المحتوى الرئيسى

أنيس منصور: لهذه الأسباب كرهت حب أمي!

03/21 03:47

منصور: الامتنان والزهور والقبلات طقوس واجبة بعيد الأم

خوفها الزائد حولني لـ”كلب” يحرسني لها!

فتح قبرها ليرى ما بقي منها وندم!

حبي لأمي منعني متعة المرض وسلب حريتي!

اليوم هو عيد الأم، وفي هذه المناسبة كتب الفيلسوف والكاتب الكبير أنيس منصور مقالاً تحت عنوان “ذهبت وبكيت مع أنه لا أحد هناك”!، قائلا: عيد الأم. أي عيد من له أم.. فهي مناسبة أن يقبل يديها وخديها وقدميها ويقول لها: ألف شكر..ثم يقدم لها باقة من الورد. ستكون الأم سعيدة وأبناؤها أيضا.

ذهبت أقرأ الفاتحة على روح أمي ـ يرحمها الله ويسكنها جناته ـ وأنا أعلم علم اليقين أنها ليست هناك.. ومنذ سنتين فتحت قبر أمي لأرى ماذا بقي.. ووجدت قطعة طويلة من العظام. بكيت كثيرا وندمت أنني فتحت قبرها. ولكن أريد أن أعرف. وندمت مرة أخرى على سخافة الحرص على المعرفة..

ذهبت.. وفتحت الباب وجلست. وراحوا يكنسون الضريح ويغسلون الأرض ويرشون الماء على العشب. وفتحت المصحف الشريف وقرأت. وأكملت القراءة دون أن أفتح المصحف فقد بللته دموعي. وأنا لا أعرف لماذا أبكي. ما الذي أبكيه.. أبكي عليها أو على نفسي أو على كل الذين ماتوا.. الأخوة والأصدقاء والصديقات. وما جدوى البكاء؟ ولا حاجة.

إذن لماذا أبكي؟ لا أعرف ولا أستطيع أن أوقف دموعي على خدي وعلى الورق وعلى الأرض ولا أن يكون بكائي نشيجا. وأكذب لو قلت إنني لم أحاول. حاولت. ولكن دموعي أقوى وحزني أعمق ويأسي أشد. ووجدت أنني في الفراغ اللانهائي.. فلا أحد أراه يمينا أو شمالا أو حتى إذا أغمضت عيني.. لقد فرغت دنياي من كل حبيب.. سجين أنا في دنيا واسعة لا حدود لها ولا ملامح ولا طول ولا عرض ولا معنى. وأنا طفل ذهبت إلى ضريح جدي وحاولت أن أدخل إلى قبره وأشكو أمي أنها تضربني كثيرا. وكان الناس يضحكون. لولا أنني لا أريد أن يقال إنني جننت في أحد الأيام لقفزت إلى قبر أمي.. وبيدي أغلقته علي! .

رغم بكائه الشديد على فراق أمه، إلا أنه كان يضيق ذرعاً بحبها في شبابه، حيث ذكر في كتابه “وداعاً أيها الملل” عن علاقته بأمه تحت عنوان “كرهت الحب” قائلاً: العلاقة التي تربطني بأمي غريبة..فهي تحبني بطريقة مختلفة عن حبي لها..وكل ما يهم أمي لا يهمني، وكل ما يهمني لا تعرف أمي عنه أي شئ..فهي لا تعرف ماذا أعمل، ولا كم أساوي، ولا ماذا يقلقني أو يخيفني.

وإذا كنت مريضاً فإنني لا أفتح فمي ولا أقول آه وإذا كان المرض شديداً فإنني أختلق أي قصة وأهرب من البيت وأنزل في أحد الفنادق.

فأمي لا تتصور أبداً أنني من الممكن أن أمرض أو أتعب أو أتعذب..إنها تحزن في عجز..فكل ما تملكه أمي هو بضعة ملايين من الدموع، ومثلها من الدعوا ثلاث مرات في اليوم وهذا هو الطب القديم الذي لا تؤمن به الأمعاء ولا المعدة ولا الأعصاب.

وكل رجل يطلبني بالتليفون هو تلميذ من تلامذتي في الجامعة ولذلك تدعو له بالنجاح في الامتحان! أما كل فتاة تطلبني فهي خطيبتي، وأمي تدعو لها بالسعادة والرفاء والبنين.

وأنا أحمد الله أن أمي لا تعرف عني أكثر من هذا، ولا تعرف ما يصيبني في جسمي أو نفسي، وإلا كانت كارثة عليّ أنا فكل ما يصيب أمي يصبني بعدها بلحظات..ولكن حب أمي يعذبني فعلا..إنها سلبتني أعز ما أملك..سلبتني حريتي.

أصبحت أشعر بأني حارس لابنها..الذي هو أنا..بأنني حاميه بأنني أمانة في عنقي بأنني “عهدة” يجب أن أسلمها إلى صاحبتها وهي والدتي..بأنني يجب أن أصون نفسي، يجب ألا أمرض، ألا أتعب ألا أتقلب في فراشي.

إن حبي لأمي جعلني أتحول من صاحب مال إلى حارس لهذا المال، من صاحب عمارة إلى بواب إلى خفير، من ابن إلى كلب يحرس هذا الابن!.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل