المحتوى الرئيسى

بسمة عبد العزيز: "الأسهل هو انتظار النجدة الإلهية والابتعاد عن الخطر"

03/20 20:08

"في أول الأمر بدا الوقوف في طابور البوابة مظهراً عادياً من مظاهر الحياة. ولكنه تحوّل بعد فترة إلى حياة قائمة بذاتها". بضع كلمات اختصرت بها الطبيبة المصرية بسمة عبد العزيز روايتها "الطابور" التي شبهها النقاد برواية جورج أورويل 1984 ودفعت شركة ماربوري الأمريكية إلى التواصل معها للحصول على حقوق تحويلها إلى فيلم سينمائي.

طبيبة الأمراض النفسية العصبية عبد العزيز، اختارتها مجلة فورين بوليسي واحدة من 100 شخصية من قادة الفكر في العالم لعام 2016، قالت لرصيف22 إنها تفضّل أن تصف نفسها "بالكاتبة ثم بالفنانة التشكيلية ثم بطبيبة".

حصلت الكاتبة على ماجستير في الأمراض النفسية العصبية ودبلوم في علم الاجتماع. وعملت في مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف منذ عام 2002. في الفن، هي فنانة تشكيلية تعلمت النحت على يد الفنان صبري ناشد. أما في الأدب فقد صدرت لها مجموعتان قصصيتان ورواية.

كنت لتوي عائدة من إجازة في فرنسا وتوجهت إلى وزارة الصحة لإنهاء بعض الأوراق، وحينما كنت أمر بشارع القصر العيني بالقاهرة في طريقي إلى الوزارة رأيت طابوراً من المواطنين أمام بناء حكومي بابه مغلق ولا توجد له نافذة. لفت انتباهي المشهد لغرابته إلا أنّي استكملت طريقي.

وأثناء عودتي بعد عدة ساعات رأيت الطابور نفسه لا يزال قائماً لم يتحرك منه أحد، بل زاد عدد الواقفين. استفزني الموقف فقد كان مشهداً غريباً بدا فيه الواقفون وكأنهم رُبطوا بالطابور، فقررت أن آخذ ملاحظات حول المشهد وأكتبها كقصة قصيرة.

عدت بعد ذلك إلى المنزل وشرعت في الكتابة واكتشفت أن 10 ساعات قد مرت وأنا أكتب وجاء اليوم التالي ليسير على المنوال ذاته فأدركت لحظتها أن ما أكتبه لن يكون قصة قصيرة ولكن ستكون أول رواية لي. استمر الأمر على ذلك المنوال مدة شهرين متتاليين تقريباً، كنت أكتب كأني أحد الواقفين في الطابور دون توقف أو تفكير في ما سأكتب من أحداث أو كيف سأنهي الرواية. فلم تكن عندي تجربة سابقة أو مخاوف أو محاذير في الكتابة. كنت اتناول الطعام وأنا أكتب وأعيش حياتي كاملة مع الرواية حتى انهيتها.

التشبيهات تقدير مهم للرواية، أشعرتني بالسعادة خاصة بعد كتابة أطروحات جامعية حول هذا التشابه وهو ما يعد إشادة بالعمل الذي قدمته. وفي رأيي، تجمع الرواية بين الأجواء الكئيبة لكافكا وفكرة الأخ الاكبر لأورويل.

تستطيع قول ذلك، لكن أظن أن الطابور بأكلمه يمثل الواقع المصري.

يمكن أن تقول ذلك، فربما هذا هو الشيء الوحيد الذي تعمدته في الرواية. هي تمثل الواقع الآن ومنذ 100 سنة مضت أو أي واقع لدولة تحكم من قبل سلطة ديكتاتورية. وبعد وصول دونالد ترامب للسلطة في الولايات المتحدة، وجدت بعض القراء يقومون بإسقاطات من الرواية على واقعهم... فهي تتحدث بشكل مباشر عن السلطة التي تطلق الأكاذيب وتبدل الحقائق وتنشرها وتعيد صياغة التاريخ، كما تتحدث عن كيفية جلوس الناس في الانتظار دون فهم ما يحدث حولهم. اهتممت بأن تعكس الرواية الواقع في أي زمان ومكان.

لا ليس الأمر كذلك. فقد كان لطارق دور محوري إذ نشاهد من خلاله التغيرات في الأحداث، ونتابع ملف مريضه يحيى وهو يتعرض للعبث وإعادة التدوين كل فترة، ونرى انعكاسات كل شيء. وفي حين أراد يحيى استخراج الرصاصة ليثبت أن السلطة أطلقت النار على المواطنين، وفي حين سعى الصحافي أيضاً إلى كشف الحقيقة، واهتمت شخصية الداعية الديني بمصالحها المادية، فإن الطبيب طارق ظل الكاشف المتابع، الناقل للأحداث، الذي يعاني صراعاً داخلياً مريراً، إذ يريد أن يؤدي واجبه كطبيب باستخراج الرصاصة لكنه يخشى كسر التعليمات والقيام بالعملية الجراحية خوفاً من العواقب.

الرواية تحمل أسئلة أكثر مما تحمل أجوبة، وأظن أن هذا السؤال من أهم ما طرحت، فهل نخلق السلطة داخلنا ثم نخضع لها؟ السلطة القامعة موجودة بكل تأكيد، لكن هل هي بالمهارة والذكاء اللذين نتصورهما أم نحن نبالغ في وصفها وبالتالي في الخوف منها؟

لقد انقسم المواطنون أمام البوابة إلى جزءين، جزء ضئيل يتمرد، وجزء يرفض التمرد ويصر على الانتظار، ويوهم نفسه بأنه يسمع أصواتاً خلف البوابة، وبأن موظفاً قادم ليفتحها لهم، إنها مسألة التكيف والاعتياد التي تلعب دورها هنا، حتى لو كان الانصياع لها مُضراً، فالاعتياد يُصنع بداخلنا ويكبر ثم يحاصرنا.

كثيراً ما يميل البشر إلى تقليد بعضهم بعضاً، وبالتأكيد اتباعاً لما هو أسهل، لذا من الطبيعي حينما يوجد خيار، أن يختار البشر السبيل الأكثر أماناً والأهون والأقل احتياجاً لبذل الجهد والكد، إلا إذا كانوا من المتمردين وهم قلة.

في أغلب الأحيان يكون الاختيار بأن يبقي الوضع على ما هو عليه. فكرة المبادرة نادرة وليس كل الأشخاص لديهم الحس المبادر، فالأسهل دائماً انتظار النجدة الإلهية. لا أحد يحب وضع نفسه في موضع خطر.

شارك غردحوار مع بسمة عبدالعزيز، الكاتبة وطبيبة الأمراض النفسية التي دخلت قائمة 100 شخصية من قادة الفكر عام 2016

شارك غردروايتها الطابور شبهت بأعمال أورويل وكافكا، وسيتم تحويلها إلى فيلم... حوار مع بسمة عبد العزيز

أفضل أن يختار كل قارئ النهاية التي تناسب قناعاته ورؤيته، فعقب صدور الرواية جاءتني رسائل تسأل لماذا قتلت يحيى في آخر الرواية؟ وأخرى تقول إنني تركته يعيش وهو ما أعطاهم الأمل، فكل شخص استقبل أو "صنع" نهاية تناسبه. لكن إذا كنت تريد النهاية التي تناسبني أنا فهي أن يحيى مات اثناء استخراج الرصاصة، وكان موته بداية جديدة لمعظم شخصيات الرواية، لأماني التي صدقت أو أقنعت نفسها بأن السلطة بريئة، ولإيهاب الذي يبحث عن الحقيقة، ولطارق الذي حسم أمره وانتصر لمبادئه وهزم خوفه.

دُهشت في البداية فما زال لدي الكثير لأقدمه وأتصور أنني لم أنجز بعد ولو عشر ما أصبو إليه، لكنني كنت سعيدة جداً، ففكرة أن يحظى عملي بتقدير واحترام على نطاق عالمي ومن ثقافة مختلفة، كانت شيئاً مميزاً، خاصة أن الاختيار جاء من قبل مجلة لها ثقلها ولا شبهة "مجاملات" في قائمتها، وتبني اختياراتها دوماً على معايير موضوعية.

ما زال الأمر في بدايته. كان تعاقدي مع شركة ماربوري للحصول على حقوق تحويل الرواية إلى فيلم منذ 6 أشهر وما زال لدينا عام في العقد. وفي الوقت ذاته اتصل بي مخرج كان لديه اهتمام بالأمر وله اتصال بالشركة لكننا ما زلنا في مرحلة التجهيز، وفور وجود التمويل الكافي سنبدأ.

الكتاب كان عبارة عن بحث معمق حول سلوكيات الشرطة وعلاقتها بالمواطنين وفاز بجائزة أحمد بهاء شعبان. أثناء عملي على الكتاب قمت بالبحث في الماضي. لفت انتباهي ما جرى من وقائع قبل أحداث 17 و18 يناير 1977 من مهاجمة مواطنين لأقسام الشرطة بعد تعرض مواطنين آخرين للتعذيب والقتل داخلها وهي الأحداث التي سمتها الصحافة حينها "الأحداث المؤسفة".

وقد قمت برصد تلك الأحداث والوضع الاقتصادي والسياسي آنذاك وقارنتها بالأحداث ما قبل نهاية 2010 ومن ثم جاء الكتاب بتساؤل مبني على التشابه بين الحقبتين، وهو: هل نحن بصدد وقوع احتجاجات مشابهة لما حدث في 1977؟ وهو ما كان مبنياً على قرائن وأدلة. وقبل أن يخرج الكتاب، كان الحراك الثوري قد قام، واستلمت النسخة الأولى في وقت إعلان حظر التجول.

طبعاً حدث تغير كبير. ففي عهد عبد الناصر كان التعذيب يطال المعارضين فقط وفي منتصف عصر محمد أنور السادات بدأ الأمر يزداد، وكان التعذيب يطال مواطنين. في ذلك الوقت، كان يمكن أن يطلق عليها حوادث فردية، ومع بداية عصر مبارك أصبح التعذيب في أغلب أقسام الشرطة وبشكل ممنهج أو شبه ممنهج، وليس حالة فردية. وبالمثل بدأت تظهر مصطلحات "حفل الاستقبال" وأصبح التعذيب ظاهرة عامة بأساليب واحدة وأدوات تعذيب واحدة كما لو كانت عهدة تسلم لكل ضابط، أي صار الأمر مشهداً عاماً ممنهجاً.

عقب ثورة 25 يناير تعرضت الشرطة لانكسار كبير ولم يكن ضباط الشرطة يقفون في الشارع بزيهم الرسمي وكان ضباط المرور يقفون ومعهم أحد أفراد الشرطة العسكرية، لكن ذلك لم يؤد إلى إعادة هيكلة حقيقية للشرطة. وكما يقول المثل الشعبي "الضربة التي لا تكسر بتقوي" وهو ما حدث تماماً، إذ لم يُحاسب أحد على جرائم التعذيب فعاد التعذيب لكن بشكل أكبر، وازداد عدد الوفيات أكثر من ذي قبل، وقد كنا نرصد حالات الوفاة خلال عام فأصبح الرصد خلال أسبوع وأحياناً يومياً.

كان السبب هو قناعتي بأن الأزهر فارق الحياد العلمي والتجرد الديني وأصبح طرفاً في الأزمات السياسية، والمشروع في الأصل كان مشروعاً للحصول على درجة الماجستير ولكن المشرف رفضها، لذا حاولت أن أبسطها قدر المستطاع واختصرها لكي يستطيع القارئ أن يستفيد منها وشرحت في أول الكتاب منهجية البحث واتباعي التحليل النقدي وتركت النص الكامل لوقت آخر يسمح بنشره.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل