المحتوى الرئيسى

آن برونتي.. المظلومة بشهرة شقيقتيها

03/19 12:19

آن برونتي، الكاتبة الأقل حظاً بين شقيقتيها الأكبر سناً والأكثر شهرة، تشارلوت وإيميلي برونتي، استقطبت الأضواء مجدداً بسيرتها وأعمالها بسبب الكتاب الذي أعدته عنها الباحثة سامنثا إيليس تحت عنوان “تحلى بالشجاعة: آن برونتي وفن الحياة”. 

عاشت آن في ظل أختيها، فبهت اسمها أمام طغيان صيتهما الشخصي والأدبي. ولذلك فإن روايتي آن برونتي “أغنيس غراي” و”نزيل قاعة ويلدفين”، لم ترق أبدا إلى مستوى رواية “جين إير” لشقيقتها شارلوت، أو رواية “مرتفعات ويذرينغ” لشقيقتها إيميلي، وكذلك الأمر بالنسبة للقصائد التي كتبتها قياسا على شهرة قصائد شقيقتيها، على الرغم من الأصالة التي لمسها العديد من النقاد في أعمال آن برونتي.

سامانثا إيليس في كتابها الجديد تحاول رد الاعتبار إلى هذه الشاعرة والروائية البريطانية المظلومة عن غير قصد. وقد تمكنت خلال بحثها في سيرتها وإرثها من العثور على رسائل كتبتها آن برونتي قبل 5 أسابيع فقط من رحيلها المبكر عن 29 عاماً (ولدت في 17 يناير 1820 في ثورنتون غرب يوركشاير، وتوفيت في 28 مايو 1849 في ساربورو شمال يوركشاير).

كان التقييم الأدبي والنقدي لآن برونتي يستند دائماً إلى روايتها الثانية والأخيرة ”نزيل قاعة ويلدفين” التي نشرت لأول مرة في يونيو 1848 تحت اسم مستعار هو بيل أكتون Acton Bell، وقد وصفت آن بأنها كانت تقية وورعة، وكانت قصائدها تتميز بالنزعة الطهرانية، تخضع فيها أفكارها وأحلامها لامتحان أخلاقي وديني. وعلى هذا الأساس ظهر نوع من الإجماع النقدي على اعتبار رواية ”نزيل قاعة ويلدفين” تعكس شخصية صاحبتها بصورة دقيقية، فهي تتحدث عن الأعراف الاجتماعية في العصر الفيكتوري بطابع رومانسي يقوم أساسا على العلاقة التي تجمع بين ماركهام جيلبرت، وهو مزارع صاحب أعمال مزدهرة وأرملة غامضة هي السيدة هيلين غراهام. في هذه الرواية تحاكم أن برونتي المزارع العاشق من خلال مبادئها الدينية.

تقر صاحبة كتاب “تحلى بالشجاعة: آن برونتي وفن الحياة” بأنها كانت دائما منهمكة في تتبع سيرة وأعمال الشقيقتين الأكثر شهرة من آل برونتي، شارلوت وإيميلي، وإنها لم تعر انتباها للشقيقة الصغرى على غرار ما فعله قبلها كثير من النقّاد وكاتبي السيرة، إلى أن وجدت نفسها وهي تغوص في كتاباتها بقصد استكمال الصورة العائلية لموضوعها الأثير تقع أسيرة الفتاة المظلومة بشهرة شقيقتيها.

كان يمكن للرسائل التي اكتشفتها سامنثا إيليس أن تنشر في مقالة قصيرة، لكن الباحثة آثرت أن تعيد رواية سيرة ان برونتي من خلال الشخصيات التي صاغت حياتها. وهكذا تكثف الضوء علي حياة والدتها ماريا، وعمتها الأنانينة، ووالدها القس، وعلى الشقيقة الكبرى شارلوت المسيطرة، وإيميلي صاحبة الشخصية المستقلة، وشقيقهما برانويل Branwell، الذي وصفته شارلوت بقسوة حين قالت “هو لا يفكر بشيء، باستثناء المخدرات والشراب، إنه نموذج لمحنة العقل”.

تقول سامنثا إيليس إنها تمثلت حياة آن برونتي كما كانت. عاشت مثلها. وسارت في الشوارع التي احتضنتها. وزكلت نفس أنواع الطعام التي كانت سائدة في ذلك العصر، ومن خلال هذه التفاصيل الصغيرة استطاعت أن تعيد تجسيد الحياة النفسية البائسة التي أودت بحياة صاحبتها وهي في ريعان الشباب.

في الفصل الأخير من الكتاب تضع إيليس موضوعي الزواج والموت في سياق واحد. كان موت آن برأي المؤلفة، الفعل الأكثر تعبيرا عن حبها للحياة الواقعية، وللعيش بحنان وبفيض من المشاعر. لكن الناس من حولها قرأوا موتها بعكس حقيقتها. قرأوه وكأنه تعبير عن يأس وعن انحراف نفسي أودى بصاحبته، وهو ما كانت تكتب بعكسه آن برونتي في رواياتها وقصائدها. ومن يقرأ مقدمة ”نزيل قاعة ويلدفين” يقع ببساطتها على فلسفة الحياة كما عاشتها آن برونتي، فهي تقول في إحدى الفقرات: “عندما نكون على علاقة مع شخصيات مفرغة، فمن الأفضل لنا الحفاظ على وصفهم كما هم في الواقع لا كما يرغبون هم في الظهور. فعند تناول شيء سيئ تحت تأثير إيحاءاته المؤثرة، لا بد لخيال الكاتب أن يكون أكثر تواضعا. ولكن هل نكون حينها نبحث عن الصدق أم نتحرى السلامة؟ هل من الأفضل الكشف عن الأفخاخ ومطبات الحياة التي تواجه الشباب الطائش في طريقهم، أم تغطيتها أمامهم بالأغصان والزهور؟”.

وفي فقرة أخرى تقول: “إني مقتنعة بأنه إذا كان الكتاب هو فكرة جيدة، فإن ذلك يكون بغض النظر عن جنس المؤلف. كل الروايات، ينبغي لها أن تكون مكتوبة لكل الرجال والنساء لكي يقرأوها، وأنا في حيرة لتصور كيف يمكن لرجل يجب أن تسمح له نفسه بكتابة شيء مشين عن امرأة. أو لماذا يجب على المرأة تلام لكتابتها أي شيء غير مناسب عن الرجل”.

لقد لاحظت آن برونتي أن كتابة الحكايات التي كانت تجري حولها، أو تسمعها ممن يحيطون بها ستجعل منها بائسة، لذلك فإنها اختارت كتابة قصص أخرى عن الحب الورع، قصص تجعلها تتجاوز التعاسة المحيطة بها، وتقربها أكثر من الحياة كما تحب أن تراها.

نرشح لك

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل