المحتوى الرئيسى

نور الدين يكتب: هل أصبح لزامًا علينا أن نتحدث الإنجليزية؟ | ساسة بوست

03/17 14:43

منذ 7 دقائق، 17 مارس,2017

«كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة، ومنطقها‪ ‬السليم وسحرها الفريد؟‪!

فجيران العرب أنفسهم في البلدان‪ ‬التي فتحوها سقطوا صرعى‪ ‬من سحر تلك‪ ‬اللغة».

هذا ما قالته المستشرقة الألمانيّة «زيغرد هونكه‪‬» في حديثها عن اللغة العربية

عادةً لا نرى جمال الأشياء التي نعيشها بشكلٍ دائم، كمن يسمع القرآن يوميًّا فقط لكونه القرآن. لا يقف عند آية ما همست له في قلبه جعلته يخفق من شدّة الإيمانِ مثلًا، كثرة سماعه له دون وعي واهتمام جعلته شيئًا من العادة، عادة فقدت كلّ محاسنها، عادةٌ انطفأ نورها الساطع.

وكذلك الحال مع لغة الضاد، باتت توحي فقط بجهل من ينطق بها وأنه من العصور الوسطى! أصبحت اللغة الإنجليزية بالنسبة للفرد العربي أقوم وأفضل من لُغته الأم.

حقيقة لا أعلم كيف وصلنا إلى هذا الحد؟

هل أصبح واجبًا علينا أن نتحدث لغة غير لُغتنا لننجرف مع التيار؟ أم أننا نجهل حقًا هُويتنا؟

في عام 2014 قام معهد الخدمات التابع لوزارة الخارجية الأمريكية بعمل دراسة مُفصّلة عن اللغة العربية مقارنًة بباقي اللغات، وانتهت هذه الدراسة الى أن لغة الضاد هي أصعب لغة في العالم من حيث التعلّم! وأنها تحتاج من الشخص حتى يصبح متوسطًا فيها سنة وتسعة وستون يومًا دراسة مُتواصلة، هذا إذا أراد الشخص أن يكون فقط جيّد القراءة والكتابة العربية، بينما اللغات الأخرى فتحتاج في تعلّمها إلى 23 : 24 أسبوع فقط!

الأمر الذي لفت انتباهي هو أن اللسان العربيّ لديه القُدرة على نُطق حروف وكلمات جميع اللغات في حين أن كل شعوب العالم لا تقدر أن تنطق كل حروف لُغة الضاد، دائمًا ما يجد غير العربي صعوبة في نُطق العين،والخاء،والحاء،والضاد

فينطق (ألي) بدلًا من (علي) و(هسام) بدلًا من (حُسام) وقس على ذلك الكثير، ولكن اللسان العربيّ بإمكانه أن ينطق العين والألف، الخاء والكاف،الحاء والهاء.

كنت قرأت إحصائية قامت بها منظمة اليونسكو عن اللغة العربية انتهت إلى أن اللغة العربية تحتوي على ١٢ مليون كلمة مقابل 600 ألف كلمة إنجليزيّة!

وليس هذا ما يجعل لغة الضاد أصعب لُغة في العالم من حيث التعلّم، بالطبع لا لكثرة كلماتها، لكن إذا كنت شخصًا  عربيًّا تريد تعلّم الإنجليزيّة، كل ما عليك فعله هو حفظ كلمات وربطها حتى تُكوّن جُملًا ومن ثمّ تُمارس اللغة،ويبقى النُطق وهذا سبق ذِكره لأنك لن تجد كلمة لا تستطيع أن تنطق حروفها كما هي.

بل ما يجعلها صعبة في حقيقة الأمر هي أن غير العربي الذي قرر أن يتعلّم العربيّة عليه أن يغيّر حال لسانه تمام التغيير! فيتدرّب مرارًا وتكرارًا على حرف عين حتى يخرج عينًا لا همزة ويتدرب على حرف الخاء حتى يخرج خاء صحيحة لا يخرج كافًا إلى آخره.

هذه المقارنة الواضحة الجليّة لا تحتاج إلى تفصيل منّي أو تعليق، فقط اعلموا أن لُغتكم تستحق أن تفخروا لكونها لُغتكم وأنتم أهلها.

«اللغة جزء من الهُويّة، والحفاظ على اللغة هو الحفاظ على الهويّة»

في أحد المؤتمرات في ألمانيا قام صحفي جريدة ما يسأل الوزير الألماني سؤالًا، وطلب منه فضلًا أن يُجيب عليه باللغة الانجليزية، الجُملة التي جعلت الوزير ينزعج تمامًا!

قال له أنت هنا في ألمانيا، وأنا وزير ألماني، وهذا شعب ألماني، وتُريد أن أجاوب بالإنجليزية؟ أي منطق هذا! وأكمل حديثه قائلًا يمكننا أن نتحدث الإنجليزية على هامش المؤتمر ونحن نشرب كوبًا من الشاي، ولكن الآن هذا مؤتمر ألماني يجب عليك أن تتحدث بلُغتنا، أنت هنا في ألمانيا! أنت هنا في ألمانيا! أنت هنا في ألمانيا!

«اللغة العربية مستودع شعوري هائل يحمل خصائص الأمة وتصوراتها وعقيدتها وتاريخها، ويبقى تعلم اللغات الأخرى حاسة إضافية ضرورية للعربي المعاصر، مع الحذر أن تلغي حواسه الأصلية أو تكون بديلًا عنها»

قد تكون ردّة فعل الوزير غريبًة نوعًا ما بالنسبة للكثير، ولكنها في نظري أفضل درس في الحفاظ على الهُويّة وتقدير اللغة وتاريخها.

كان من السهل عليه أن يجيب على الصحفي باللغة الإنجليزية، بل كان سيظهر في صورة الوزير المتحضّر المتعدد الثقافات واللغات! ولكنه طَرَح كل هذا أرضًا وأراد أن يعطي هذا الصحفي درسًا أن التمسك باللغة هو التمسك بالهُوية هو التمسك بالتاريخ!

بيد أن تعلّم اللغات مُفيد في أشياء كثيرة، لكن لا تجعلوها تطغى على حواسنا، لا تجعلوها تقضي على ما بقى ما تاريخنا وهُويّتنا، بالأحرى لا تنجرفوا معها.

فمن الغريب يا صديقي أن تكون عربيّا وأنا عربي في بلد عربي ونتحدّث لُغة أخرى فقط لكونها لغة العصر والتكنولوچيا!

وأن من لا يُتقنها جاهل، في الحقيقة الجاهل هو من لا يُتقن لُغته الأم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل