المحتوى الرئيسى

مصر أعطت درسًا في الشرف والكرامة لاسترداد آخر كيلومتر من أرض سيناء

03/18 19:54

قائمة الشرف ضمت 24 خبيرًا عسكريًا ودبلوماسيًا وأكاديميًا استكملوا ملحمة النصر

رسمنا على القلب وجه الوطن، نخيلاً ونيلاً وشعبًا أصيلاً.. وصناك يا مصر طول الزمن، ليبقى شبابك جيلاً فجيلاً، هكذا تغنى حماة الوطن من أبناء مصر الذين حافظوا على كل شبر من أرضها، وصانوا ترابها، حتى تحول الحفاظ على الأرض عندهم، كالحفاظ على العرض، واليوم هو ذكرى جديدة لملحمة عظيمة سطرها أبناء مصر بأحرف من نور، ليؤكدوا للعالم أنهم لن يتنازلوا عن شبر واحد من أرض مصر، فاليوم هو 19 مارس عيد تحرير آخر جزء عزيز من التراب المصرى على أرض سيناء، وهو عيد تحرير طابا فى 19 مارس 1989، عندما تم رفع العلم المصرى عليها وإعلان عودة التراب المصرى كاملا، وستظل قضية طابا الأولى من نوعها فى منطقة الشرق الأوسط،‏ حيث تمت تسوية نزاع حدودى بين إسرائيل ودولة عربية عن طريق المحاكم الدولية‏.

لقد نشأ نزاع العدو على منطقة طابا التى أطلق عليها «قضية العصر» فى أواخر عام 1981م خلال المرحلة الأخيرة من انسحابه من سيناء، ولكن الدولة المصرية أبت أن يُغتصب ولو شبر واحد من أرض الفيروز، واستخدمت الدولة المصرية كافة قواها الشاملة فى القضية التى دامت 7 سنوات حتى استعادتها مصر بالتحكيم الدولى.

وعندما نراجع الانسحاب الإسرائيلى من سيناء نجد أنه مر بـ3 مراحل، تمثلت المرحلة الأولى فى الانسحاب المباشر والتراجع إلى الخلف إثر حرب أكتوبر المجيدة التى دمرت خطوط العدو الأمامية، وتقدمت القوات المصرية فى أعماق سيناء، واستمرت هذه المرحلة حتى عام ‏1975 بتحرير المضايق الاستراتيجية وحقول البترول على الساحل الشرقى لخليج السويس‏.

فى حين كانت المرحلتان الثانية والثالثة من الانسحاب تطبيقا لبنود معاهدة السلام‏ التى وقعها الرئيس «السادات»، وحررت مصر خلال المرحلة الثانية 32 ألف كم2 بداية من خط العريش‏ - رأس محمد‏، وانتهت المرحلة فى يناير‏1980، وخلال المرحلة الثالثة انسحبت اسرائيل إلى خط الحدود الدولية الشرقية لمصر، وتم تحرير سيناء فيما عدا منطقة طابا التى حولتها إسرائيل إلى منطقة نزاع وحاولت فرض سياسة الأمر الواقع عليها.

ووفقا لنص معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فقد نصت المادة الثانية على أن ‏«‏الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هى الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب‏».‏ كما نصت الفقرة الثانية من المادة الأولى على أن‏‏ ‏«تسحب إسرائيل كافة قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب‏».‏

ويعتبر المثلث «طابا - العقبة - رأس النقب» مثلثا استراتيجيا فى العمليات العسكرية، حيث ترتكز قاعدة «طابا - رأس النقب» على الحرف الشرقى لوادى طابا، وتتحكم الرأس المطلة على الخليج فى الطريق الساحلى ومخرج الممر، كما أن هذا المثلث يمكن أن يمتد ليكون مثلثا آخر هو «العقبة - شرم الشيخ - السويس».

كما تقع طابا فى مواجهة الحدود السعودية فى اتجاه مباشر لقاعدة تبوك‏، لذلك فمن يسيطر على طابا يسيطر على رأس خليج العقبة، فيستطيع رصد ما يجرى فى كل من خليج السويس وشرم الشيخ ونويبع‏، ولهذه الأسباب حاول العدو الإسرائيلى تحريك بعض هذه العلامات داخل الأرض المصرية للاستيلاء على طابا.

ويؤكد اللواء بحرى أ. ح متقاعد حسن حمدى الخبير الاستراتيجى وعضو اللجنة القومية العليا لطابا، أنه كان لإسرائيل أهداف سياسية من السيطرة على طابا تتمثل فى كسر مبدأ الانسحاب من جميع الأراضى المحتلة، وأسباب اقتصادية تتجسد فى إنعاش مدينة إيلات المحرومة من مقومات السياحة، إضافة إلى هدف عسكرى تلخص فى التخطيط لمحور النقب - التمد- نخل - مضيق متلا، وذلك طمعا فى الوصول إلى شرق القناة.

استعدت مصر للجوء إلى التحكيم، فى حين أصرت إسرائيل أن يتم حل الخلاف بالتوافق للوصول إلى حل يرضى الطرفين، وتحقق أى مكتسبات فى أرض طابا، ونحو هذا الهدف انشأت إسرائيل فندق هيلتون طابا لترسيخ مبدأ الأمر الواقع، ولا يكون أمام مصر إلا قبول استمرار ملكية إسرائيل للفندق أو التسليم بحق الإسرائيليين فى الانتقال إلى منطقة طابا دون جوازات سفر كما طلبت بعد ذلك، إلا أن الإصرار المصرى أجبر إسرائيل على القبول بمبدأ التحكيم وأعلنت فى 13/1/1986 موافقتها على قبول التحكيم، وبدأت المباحثات بين الجانبين وانتهت إلى التوصل إلى «مشارطة تحكيم» فى 11 سبتمبر 1986 وهى تحدد شروط التحكيم، ومهمة المحكمة فى تحديد مواقع النقاط وعلامات الحدود محل الخلاف.

وانطلقت رسميا المعركة الدبلوماسية والقانونية المصرية الخالدة وتمسكت مصر بحصر مهمة هيئة التحكيم فى الإجابة على سؤال واحد مفاده أين الموقع الحقيقى لعلامات الحدود المتنازع عليها وعددها 14 علامة وأهمها العلامة 91؟.

وقد ضم فريق الدفاع المصرى 24 خبيرا بينهم ‏9‏ من أقطاب الفكر القانونى، من بينهم الدكتور وحيد رأفت نائب رئيس حزب الوفد رحمه الله ومفيد شهاب، إضافة إلى ‏2‏ من علماء الجغرافيا والتاريخ‏ منهم يونان لبيب، و‏5‏ من أكبر الدبلوماسيين بوزارة الخارجية بينهم نبيل العربى الذى كان يشغل رئيس الإدارة القانونية بوزارة الخارجية، و‏8‏ من العسكريين وخبراء المساحة العسكرية على رأسهم اللواء عبدالفتاح محسن مدير المساحة العسكرية.‏‏

وشكلت هيئة التحكيم من أكبر رجال القانون العالميين ‏وضمت‏ القاضى جانر لاجروجرين السويدى‏,‏ والقاضى بيير بيليه الفرنسى‏,‏ والبروفيسور ديتريش شندلر السويسرى.

وقدمت هيئة الدفاع المصرية آلاف الوثائق والمذكرات والأسانيد الجغرافية والتاريخية والقانونية، التى تؤكد حق مصر التاريخى فى منطقة طابا‏,‏ ومن بينها وثائق ترجع إلى عام ‏1274‏م، وكذلك التقرير الشامل الذى قدمه الكابتن «أوين» عن عملية رسم خط الحدود عام ‏1906,‏ وتم بمقتضاها توقيع اتفاقية‏ بين مندوبى الدولة العليا ومندوبى الخديوية الجليلة المصرية بشأن تعيين خط فاصل إدارى بين ولاية الحجاز ومتصرفية القدس، وبين شبه جزيرة طور سيناء‏، إضافة إلى مجموعة من الأسانيد والوثائق التاريخية من المندوب السامى البريطانى إلى الخارجية المصرية‏,‏ والمخابرات المصرية عام ‏1914‏ وتقارير مصلحة الحدود فى عام‏1931‏، كما زارت هيئة التحكيم بعض المواقع على الطبيعة فى سيناء.

وفى 29 سبتمبر 1988 أصدرت هيئة التحكيم التى انعقدت فى جنيف بالإجماع حكمها لصالح مصر، وأعلنت أن طابا مصرية، لكن إسرائيل التى خلقت لتحتل الأرض اختلقت أزمة جديدة فى تنفيذ الحكم، وقالت إن مصر حصلت على حكم لمصلحتها، ولكن التنفيذ لن يتم إلا برضا إسرائيل وبناء على شروطها، وأمام الموقف المصرى الصلب والواضح تلاشت كل الأوهام الإسرائيلية فى أن تملك موضع قدم فى سيناء، فطلبت إسرائيل إعطاءها مركزا متميزا فى طابا من خلال دخولها بدون تأشيرة دخول، فرفض أيضا.

Comments

عاجل