المحتوى الرئيسى

النهاية المثيرة لآخر ملوك الأمازيغ الذين أسسوا غرناطة... ترويها مذكراته

03/21 19:16

ملكان من الأندلس، أحدهما أمازيغي والآخر عربي، دخلا في صراع شرس على السلطة، خسرا بسببه كلّ شيء، ونُفِيا معاً إلى مدينة آغمات المغربية، أحدهما راح يكتب الشعر متحسراً، والآخر كتب "مذكراته" وقبل مصيره بزهد وتسليم. فما هي قصة صراعهما المثيرة؟

السِيَر الذاتية هي من أهم الأنواع الأدبية اليوم، فغدا من الطبيعي أن نقرأ مذكرات شخصيات تكتب عن تجربتها الذاتية لجمهور واسع. ولكننا لسنا معتادين على أن نجد أنفسنا أمام نص من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) كتب على يد ملك بعد ضياع ملكه، يحاول فيه أن يبرر موقفه أمام العالم، ومن هنا تأتي فرادة كتاب التبيان للأمير عبد الله آخر ملوك بني زيري بغرناطة.

كتاب التبيان، الذي حرره ونشره الباحث الشهير ليفي بوفنسال تحت عنوان "مذكرات الأمير عبد الله آخر ملوك بني زيري بغرناطة"، هو أقرب ما يكون إلى المذكرات الشخصية، مع أنه في الأصل تأريخ للفترة الزمنية التي حكم فيها الأمازيغ مملكة غرناطة خلال عصر الطوائف بعد سقوط الخلافة الأموية بقرطبة، وعنوانه الأصلي هو "التبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بني زيري في غرناطة".

الأمازيغ من بني زيري هم الذين أسسوا مدينة غرناطة بعد قدومهم من القيروان إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، وكان ذلك في آخر أيام الخلافة الأموية في قرطبة، حيث استحضروا لدعم الجيش الأندلسي تحت قيادة بني عامر في حملاته على ممالك الشمال.

فكانت غرناطة إحدى ممالك الطوائف جنوب الأندلس منذ عام 403 هـ/1013 م، وحكمها بنو زيزي حتى سقوط ملكهم على يد المرابطين عام 483 هـ/1090 م، وفي عهدهم كانت الواقعة الشهيرة بحق كاتب الملك اليهودي يوسف بن اسماعيل ابن نغريلة، ولكن ذلك موضوع لمقالة أخرى.

ولنفهم موقف آخر الملوك الأمازيغ في غرناطة، واسمه الكامل هو أبو محمد عبد الله بن بلقّين بن باديس ابن زيري الصنهاجي، لابد من ذكر عدائه للمعتمد، آخر ملوك بني عباد في إشبيلية، وذلك أن المعتمد حاول دائماً الاستيلاء على غرناطة الأمازيغ وتوحيد الأندلس تحت حكم أسرة أندلسية من أصل عربي، تحافظ على التراث الأندلسي. لم يعلم الملكان المتحاربان أن حكم بني عباد في إشبيلية والأمازيغ في غرناطة سيشهد نهايته على يديهما.

وصلت مرارة التنافس بين الملكين إلى درجة أن المعتمد تحالف مع ألفونسو السادس، ملك ليون وقشتالة، ضد الملك عبد الله، وكان ذلك بمساعدة الشاعر الشهير ابن عمار. ولكن عند سقوط طليطلة على يد ألفونسو السادس عام 478 هـ/1085 م، طلبت ملوك الطوائف العون من المرابطين في المغرب، لإيقاف زخف ألفونسو على الأندلس، وما كان من ذلك في معركة الزلاقة الشهيرة التي انتصرت فيها قوات التحالف بين ممالك الطوائف والمرابطين بقيادة أمير المرابطين يوسف بن تاشفين.

شارك غردكتاب مذكرات نادر من العصور الوسيطة، كتب على يد ملك بعد ضياع ملكه، يحاول فيه أن يبرر موقفه أمام العالم

في هذه الظروف الصعبة، قام الأمير عبد الله بمفاوضة المسيحيين لمنع المرابطين من الاستيلاء على مملكته، ولكنه لم يستطع مع ذلك الصمود أمام قوات يوسف ابن تاشفين، الذي استولى على غرناطة فيما بعد، وقام بخلع الأمير عبد الله ونفيه إلى مدينة آغمات قرب مراكش في المغرب.

أما عن تاريخه الذي كتبه خلال منفاه، "التبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بني زيري في غرناطة"، والذي يقول فيه أنه "بمنزلة الابن الذي يُبْقي ذكر أبيه في العالم، لنُبيّن به عن أنفسنا ما أشكل على الجاهل من مقالة سوء في دولةٍ، زَعَم الحاسدون أنّ منها كان سقوطُنا".

وفيه يردّ الأمير المخلوع على الاعتقاد الذي ساد وقتها بأن الأمير عبد الله بتفضيله المسيحيين على المرابطين، أصبح خائناً لأهل ملته، فكان ذلك سبب زوال ملكه.

في كتابه، يحاول عبد الله أن يشرح قراره حماية حكمه من المرابطين الذين أرادوا الاستيلاء على عرشه، فقد اعتبرهم خطراً على حكمه، بغض النظر عن كونهم عرباً أم أمازيغ أم مسلمين، كما كان تحالفه مع ألفونسو السادس بغرض حماية مملكته بغض النظر عن فارق الدين بينهما. ومع أنه كتب مذكراته تحت رقابة المرابطين الذين خلعوه من منصبه، فإنه عبّر بحرية عن المواقف المؤلمة التي اختبرها وعن قساوة تجربته.

غنى يعجز عن وصفه اللسان

ويذكر ابن الخطيب في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة"، أنه عندما دخل المرابطون غرناطة وجدوا من غنى بني زيري ما يعجز عن وصفه اللسان: "استُقصي ما كان بالقصر فظهر ما يحول الناظر ويُروع الخاطر من الأعلاق والذخيرة والحُلى ونفيس الجَوْهر وأحجار الياقوت وقَصَب الزُّمرد وآنية الذهب والفضة وأطباق البلَّور المُحكم... والعراقيات والثياب الرفيعة والأنماط والكلل والستاير".

وهذا ما يدعم نظرية اضطهاد الشعب في ممالك الطوائف رغم الازدهار الثقافي الذي تميزت به هذه الفترة، لأن الأسر الحاكمة كانت تضغط عليهم بالضرائب بحجة الحرب ضد العدو، بينما يحافظون على أموالهم في قصورهم. ولذلك استبشر معظم الأندلسيين بقدوم المرابطين وتوحيد هذه الممالك رغم كونهم من الأمازيغ أيضاً، مع أن هؤلاء بدورهم أخذوا كنوز ملوكهم كغنائم.

من كل هذه الكنوز، لم يبق مع عبد الله غير خاتمه، الذي يخبرنا بأنه باعه بعشر دينارات، وكان كل ما يملك.

يصعب علينا الحكم على عبد الله بشكل قاطع، خاصة أن الجميع حوله أداروا ظهورهم له، بدلاً من إعانته ومساندته، كما يشرح لنا في كتابه: "كان سلاطين الأندلس أجمع متألبين على فتنتي مع رعيتي، لما يلزمهم من الطاعة للمرابط والطمع، عسى يحصل لأحد مزيدٌ في بلاده، ولا تمكن لأحد منهم معونتي ولا الاستفساد من أجلي".

ويدل هذا الجفاء الذي عاناه الأمير وشعوره بالوحدة على موقف كلٍّ من ملوك الطوائف تجاه الآخر، فرغم استيلاء العدو على الممالك الأخرى بقيوا محافظين على مكانتهم الضعيفة دون النظر إلى مستقبل الرعية والأمة.

وفقدان العصبية، كما قال ابن خلدون في مقدمته لكتاب العبر، هي السبب الأساسي لضياع الملك وانهيار السلم الذي تدعمه الدولة تحت ضغط من يحافظ على هذا الشعور القبلي. فهل تكون سبباً في نهاية ملوك الطوائف؟

في نهاية هذا الكتاب التاريخي، يحدثنا الأمير المخلوع عن نفسه. فيبدأ بطالعه الذي كُتب يوم مولده ويأتي بآرائه في التنجيم والطب والعلوم الطبيعية والجن وكذلك يتحدث عن هموم الهوى والشباب والطموح وزوال خيرات الدنيا.

يقول: "وأجدني في كثرة المال، بعد تملُّكي عليه مع ذهابه، أزهد مني فيه قبل اكتسابه، مع سفوف الحال إذ ذاك على ما هي عليه الآن. وكذلك شأني كله في كل ما أدركته قبل من الأمر والنهي، واكتساب الذخائر، والتأنق في المطاعم والملابس والمراكب والمباني، وما شاكل من الأحوال الرفيعة التي نشأنا عليها".

ثم يشرح للقارئ موقفه من الحياة بعد ضياع كل ذلك، فهو يعتبر أنه عاش أقصى أحلامه في وقت قصير، فقد بلغ كل ما يسعى إليه المرء في هذه الدنيا وخلّد اسمه في التاريخ، وكأنه عاش مئة عام في عشرين ثم مات حياً ليعيش حياةً أخرى.

لا نعرف إن كان هذا من تأثير النظرية المرابطية في الحياة في أول حكمهم، والتي كانت تدعو إلى التقشف والزهد، أم أنه قد اختار الرضى بأمره بدلاً من التحسر على ما كان.

وكم يختلف هذا الموقف عن الذي نجده في شعر المعتمد بن عباد، الذي نفي بدوره إلى نفس المدينة المغربية، ولكنه بقي يتحسر على زمانه وسجنه وقيوده. فهل كانت حال الزيري أفضل من ابن عباد لكونه أصلاً من صنهاجة كالمرابطين؟ أم أنهما يمثلان موقفان مختلفان من مآسي الحياة؟

وأخيراً، يتوجه عبد الله إلى قرائه الراضين المنصفين بينهم والساخطين الحاقدين كذلك، ويدافع عن نفسه مبرراً ما قد يؤخذ عليه من أخطاء حياته.

نجد أنفسنا أمام حاكم اختبر ضياع عزّه في الحياة الدنيا، وهذه تجربة فريدة من نوعها لأنه إنسان يتفكر بما علمته الحياة عن نفسه، بعد أن تجرّد من السلطة، فيشعر بضرورة تفسير طبيعة تجربة إنسانية تتعدى الزمن.

المرجع: Bilal Sarr - Abd Allah b. Buluqqin, semblanza y fin del último sultán zirí a través de la Ihata de Ibn al-Jatib.

في كتابه، يحاول عبد الله أن يشرح قراره حماية حكمه من المرابطين الذين أرادوا الاستيلاء على عرشه، فقد اعتبرهم خطراً على حكمه، بغض النظر عن كونهم عرباً أم أمازيغ أم مسلمين، كما كان تحالفه مع ألفونسو السادس بغرض حماية مملكته بغض النظر عن فارق الدين بينهما. ومع أنه كتب مذكراته تحت رقابة المرابطين الذين خلعوه من منصبه، فإنه عبّر بحرية عن المواقف المؤلمة التي اختبرها وعن قساوة تجربته.

ويذكر ابن الخطيب في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة"، أنه عندما دخل المرابطون غرناطة وجدوا من غنى بني زيري ما يعجز عن وصفه اللسان: "استُقصي ما كان بالقصر فظهر ما يحول الناظر ويُروع الخاطر من الأعلاق والذخيرة والحُلى ونفيس الجَوْهر وأحجار الياقوت وقَصَب الزُّمرد وآنية الذهب والفضة وأطباق البلَّور المُحكم... والعراقيات والثياب الرفيعة والأنماط والكلل والستاير".

وهذا ما يدعم نظرية اضطهاد الشعب في ممالك الطوائف رغم الازدهار الثقافي الذي تميزت به هذه الفترة، لأن الأسر الحاكمة كانت تضغط عليهم بالضرائب بحجة الحرب ضد العدو، بينما يحافظون على أموالهم في قصورهم. ولذلك استبشر معظم الأندلسيين بقدوم المرابطين وتوحيد هذه الممالك رغم كونهم من الأمازيغ أيضاً، مع أن هؤلاء بدورهم أخذوا كنوز ملوكهم كغنائم.

من كل هذه الكنوز، لم يبق مع عبد الله غير خاتمه، الذي يخبرنا بأنه باعه بعشر دينارات، وكان كل ما يملك.

يصعب علينا الحكم على عبد الله بشكل قاطع، خاصة أن الجميع حوله أداروا ظهورهم له، بدلاً من إعانته ومساندته، كما يشرح لنا في كتابه: "كان سلاطين الأندلس أجمع متألبين على فتنتي مع رعيتي، لما يلزمهم من الطاعة للمرابط والطمع، عسى يحصل لأحد مزيدٌ في بلاده، ولا تمكن لأحد منهم معونتي ولا الاستفساد من أجلي".

ويدل هذا الجفاء الذي عاناه الأمير وشعوره بالوحدة على موقف كلٍّ من ملوك الطوائف تجاه الآخر، فرغم استيلاء العدو على الممالك الأخرى بقيوا محافظين على مكانتهم الضعيفة دون النظر إلى مستقبل الرعية والأمة.

وفقدان العصبية، كما قال ابن خلدون في مقدمته لكتاب العبر، هي السبب الأساسي لضياع الملك وانهيار السلم الذي تدعمه الدولة تحت ضغط من يحافظ على هذا الشعور القبلي. فهل تكون سبباً في نهاية ملوك الطوائف؟

في نهاية هذا الكتاب التاريخي، يحدثنا الأمير المخلوع عن نفسه. فيبدأ بطالعه الذي كُتب يوم مولده ويأتي بآرائه في التنجيم والطب والعلوم الطبيعية والجن وكذلك يتحدث عن هموم الهوى والشباب والطموح وزوال خيرات الدنيا.

يقول: "وأجدني في كثرة المال، بعد تملُّكي عليه مع ذهابه، أزهد مني فيه قبل اكتسابه، مع سفوف الحال إذ ذاك على ما هي عليه الآن. وكذلك شأني كله في كل ما أدركته قبل من الأمر والنهي، واكتساب الذخائر، والتأنق في المطاعم والملابس والمراكب والمباني، وما شاكل من الأحوال الرفيعة التي نشأنا عليها".

ثم يشرح للقارئ موقفه من الحياة بعد ضياع كل ذلك، فهو يعتبر أنه عاش أقصى أحلامه في وقت قصير، فقد بلغ كل ما يسعى إليه المرء في هذه الدنيا وخلّد اسمه في التاريخ، وكأنه عاش مئة عام في عشرين ثم مات حياً ليعيش حياةً أخرى.

لا نعرف إن كان هذا من تأثير النظرية المرابطية في الحياة في أول حكمهم، والتي كانت تدعو إلى التقشف والزهد، أم أنه قد اختار الرضى بأمره بدلاً من التحسر على ما كان.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل