كيف يرى الخبراء ومراكز البحوث هدف عجز الموازنة؟
"فاروس": ممكن.. لكن بإجراءات تقشفية مؤلمة
يمثل عجز الموازنة المصرية قضية شائكة، إذ إن السيناريو المعتاد دائما هو أن تتجاوز المعدلات النهائية للعجز مستهدفات الحكومة بنسب متباينة، تصل فى أفضل الأحوال إلى %1، وتقول وزارة المالية إنها تسعى لتحقيق عجز موازنة %9.9 فقط العام المالى القادم 2017 – 2018.
فى المقابل تباينت آراء رؤساء مراكز بحوث ومحللون اقتصاد ببنوك استثمار، حول إمكانية بلوغ المعدل المستهدف، إذ قال فريق منهم إنه ممكن بشرط فرض إجراءات تقشفية وصفها بعضهم بـ«المؤلمة والصارمة» لضمان السيطرة على معدلات الإنفاق، وزيادة الحصيلة الضريبية، ومواصلة خطة رفع الدعم تدريجيا عن الطاقة، بجانب اعتماد سعر واقعى للدولار، وبرميل البترول.
بينما رآى آخرون أنه مستهدف طموح، وأن المحقق الفعلى سيتجاوز المعدلات المتوقعة، فى ضوء وجود فجوة تمويلية قد تقوض الجهود الحكومية للسيطرة على الدين العام، وتدفع لمزيد من الاقتراض.
وتسعى وزارة المالية حاليا للانتهاء من إعداد مشروع موازنة العام المالى المقبل 2017/2018، بعجز كلى لا يتجاوز 9.9 %، بقيمة 400 مليار جنيه، من جملة الناتج المحلى الإجمالى المقدر بـ 4.1 تريليون جنيه، بحسب تصريحات سابقة لوزير المالية د.عمرو الجارحى.
كما تستهدف الحكومة العام المالى المقبل، الوصول لمعدلات نمو 5 % مع الاستمرار فى تطبيق برنامجها الإصلاحى، خاصة بعد انعكاس نتائج المراحل الأولى منه بشكل إيجابى على مؤشرات النمو للعام المالى الحالى والمتوقع بلوغها 3.8 % للنمو الحقيقى، بحسب مشروع موازنة العام المقبل.
كانت الحكومة المصرية اتجهت لتطبيق برنامج إصلاح اقتصادى واسع النطاق لإعادة التوازن للاقتصاد الكلى، بدأت المرحلة الأولى منه فى النصف الأول من العام المالى 2016 -2017، عبر تطبيق ضريبة القيمة المضافة المتوقع أن ترفع الإيرادات الضريبية بـ 32 مليار جنيه، وتطبيق ضريبة دمغة على تعاملات البورصة بـ 1.25 فى الألف للبائع والمشترى، وخفض دعم الكهرباء والطاقة بنسب تراوحت بين 30 : 70 %، وتحرير سعر صرف العملة المحلية، وذلك للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى قيمته 12 مليار دولار، لدعم المالية العامة والاقتصاد.
«الإجراءات التى سيتم من خلالها خفض عجز الموازنة إلى نحو 10 % إجراءات مؤلمة وتقشفية صارمة، تشمل تقليص الإنفاق على رواتب موظفى القطاع العام - 26 % من بند المصروفات-، وربطها بالإنتاجية، واستئناف الحكومة خطتها لإلغاء الدعم تدريجيا على الطاقة، وخفض مخصصات دعم الغذاء من خلال تحديث قاعدة بيانات الكارت الذكى، والتركيز على الضمان الاجتماعى والتحويلات النقدية»، وفقا لرضوى السويفى، رئيس قطاع البحوث بشركة فاروس المالية القابضة.
وصفت السويفى حجم الإنفاق بموازنة العام المقبل، المقدر من قبل وزارة المالية بأكثر من تريليون جنيه، مقارنة بـ 855 مليار جنيه بالطبيعى والمقبول، نظرا للزيادة التى شهدها سعر الدولار، والتى انعكست على الأسعار بشكل كلى، كما أنه يتوافق أيضا مع توقعات «فاروس» البالغة 1.2 تريليون جنيه، بنحو %30.9 من إجمالى الناتج المحلى.
وأكدت السويفى ضرورة اعتماد سعر الدولار فى الموازنة الجديدة عند مستويات لا تقل عند 18 جنيها، وذلك لوضع تقدير دقيق لبند الإنفاق فى الموازنة العامة، فيما يتعلق بواردات الحكومة السلعية خاصة البترول، والقمح.
وتعتمد مصر بشكل كبير على استيراد البترول والقمح، حيث سجلت واردات مصر البترولية العام الماضى ما قيمته 9.3 مليار دولار، بحسب إحصائيات مركز معلومات مجلس الوزراء، كما بلغت واردات القمح 13.9 مليار دولار خلال الربع الأول من العام المالى الحالى، بحسب بيانات البنك المركزى.
ورجحت السويفى تراجع معدلات التضخم بنهاية العام المالى المقبل، إلى 13.6 %، مقارنة بـ20 % مستهدف العام الحالى، مع تلاشى تأثير انخفاض سعر صرف الجنيه، وتعديل النمط الاستهلاكى، وارتفاع نمو الناتج المحلى الحقيقى.
وسجلت معدلات التضخم ارتفاعا سنويا تخطى 33 % فى فبراير الماضى، وفقا لبيانات البنك المركزى، ما يعد أعلى وتيرة تضخم منذ 30 عاما، بحسب إحصاء أجرته وكالة رويترز.
ورجحت ريهام الدسوقى، كبير الاقتصاديين ببنك الاستثمار أرقام كابيتال، إمكانية بلوغ عجز الموازنة النسب الحكومية المستهدفة، بشرط مواصلة خطة إعادة هيكلة الدعم بحسب البرنامج الاقتصادى الموضوع، وخفض أسعار الفائدة بنحو 3 % بنهاية العام المالى الحالى، بهدف تقليص معدلات الدين العام، ووصول معدلات النمو المحلى لمستوى 5%.
وتوقعت قيام الحكومة بطرح سندات دولارية مجددا العام المقبل، مؤكدة فى الوقت نفسه، أن هذا الإجراء يعتمد على حاجة الحكومة للتمويل، وتعانى مصر من فجوة تمويلية قيمتها 34 مليار دولار تنتهى بنهاية العام المالى 2018 – 2019، بحسب تصريحات حكومية سابقة.
وشددت الدسوقى على ضرورة اعتماد أسعار الدولار عند مستوى 17 جنيه، وبرميل البترول عند مستوى يتراوح بين 50 : 55 دولار، بموازنة العام المقبل، لوضع تصور شبه حقيقى لبند الانفاق.
كانت الحكومة قد اعتمدت سعر برميل البترول عند مستوى 40 دولار بموازنة العام المالى الجارى، وسعر الدولار عند 9 جنيهات، وهى أسعار لم يتم تعديلها منذ قرار تحرير سعر الصرف الصادر فى نوفمبر الماضى، رغم زيادة سعر برميل البترول بنحو 13 دولاراً، وسعر الدولار بنسبة 100 %، ما تسبب فى زيادة أعباء الإنفاق.
جاءت توقعات بنك استثمار برايم أعلى من المستويات الحكومية المعلنة بنسبة طفيفة، فيما يتعلق بعجز الموازنة ومعدلات النمو، حيث رجحت مى عاطف، محللة الاقتصاد ببرايم، تسجيل عجز موازنة بمعدل 10.9 %، ومعدل نمو اقصادى 4.9 %من الناتج المحلى الإجمالى، العام المقبل، مقارنة بتقديرات 14.5 % عجز موازنة، و3.2 % معدلات نمو بنهاية العام المالى الحالى.
وقالت إن توقعات تحسن معدلات عجز الموازنة، وزيادة النمو للعام المالى المقبل، تم وضعها بناء على ترجيحات حدوث تعافى اقتصادى يشمل زيادة حجم الاستثمار الأجنبى المباشر بنسبة 33 %، مدعومة بـاعتماد قانون الاستثمار الجديد، وتراجع معدلات التضخم، وخفض معدلات الفائدة بنهاية عام 2017، لمستويات تقارب ما قبل تحرير سعر الصرف.
ورجح التقرير تحقيق 8 مليارات دولار استثمارات أجنبية مباشرة، تتركز بشكل أساسى فى الاستثمارات البترولية، والتعدينية، والقطاع الصناعى، مقارنة بـ 6 مليارات مستهدفة العام الحالى، إلا أن تقرير برايم، أشار فى الوقت نفسه إلى ثبات مساهمة الاستهلاك فى معدلات النمو العام المقبل، لتسجل ما نسبته 3.5 %، وهى نفس النسبة المتوقعة للعام المالى الحالى.
وفيما يتعلق بسعر الدولار، أشار التقرير إلى أن سعره سيصل إلى 17.5 جنيه بنهاية عام 2017، ليصل إلى 15 جنيه بنهاية العام 2018.
وتقول إسراء أحمد، محلل الاقتصاد بمباشر انترناشيونال للاستثمارات المالية، إن السيطرة على عجز الموازنة، يرتبط ارتباطاً مباشراً بخفض الدين العام، محذرة فى الوقت نفسه من أن وجود فجوة تمويلية بنحو 34 مليار دولار، قد تؤدى إلى مزيد من الاقتراض، ما يمثل تهديداً مباشرا للمستهدفات المتعلقة بتحجيم الدين العام، ونسبة عجز الموازنة المستهدفة.
Comments