونغ كونغ. أما البنك الملكي الاسكتلندي المُضطرب -الذي تملكه حكومة المملكة المتحدة بنسبة 71%- فقد تعامل مع ما يقرب من 113.1 مليون دولار. وقبِل بنك Coutts -الذي تتعامل معه الملكة، ويملكه RBS- مدفوعات قيمتها 32.8 مليون دولار عبر مكتبه في زيوريخ، بسويسرا. وبدأ Coutts في تخفيض عملياته السويسرية، كما فُرِضَت عليه غرامة من قِبل ضباط جهاز التنظيم الشهر الماضي؛ بسبب غسل الأموال في قضية مختلفة.

وتشمل البنوك العامة الأخرى المنتشرة في الشوارع البريطانية الراقية والتي ظهرت في بيانات عمليات الغسيل؛ بنك Barclays، وبنك NatWest وبنك Lloyds. كما سمح بنك NatWest -المملوك من قِبل RBS أيضاً- بتمرير ما يقرب من 1.1 مليون دولار.

وقام بنك HSBC بتحويل أكثر من 500 مليون دولار من غسل الأموال المدفوعة نقداً من خلال فروعه البريطانية والأجنبية.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، حوّلت البنوك الكُبرى أكثر من 63.7 مليون دولار. ومن بين تلك البنوك، بنك Citibank (37 مليون دولار) وبنك أميركا (14 مليون دولار).

تواصلت صحيفة الغارديان مع جميع البنوك المذكورة، ولم يطعن أي منهم في صحة تلك البيانات، ولكنهم أصروا جميعاً على وجود سياسات صارمة لديهم، لمكافحة عمليات غسل الأموال.

وكان رد RBS نموذجياً؛ إذ قال "نحن ملتزمون بمكافحة الجرائم المالية وعمليات غسل الأموال، بما يتماشى مع أنظمتنا، كما أن لدينا ضوابط وضمانات لتحديد وتقييم ومراقبة وتخفيف تلك المخاطر". وتَضَمَّن البيان كلاً من Coutts وNatWest.

بينما صرح بنك HSBC قائلاً: "تسلط تلك القضية الضوء على ضرورة زيادة حجم تبادل المعلومات بين القطاعين العام والخاص، والذي يحمل كل منهما معلومات هامة، لا يمتلكها الآخر".

ومع ذلك، فإن المعلومات التي كشفتها صحيفة الغارديان، تثير العديد من الأسئلة المُحرجة للبنوك في المملكة المتحدة. فقد طلبت سلطة السلوك المالي من البنوك "النظر في المخاطر التي يتسبب فيها العملاء، مع مراعاة المخاطر القطرية؛ بما في ذلك سُمعة العميل ومصدر ثرواته وموارده المالية".

وفي العديد من الحالات التي نظرت فيها صحيفة الغارديان، تبيّن أن الأموال اختفت لمصلحة شركات خارجية، لا يزال "أصحابها المستفيدون" مجهولي الهوية، وتبقى مصادر ثرواتها لغزاً لم يتم العثور على حل له. كما اكتشفت OCCRP أن المُلَاك الرسميين للعديد من الشركات كانوا مُديرين مُزيفين أو "مُرشحين" مقيمين في أوكرانيا.

كشفت الغارديان عن تفاصيل التحويلات إلى المحقق المالي الدولي إل بورك فايلز، الذي قال إن عمليات التحقق من امتثال العديد من البنوك الغربية، أظهرت مدى الاستبدادية التي يتعاملون بها، وفي بعض الأحيان يكون الأمر أكثر بقليل من مجرد "اتباع القوانين".

يقول فايلز: "عادة ما يتم التعامل مع قسم الامتثال والتحقيقات باعتباره طفلاً ربيباً غير مرغوب فيه. وينظر مديرو البنوك إلى الامتثال على أنه مجرد مصروفات لا تعود عليهم بأي فائدة. كما أن المتخصصين في مجال الامتثال، يتقاضون أجوراً زهيدة للغاية، وليست لديهم مهارات كافية، ولا يتلقون التدريبات اللازمة للكشف عن الأنماط الإجرامية المختلفة، أو يتلقون بعض التدريبات التي لا تكون فعالة بالقدر الكافي".

وأضاف فايلز: "معظم المُعاملات التي نظرت إليها هنا، كانت تتطلب قدراً كبيراً من العناية الواجبة. فهي ليست مُجرد معاملات فردية؛ بل أنماط متكررة من التحويلات".

صبّت قوات الشرطة بأوروبا الشرقية تركيزها على مجموعة من الشركات البريطانية الوهمية، بما في ذلك شركة سيبون المحدودة، والتي تديرها إحدى الشركات بمجال الإدارة في شارع تولي، بلندن، والذي يقع على مقربة من مكتب عمدة لندن ومجلس المدينة.

قدمت شركة سيبون عام 2013 الحسابات إلى مصلحة الشركات، قائلة إن دخلها 1 جنيه إسترليني فقط. وتم تصفية أعمال الشركة في شهر فبراير/شباط من عام 2016. ووفقاً للتحليلات التي تمت على السجلات، تبين أن شركة سيبون تورطت في عمليات بقيمة 9 مليارات دولار. كما قامت شركة أخرى -استثمار رونيدا، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة، مُسجلة في شارع نيو هال، في برمنغهام- بتعاملات بلغت 6.4 مليار دولار.

ويزعم المدعون العامون في أوروبا الشرقية أن كلتا الشركتين أُقيمت لأغراض الاحتيال والتزوير.

كما توفر السجلات نظرة إلى عادات التسوق الروسية، رغم أن العملاء في الكثير من الحالات، يكونون مجهولي الهوية. ويتنوعون بين من قام بشراء الألماس من متاجر المجوهرات بشارع بوند، أو الشراء من الوسطاء في شمال لندن، أو الثريات من متجر صغير بتشيلسي.

واستُخدم المُخطط ذاته لمصلحة أحد الأثرياء الروس؛ لدفع رسوم التحاق ابنه في Millfield، وهي إحدى المدارس المرموقة في سومرست.

وحدث في كثير من الأحيان، أن كانت المعلومات الموجودة في قسم الملاحظات الخاص بالتحويلات البنكية، مجرد بيانات مُضللة. فعلى سبيل المثال، دُوِّنَت الملاحظات الخاصة بأحد المدفوعات المصرفية التي بلغت قيمتها 500.000 دولار على أنها "دفاتر ملاحظات"، في حين أنها أُنفِقَت على شراء الفراء.

كشفت الشرطة عن المُخطط الذي سمح بتحويل الأموال من الشرق إلى الغرب عقب انطلاق التحقيق عام 2014. في حين أطلقت عليه OCCRP -التي أعلنت القصة للمرة الأولى- اسم "غسل الأموال الروسية - the Russian Laundromat".

وعادة ما تدعي شركتان، تبادُل الأموال بينهما، وإقراض بعضهما بعضاً، بإجمالي المبالغ التي تتعهد المشروعات التجارية الروسية بتمويله، وتتخلف إحدى الشركات بعد ذلك عن "سداد" القرض. ويشهد القُضاة بأن "الدين" جدير بالتصديق، ما يسمح للمشروعات التجارية الروسية بتحويل الأموال النقدية إلى أحد الحسابات البنكية في مولدوفا، ومنها إلى لاتفيا، داخل الاتحاد الأوروبي.

وثبت تورط الحسابات المفتوحة في 19 بنكاً من البنوك الروسية، في ذلك المُخطط. ففي عام 2014، أُعلن أن إحدى المؤسسات المالية هي بنك Russian Land Bank (RZB). وكان إيغور بوتين، أحد أعضاء مجلس إدارة البنك في ذلك الوقت.

ويقول المحققون إن الحسابات المفتوحة في بنك RZB قامت بتحويلات قيمتها نحو 9.7 مليار دولار، لحسابات في بنك Moldindconbank بمولدوفا. وحُوِّلَت النقدية بعد ذلك إلى بنك Trasta Komercbanka في ريغا، عاصمة لاتفيا.

وأُلقي القبض على أليكساندر غريغورييف، مدير بنك RZB في موسكو عام 2015، بعد عام من إغلاق مصرفه؛ بسبب جرائم غسل الأموال.

وعلمت OCCRP من بعض المصادر أن غريغورييف كان على علاقة بوكالة التجسس الروسية الرئيسية السابقة FSB.

ونفى غريغورييف قيامه بأي أفعال مُخالفة، وقال إنه مواطن صالح ومُحترم. ورغم ذلك، لا يزال رهن الاحتجاز، مُتهماً بسرقة بعض الأصول في قضية مُختلفة.

ومن جانبه، رفض إيغور بوتين التعليق على الأمر. وفي رسالته التي كتبها عام 2014، قال: "تثبت تجربتي الخاصة، التي اكتسبتها في السنوات الأخيرة، صحة الفرضية التي تستوجب الإصلاح والتطهير الجذري للنظام المصرفي الروسي، من البنوك المزعجة التي يرأسها أشخاص معروف عنهم السمعة السيئة المشكوك فيها".

أُغلق البنك اللاتفي، Trasta، عام 2016، في خضم الفضيحة. وقالت ماجا تريجا، نائب مدير وزارة المالية بلاتفيا، إن تصريح عمل البنك سُحِب منه؛ بسبب عمليات غسل الأموال. وقالت عن المليارات التي تم تحويلها من روسيا، إنه "من الواضح أن تلك الأموال إما أنها كانت مسروقة، إما لها أصول تابعة لعمليات إجرامية". كما أضافت في تصريحها لمحطة البث الفنلندية YLE، أن مكافحة عمليات غسل الأموال، "قصة لا نهاية لها".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل