المحتوى الرئيسى

بين أغنية وسجن.. يحط الحمام

03/18 22:05

ليلة السابع من يوليو/تموز لعام 2015، مجموعة 65، المقر المركزي للمخابرات الحربية-مدينة نصر-القاهرة.

- مين فيكم يلا عاوز يبات في الزنازين النهارده؟ يرفع إيده.. وانت يلا.. مش عاوز تروح الزنازين؟!

- الزنازين أحسن يعني يا باشا؟

- قولى يلا: هنا أحسن ولا الزنازين؟

- الزنازين طبعاً يا باشا، على الأقل بشيل الغماية وأقرأ من المصحف.

- طب يالا قوموا.. لا.. انت خليك هنا.

محدثاً ضابطاً آخر: شايف الواد ده عنده 21 سنة، لكن تقرأ ملفه ولا واحد عنده 50 سنه ابن الـ..... 21 سنة وعملت كل ده يلا؟! شابوه ليك يلا، بجد شابوه ليك.

وضعت يدي المكبلتين بين ركبتي وتكومت على نفسي أختار وضع الجنين؛ كي أستطيع النوم بالأصفاد، هل أفرح بشهادة الضابط في الجهاز الذي يحكم البلد الآن، أم أنه نذير يدل على ما سألاقيه في الأيام المقبلة؟ ليكن ما يكن، كنت فى حالة البلادة.. تضيق بنا الأرض أو لا تضيق.. سنقطع هذا الطريق الطويل.

- خد يلا شدلك نفسين..

كان أحد الحراس، كانت كليوباترا حقيرة، حاجتي إلى نيكوتين وقتها كانت أشد وطأة، والناس تقول يا ليل، ولكل عاشق ليل.

وجدته بجواري على كرسي السيارة، همس لي: أنت جيت إزاي؟! أنا مجبتش سيرتك.

صرخات أحدهم تتعالى من التعذيب: باشا هو إحنا رايحين فين؟ - رايحين نصفيكم انتم الاتنين يا ابن الـ...

- يا فرج الله! لا يهم أن أهلي سيأخذونني جثة ملطخة بالدماء على رمال الصحراء، المهم أنني سأنجو، سأفرّ من هذا الجحيم إلى رحمة الله، ومن الدم المسفوك، أذرعة تناديني.. تعال!

ها هي الزنازين، زنازين السجن الحربي، همس لي أحدهم من كوة بابه: هما هيمشونا امتى بقى؟!

- الله أعلم، ادعي بس نروح أي سجن غير العقرب علشان نعرف نشوف أهالينا.

- أنا مش عاوز آخد إعدام، مؤبد ماشي، أنا مش عاوز أموت دلوقتي!

- أنا آخد إعدام ولا اتحبس يوم واحد، بس يتنفذ على طول!

بعد أقل من عام.. حُكم عليه بالإعدام وكان المؤبد من نصيبي، قد أرمى خلف الجدران، وتحن إلى قلبي وحناني، فانظر في قلبك ستراني، هل يقوى القيد على الفكرِ؟!

- عام وتسعة أشهر يا ماريا مروا على تلك الليالي، لا يمر منهم يوم إلا وذكراك لا تمل أن تؤرقني، أذكر حين جئت للسجن كنت مذهولاً حين تناولت زجاجة المياه، نعم شربت هكذا دون أن يقطر أحدهم المياه على جسده العاري قطرة قطرة كواحد من مشاهد السينما!

علمينا كيف نشدو، باقون مثل الضوء والكلمات لا يلويهما ألم وقيد.

تشير عقارب الساعة إلى التاسعة إلا 10 دقائق، قرص المنوم الذي كان يمنحني 8 ساعات من النوم، لم يعد يمنحني إلا 5 ساعات بالكاد، خسئ من قال إن السجن نصر! ثمة جسد أهلكه السجن، ثمة روح أوهتها، بعد الشوق إليها، تلك التي تسمى حرية.

ثمة أيام يشبه بعضها بعضاً، ثمة دخان يتصاعد من تلك السيجارة، ثمة تعايش مع الأمر الواقع، ثمة رفض للواقع، للسجن، للخنوع، للانكسار؛ ترى هل ننعم بالحرية يوماً، أم أنهم سيحكون عنا أنا قد أفنينا أعمارنا بالسجون؟ حينما سُتسأل عن عمرك فيم أفنيته؟ هل نجيب: في السجن يا رب؟ حتى لو تكرمت علينا وأذاقتنا من بحر وصالها رشفات، هل تظل الحرية وفية لنا يا ماريا؟ أم أننا لن نرى الوفاء إلا من القضبان؟!

حراس، ضباط، كشوف، زيارات.. وندخل في الحلم، ولكنه سيتباطأ كي لا نراه، وحين ينام حبيبي أصحو كي أحرص على الحلم مما يراه، وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي.. وأختار أيامنا.. بيدي.

زيارات، تريض، تعيين، تفتيشات، وحدوه، الحكومة في العنبر، اصحى لا يغفلونا، أحلى مسا عليك يا زميلي، كلابشات، يلا الزيارة، قيود، لقيا، فراق، شوق، قضبان، بعضها فوق بعض.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل