المحتوى الرئيسى

لغز الخبز! | المصري اليوم

03/18 22:19

اربطوا الأحزمة. لا مانع من حَبة مُهدِّئة. بعض التواضع ربما سيكون مفيدا. إذا كان فيما يلى جرح لأى مشاعر فإننى أعتذر منذ البداية. المسألة أن لدىَّ طبعاً لم أستطع التخلص منه، وهو عندما ترد فكرة ما إلى الذهن فإنها تظل مُلحَّة، تقفل الأبواب أمام أفكار أخرى، وتظل كذلك حتى تُكْتَب. هذا ليس بالمناسبة نوعا من التشويق وإثارة الاهتمام بالموضوع، الذى بدأ قبل أيام حينما كنت فى ضيافة الأستاذ يوسف الحسينى، فى برنامجه على قناة «أون. تى. فى»، وبينما أستعد للحوار المتميز إذا بالتليفزيون أمامنا يعرض مؤتمرا صحفيا للدكتور على المصيلحى، وزير التموين. كان المشهد جذابا، إلى درجة أننى والأستاذ «يوسف» استسلمنا للعرض، الذى كان مدهشا ليس فقط من زاوية الموضوع- الخبز- وإنما لأن وزيرا فى الحكومة المصرية يعقد مؤتمرا صحفيا لكى يواجه أزمة من نوع ما. كان الأمر واضحا أن «حريقة» من نوع لاسع قد ثارت بسبب الخبز، وأن الوزير اتخذ إجراء ما، وأن النتيجة فى النهاية لم تكن على مزاج الرأى العام، الذى خرج بعضه فى مظاهرات، وبعضه الآخر التزم أساليب حزب «الكنبة» الذى نعرفه، ولكن كان لديه من الغضب ما وجد فيه زملاؤنا الإعلاميون ما يكفى لكى يشنوا حملة كبرى على الوزير والوزراء، الذين لا يعرفون أهمية «الخبز» أو «العيش» لمَن لا يفهم. ما كان شائعا هو أن مثل هذا الموضوع لا يُمَسّ من قريب أو بعيد، أو هكذا تكون الحكمة. لفت نظرى تعبير «لا تعض رغيفى»، يمكنك أن تفعل أى شىء آخر، كما قيل، للإنسان المصرى ما عدا أن تمس رغيفه. العبارة قوية، وحينما يقولها الأستاذ عمرو أديب- متَّعه الله بالصحة والعافية (ألف سلامة لك يا أستاذ عمرو)- فإنها تعبر عن حالة من الارتجاج الكونى فى الدولة المصرية.

باتت القضية كبيرة مادامت أدت إلى مظاهرات، وعضّ الإنسان المصرى فى المنطقة الحساسة بمعدته، ولذا كان لابد من فهم الموضوع: لماذا جرى ما جرى؟! وفى الحقيقة فإننى لا أخفى إعجابى بالوزير، على المصيلحى، وكفاءته وتاريخه المشرف فى مواقع عدة قبل وبعد عهد الثورات، كما لا أخفى إعجابى بالطريقة التى أدار بها مؤتمره الصحفى، الذى يبدو أنه كان ناجحا إلى الدرجة التى أنهت الأزمة، أو هكذا تبدو الأمور، فمن خبرتى التاريخية فإن «لغز الخبز» ظل دوما من الألغاز المستعصية على مصر، فبعد أن كانت الوالدة- رحمها الله- تعد الخبز فى المنزل أثناء طفولتى الأولى، فإنه فى يوم لا أذكره حدث التحول العظيم بشراء الخبز بصورة دورية. ومن يومها، ومع ازدياد الوعى، وجدت أن الخبز صار واحدة من الإشكاليات المصرية الكبرى، التى تتردد بأشكال دورية، بعضها أزمات، وبعضها الآخر قيل ثورات الخبز كما جرى عام 1977. كانت هناك إشكاليات: الأولى أن الخبز ظل مدعوما من الدولة، وكان الدعم هو الفارق بين تكلفة الرغيف وسعر بيعه، وفى أوقات كثيرة لم تعد الموازنة العامة تتحمل. والثانية طريقة توزيع الخبز، أى الدعم، بحيث يصل إلى مستحقيه. كانت هذه وتلك ما جعل الخبز لغزا، لم نجد حلا له لزمن، ولكنه قابل دوما للظهور على السطح كما جرى منذ فترة قصيرة. وعندما بدأت فى بحث الموضوع وجدته أكثر تعقيدا مما تصورت، فقد كانت هناك بطاقات ورقية، وأخرى بلاستيكية، وثالثة ذهبية، باختصار غابة واسعة من الترتيبات المعقدة التى لابد أنها بطريقة أو بأخرى، وبحكم الذكاء المعروف لدى المصريين، تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه، كما آمل، فى الوقت المناسب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل