المحتوى الرئيسى

برلمانى: «الغضبان» يصر على ردم المسطح المائى ويتحدى كل مؤسسات الدولة.. وصياد يكذِّب المحافظ بجولة داخل البحيرة على مركب بـ«رفاس»

03/20 10:11

«الوطن» حصلت على تقرير لوزارة البيئة وهيئة الثروة السمكية يحذر من تداعيات قرار محافظ بورسعيد، بردم مساحة تعادل مساحة بورسعيد بالكامل، مؤكداً أن التغيرات المناخية من الممكن أن تتسبب فى غرق محافظات الدلتا، وتبقى بحيرة المنزلة هى المنقذ الوحيد لتلك المحافظات من الغرق، نظراً لإمكانية احتوائها المياه المقبلة من البحر المتوسط نتيجة التغيرات المناخية، وأضاف التقرير أن عدم الحفاظ على بحيرة المنزلة ينذر بغرق المناطق المحيطة بها بالكامل، وفق الإحصاءات والتقارير العلمية العالمية، وعندما وُوجه محافظ بورسعيد بتلك التقارير، نفى تماماً ما وصفه بمزاعم ردم البحيرة، مؤكداً أنه يقوم برفع منسوب مناطق منخفضة بها، لا يزيد عمقها على 10 سنتيمترات.

«الوطن»، قررت استقصاء ما يجرى فى بحيرة المنزلة ومحيطها، بعد بدء أعمال الردم التى ستتسبب فى تغيرات ديموجرافية، أقلها هجرة الصيادين وانقراض أنواع من الأسماك والطيور البرية والنباتات، وتحويل مساحات شاسعة من البحيرة إلى أرض يابسة.

تقارير بيئية تحذر من غرق المنطقة المحيطة بها بالكامل: البحيرة تحمى السواحل الشمالية من مخاطر التغيرات المناخية

الإعداد للرحلة تطلب الاتفاق مع طه الشريدى، رئيس النقابة المستقلة للصيادين بالمطرية، لتأجير مركب سريع للانتقال به من مدينة المطرية بالدقهلية إلى منطقة القابوطى وقعر البحر، ومحمية الجميل ببورسعيد، وبعد الانتهاء من جميع الاستعدادات ألغيت الرحلة خوفاً من مصادرة المركب السريع، لقيام شرطة المسطحات بحملة لضبطه منعاً لعمليات الصيد الجائر، فكان البديل البحث عن دليل جديد من محافظة بورسعيد، للوصول إلى المكان مباشرة عن طريق البر، والنزول إلى البحيرة لتقصى ما تتعرض له من انتهاكات، وبعد أسبوع من البحث تم الوصول إلى الدليل الذى وعد بترتيب المركب وترتيب جولة به داخل منطقة التعديات، ولكن على مسئولية محررى «الوطن».

بدأت الرحلة فى يوم عاصف وشديد البرودة، قطعنا 117 كيلومتراً من المنصورة إلى بورسعيد، تحت زخات المطر المنهمر، على حدود بورسعيد احتلت كميات هائلة من الأتربة جانبى الطريق الدولى الساحلى، وبعد الوصول للمكان، كانت سيارات النقل الثقيل تحمل ما تجرفه اللوادر العملاقة من أتربة وتلقى بها فى المسطح المائى للبحيرة، فتأكدنا من الحقيقة على أرض الواقع.

حسن عفيفى، صياد، وقف على أرض يابسة، متجهم الوجه، يشير إلى الأرض بسبابته قائلاً: «هذه المنطقة التى نقف عليها كانت تنتج أجود أنواع الأسماك فى مصر من البورى والبلطى والبلطى الأخضر والحنشان، منذ 3 شهور فقط، وكان عمق المياه فيها يزيد على مترين، وهذه هى طبيعة البحيرة بالكامل، فالمياه فيها ليست عميقة وتجذب إليها أسماك البحر المتوسط كمكان آمن للتزاوج والعودة مرة أخرى، لتترك أجود أنواع الزريعة التى لا توجد فى أى مكان آخر، ولكن فوجئنا بقرار المحافظ بردم هذا الجزء من البحيرة، لإنشاء مشروع إسكان اجتماعى عليها، هذه المنطقة مساحتها 3 آلاف فدان، من بينها 500 فدان مزارع سمكية اشتراها المواطنون من الشركات (الشركة العامة والشركة العقارية) ولهم أسهم فيها، وفى عام 2010 صدر قرار بإلغاء تخصيص الشركتين ورجوع المنطقة بالكامل لولاية هيئة الثروة السمكية بقرار رقم 1147 لسنة 2010 وهذا القرار أضر بأصحاب المزارع السمكية فى المنطقة، وباقى المساحة كانت مخصصة للصيد الحر، فأصبحت المنطقة بالكامل مفتوحة للصيد الحر، ويعمل بها نحو 10 آلاف صياد يعولون أسراً فقيرة»، وأضاف أن الصيادين فوجئوا فى شهر يوليو عام 2016 بالإعلان عن إنشاء محور 30 يونيو، على أن يبدأ من أول منفذ المنزلة حتى الطريق الدائرى، كطريق جديد يربط المنطقة ببعضها من خلال البحيرة، ولم يعترض الصيادون، لأنه مشروع قومى ويمكن أن يقتطع جزءاً من أرض البحيرة، ولكن سيخدم الأهالى ويقرب المسافة، وفى شهر سبتمبر الماضى فوجئنا بأسطول سيارات يحمل أتربة ومخلفات بناء ويلقى بها فى الترعة ثم فى البحيرة، ما أصابنا بالذهول، ولجأ الصيادون إلى شيخهم، فتوجه بدوره للإدارة المتكاملة لبحيرة المنزلة، وأخبرهم بما يحدث بشأن بدء أعمال تجفيف البحيرة، وأكدوا عدم وجود أى قرار رسمى، وأن ما يحدث هو تعدٍ على البحيرة من قبل المحافظة، فحاول الصيادون لقاء المحافظ إلا أنه رفض، عندما علم بموقفهم الرافض لمشروعه، ورغم إلحاحهم مرة أخرى للقائه إلا أنه رفض، فاضطروا لتحرير محضر بقسم شرطة الجنوب بتاريخ 29/12/2016، وتم حفظه مرتين فى النيابة العامة، وأوضح أن المحافظ يصر على تصريحاته التى أفاد خلالها أنه لا يقوم بردم البحيرة، وأنه يعمل على رفع منسوب أرض تملكها المحافظة، مشيراً إلى أنه قام بردم ترعة تغذى المنطقة، وبدأ فى ردم جزء كبير من البحيرة، وتابع: «المحافظ يدعى أنه يقوم بردم أرض بها بوص وخوص وعمقها لا يزيد على 10 سنتيمترات، على غير الحقيقة، لا نعرف ما هو غرضه مما يقوم به، سيأتى يوم نستيقظ فيه على فاجعة فقدان تلك البحيرة، فما يقوم به المحافظ سيتسبب فى إضافة الصيادين إلى طوابير البطالة»، واستنكر توجه المحافظ فى الوقت الذى يدعم فيه الرئيس السيسى الثروة السمكية، ويخصص المليارات من أجل تنميتها، وعلى النقيض تماماً يصر الغضبان على ردم بحيرة طبيعية من أعظم البحيرات فى العالم، لأن طبيعة المناخ فيها يزيد من الإنتاج السمكى، بفضل ثبات درجة الحرارة على مدار السنة فى حدود 20 درجة مئوية، وأكد أن عملية التكريك تتم على 3 مراحل كل مرحلة 125 فداناً، بحيث يسحب التربة من قاع البحيرة لردم مناطق أخرى، لتحويلها إلى أرض يابسة، لافتاً إلى أن الصيادين لن يتمكنوا من الصيد فى مسطحات مائية يزيد عمقها على 15 متراً نظراً لخطورة عمقها على الصيادين وأبنائهم الذين لم يعتادوا الصيد فى تلك المسطحات المائية العميقة، فما يحدث هو تدمير للأجزاء المقتطعة من البحيرة، والأجزاء المتبقية منها بعد تعميقها.

عبر مركب سريع يحمل فى مؤخرته «موتور»، حاول ناصر إبراهيم، 52 عاماً، صياد وقائد المركب، أن يبرهن على المغالطات التى تضمنها حديث المحافظ، بأن عمق المياه لا يزيد على 10 سنتيمترات، دخل بالمركب للبحيرة بسرعة كبيرة، وعاد مرة أخرى، موضحاً أن الدليل على مغالطات المحافظ أن «رفاس المركب» لا يعمل إلا فى مناطق يزيد فيها العمق على 3 أمتار، وهذا أكبر دليل على عمق المياه بتلك المنطقة التى يدعى المحافظ أن عمقها لا يتجاوز 10 سنتيمترات، ثم تجول ناصر بالمركب داخل البحيرة وعلى حدود أعمال الردم، لتظهر سيارات محملة بمخلفات البناء من مناطق بعيدة، تلقى بها وتجرفها حفارات كبيرة إلى داخل المياه ثم يدهسها اللودر لتستطيع السيارات دك مناطق الردم بعجلاتها تمهيداً للتوسع فى عملية الردم.

طه الصياد، مسن بلغ من العمر 70 عاماً، وقف بمركبه الصغير فى جزء محاط بالبوص، وعلى وجهه علامات الخوف من مستقبل غامض يحمل بين طياته قلقاً من الجوع «جئت من المنزلة بالدقهلية للبحيرة منذ 10 سنوات، أبحث عن رزقى فى تلك البحيرة المملوءة بخيرات الله، تخرج أنواعاً جيدة جداً من الأسماك، وهذا الردم قطع عيشى ومش عارف هاعمل إيه بعد كده، وأنا راجل مُسن، ومفيش حل غير إنى أشحت بعدها»، ثم قبض بيده الواهنة على سمكة كبيرة قائلاً: «أقسم بالله ما فيه سمكة مثل هذه فى أى مكان تانى، البحيرة ربانية ويتجدد فيها السمك بشكل يومى».

إلى الشمال من البحيرة، ظهرت مساكن الإمارات، وجنوباً طريق دمياط بورسعيد الدولى الساحلى، والمنطقة الصناعية الجديدة المخصصة لبناء 118 مصنعاً، وعملية رفع منسوب 356 فداناً بالمنطقة الصناعية جنوب بورسعيد من إشراف شركة الجهاز التنفيذى لتعمير سيناء، وتنفيذ شركة المقاولون العرب فرع سيناء، وجميعها أراضٍ كانت تنتمى للبحيرة قبل تجفيفها ورفع منسوب التربة بها.

«لو طلعت من الميه أموت والمحافظ يتسبب فى نفوق الأسماك ويجفف البحيرة، ربنا يرحم والبشر لا ترحم»، هكذا قال حمدى السيد، 55 عاماً، صياد، مضيفاً أنهم يقحمون اسم الرئيس السيسى فى عمليات الردم، وسبق أن حضر مسئولون وأكدوا حصولهم على تفويض من الرئيس السيسى بالردم، وتابع: «كل يوم أترك بيتى وأولادى متوجهاً إلى البحيرة، وأعود بالرزق، لا أعرف مهنة أخرى غير الصيد، وقرار المحافظ يقضى على 45 ألف صياد هم سكان منطقة القابوطى، تعلمت الصيد وعمرى 3 سنوات، ولا أجيد أى عمل آخر».

على الجانب الآخر من البحيرة يترقب أهالى مدينة المطرية ما يحدث بقلق شديد، خاصة أن نتائج الردم ستعود عليهم بالسلب، حيث ستؤثر بالطبع على كمية الأسماك التى يمكن أن تصل لساحل المدينة ونوعية المياه والأحياء المائية فى البحيرة فى الزمن القريب، خاصة بعد منع مياه البحر المتوسط من الوصول إليهم.

طه الشريدى، رئيس النقابة المستقلة للصيادلة بالمطرية، طالب بالتدخل الفورى لوقف ما يحدث فى بحيرة المنزلة بالمنطقة المطلة على محافظة بورسعيد، وفتح البواغيز حتى تدخل مياه البحر المتوسط والمياه المالحة للبحيرة لتجدد مياهها، مستنكراً تدمير البحيرة بعلم المسئولين، الذين من المفترض أن يحموها من المعتدين.

وقال محمد العتمانى، عضو مجلس النواب عن دائرة المنزلة والمطرية بالدقهلية، إنه رغم الإنتاج السمكى الوفير فى تلك المنطقة ووجود مساحات شاسعة فى محافظة بورسعيد تحتاج إلى التنمية العمرانية، خاصة فى بورفؤاد والملاحات والامتداد العمرانى للمحافظة إلا أن المحافظ مصر على ردم البحيرة على جثث الصيادين، رغم دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للتوسع فى عمل المزارع السمكية لدعم الأمن الغذائى، وتساءل «لماذا نترك المحافظ يأخذ القرار منفرداً ويدمر الثروة السمكية بالبحيرة دون أن يحصل على موافقات الجهات المعنية بالقرار مثل هيئة الثروة السمكية ووزارة البيئة بل ويتحداهم بقرار آخر رقم 925 لسنة 2016، بنقل مصانع الاستثمار إلى منطقة جنوب مطار بورسعيد وردم 150 فداناً أخرى فى البحيرة رغم أن منطقة الاستثمار تقع فى منطقة لوجيستية ولا تحتاج إلى النقل، بل يمكن التوسع فى منطقة شرق التفريعة، ونقل منطقة الاستثمار الموجودة على مساحة 41 فداناً دون أن يكون بها أى مشروع آخر «كل اللى فى دماغه إنه يردم البحيرة».

وصدق البرلمانى على حديث الصيادين بأن البحيرة ربانية، لا يوجد أى استثمار بها، وإنما تأتى بالأسماك بصورة طبيعية ويعمل بها 100 ألف صياد، وكانت تنتج ثلث إنتاج مصر من الأسماك، ومع ذلك يسعى المحافظ لردمها وتتكلف الدولة مئات الملايين لإنشاء مزارع سمكية فى الصحراء.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل