المحتوى الرئيسى

أحمد بابكر حمدان يكتب: مفردات على عتبات المشروع المعرفي | ساسة بوست

03/20 01:12

منذ 1 دقيقة، 20 مارس,2017

تناولت في مقالات سابقة ملامح من المشروع الفكري وعلاقته بصفته المهنية في مبتدر حياته، إضافة إلى أهمية صياغة المثقف لصفة شخصية معبرة عن فضاء اهتمامه الفكري أو نشاطه الميدان في المجتمع. ووصلا لما سبق، أتناول في مقال اليوم طائفة في المفردات المهمة للمفكر الناشئ وهو على عتبات مشروعه المعرفي، آملًا في التفصيل بشأنها لاحقًا.

بالرغم من التباين الكبير في دلالات المصطلحات شائعة الاستخدام في ساحات ومنصات التثاقف، كمصطلح الحضارة والمدنية والثقافة والفكر والدين والمعرفة، إلا أن هناك اتفاق في التأكيد على ارتباطها- في منحى أو أكثر- بالقضايا الحضارية وبناء الحضارات، وإن كانت أوزانها مختلفة بحسب المدارس الفكرية، والبيئات الثقافية لحملة الأقلام وأصحاب الفكر.

علما بأن الاهتمام بالدلالات الاصطلاحية للمفردات الحضارية إن صحت التسمية، ليس القصد منه إيجاد مفهوم محدد لكل مصطلح، فتلك عملية غير ذات جدوى؛ بحسبان أن المصطلح إنما يرمّز ويفسر وفقًا للسياقات التي يستخدم فيها، لكن المراد هو: إيجاد روابط واضحة بينها، بحيث يتمكن القارئ من فهمهما في سياق متكامل يساعده في هضم المواد المعرفية واستيعابها، بالرغم من أن تركيبنا الثقافي لا يعطي لمسالة العلاقات بين الأشياء إلا القليل من الاهتمام، بحسب الدكتور عبد الكريم بكار. ولسنا بحاجة إلى تخطئة بعض الآراء والمفهومات، حتى تكتسب آراؤنا درجة عالية من الصحة، بقدر حاجتنا إلى فهم طبيعة وخصوصية السياقات التي ترد خلالها هذه المفردة أو تلك.

ومن الملاحظ هنا، أن التباين في الدلالات الاصطلاحية، لا سيما فيما يتصل بالمفردات الحضارية- ليس أكثر من مؤشر على العراك بين المدارس والمذاهب الفكرية، وتعد ساحة المصطلحات من أوسع ميادين العراك الفكري لتثبيت الأقدام وتحقيق انتصارات وفرض نوع من الهيمنة الفكرية. والتعرض لمصطلحات من قبيل الحضارة والثقافة والمدنية، لا ينفك عادة عن ارتباط بمصطلحات أخرى مثل الدين والفكر والفلسفة، وعند التصدي لتعريف (الحضارة) مثلا، فإن الكاتب لا يمكنه- أو يصعب عليه- الانفصال عن رؤاه الثقافية وخلفياته المعرفية والاجتماعية، ليُخرج لنا تعريفًا تظلله الشفافية والعلمية والحياد، بل إن الكُتاب والمفكرين عادة ما يتصدون لإعادة تعريف المصطلحات وتحديد دلالاتها، لتوافق رؤاهم وتنسجم مع خلفياتهم الثقافية والمعرفية والحضارية. هنا تبرز أهمية فهم الرؤية الثقافية التي ينطلق منها الباحث عند تصديه لقضايا فكرية، أو تحديده لدلالات اصطلاحية لمفردة ما، وذلك أن تنبيه الوعي إلى نوعية الفكرة المسيطرة في مقال أو كتاب أو عمل، ومحاولة تحديدها بدقة، أمر مهم جدا في بناء التصور الصحيح، وأن عدم تحديدها يجعل فهمنا لمجمل القضية ناقصا أو مشوهًا. بلغة الدكتور بكار.

ألقى التباين الكبير الذي حدث بين أوروبا والشرق الإسلامي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين- بظلال كثيفة على المفردات الحضارية ودلالاتها الاصطلاحية، وكان من الأسباب الأساسية التي أدت إلى التخبط في دلالات المصطلحات- عدم دقة الترجمة من اللغات الأوروبية إلى لغتنا العربية، وعبارة (عدم دقة الترجمة) تحمل بين طياتها جميع الإشكاليات الأخرى كاختلاف معاني المصطلحات بين المفكرين الأوربيين أنفسهم، وعدم مراعاة الظروف الخاصة التي ظهرت خلالها بعض المصطلحات ذات الصلة، إلى جانب عدم فهم أو عدم مراعاة الخصوصية الثقافية والمعرفية للمجتمعات الإسلامية.

ولعل من أوضح الأمثلة على سذاجة النقل وعدم دقة الترجمة:

• استخدام مصطلح (الدين) في أوساطنا الثقافية بالمفهوم الأوروبي الغربي كعلاقة بين الإنسان والله فقط، وما ذلك إلا نتيجة لترجمة المفردة الانجليزية التي بمعنى (دين) دون مراعاة دلالة المصطلح في بيئته ذات الخصوصية الثقافية والتاريخية المتباينة بطبيعة الحال عن بيئتنا الثقافية وخصوصيتنا الحضارية.

• تسمية مساق الدراسة التطبيقية أو المعملية بالمساق العلمي، وإطلاق اسم (العلوم) على الكليات التي تقدم تلك الدراسات. بالرغم من أن كلمة (العلوم) مفردة عامة مثل (المعارف).. لكن تبقى الإشكالية في الترجمة غير الدقيقة للمفردة الانجليزية science التي تعني نوعا من (العلوم والمعارف) وليست مرادفة للعلوم بإطلاق.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل