المحتوى الرئيسى

سر إنتحار أم تحب أولادها

03/16 23:09

أخذت ألطاف نفساً عميقاً، قبل أن تستجمع قواها لتلتقط طبنجة روسية، لم تكن لها فائدة فى بيت زوجها وابن عمها، كساعة الحائط متوقفة منذ زمن، قبل أن تخطر ببالها فكرة أن تصور بعض الفيديوهات لأحبابها، لتترك السلاح لبعض الوقت.

تسللت إلى غرفة أبنائها لترمقهم بنظرة طويلة ستكون الأخيرة، بعدما قررت أن تفترق عنهم، متمنية أن تقابلهم فى حياة أخرى أفضل، ليس فيها حزن ولا شجن، وكان الشيطان قد وسوس لها أن تصطحبهم فى رحلتها الأخيرة ليواجهوا الموت معاً قبل أن تقرر أن تعطى لهم فرصة السعى فى الحياة لربما وجدوا معيشة أفضل.

طبعت قبلة على جبين طفلها الأكبر وغطته ببردته التى كان نصفها على الأرض، ذلك الطفل الذى لم يتجاوز عمره 7 سنوات والذى تشتكى حوائط البيت من فرط حركته، واتجهت لابنتها الوسطى وطبعت نفس القبلة على جبينها، قبل أن تتجه إلى طفلتها ذات الخمسة أشهر التى حينما أرادت الأم تقبيل يدها أمسكتها بأناملها الصغيرة وهى نائمة كملاك، لتغلبها دمعة، لم تُثنِها عن قرار الرحيل.

فأعدت كاميرا الموبايل وسجلت ثلاثة مقاطع فيديو صورتها لنفسها، كانت الرسالة الأولى لشقيقها الذى فرقت بينهما القضبان بعد أن حكم عليه فى قضية جنائية بعشر سنوات سجن، فى مشاجرة ببلدتهم الصعيدية وقالت له «ماتزعلش منى كان نفسى تحضر جنازتى السجن أخذك منى يا أخويا.. لما تخرج بالسلامة سامحنى وخلى بالك من أولادى.. الحياة من غيرك ماكانش ليها لازمة»، أما الرسالة الثانية، فهى لزوجها أحمد، الذى أبعده عنها السعى وراء لقمة العيش فى إحدى الدول العربية منذ 7 أشهر، قالت له: «يا أحمد ارجع للأولاد.. وخلى بالك منهم دول الباقيين من ريحتى.. لو عايز تتجوز مش هزعل بس اختار واحدة تكون حنينة عليهم».

والرسالة الأخيرة كانت لأطفالها الثلاثة، فقالت لهم بصوت ممتلئ بالدموع: «حبايبى كنت عايزة آخدكم معايا بس قلت أبوكم هيخلى باله منكم.. حبوا بعض واتعلموا أحسن تعليم».

وعادت فأمسكت مرة أخرى الطبنجة الروسى، بيدها المرتعشة، شدت الأجزاء، وأطلقت رصاصة فى رأسها من الجهة اليمنى اخترقت مخها وخرجت من الجهة اليسرى، دون أن تنزف أى دماء، وسقط جسدها على الأرض.

فزعت قرية ميديوم بالأخص الغنيمية ببنى سويف، وهرع الجيران إلى بيت حرمبش الذى يقبع بجوار النقطة، منزل ذو أعمدة كبيرة، لم يشع عن العائلة إلا الجود والكرم والشهامة.

فقبل أن يصل الجيران، استيقظ أهل البيت وكان أولهم محمد، الذى كلّ متنُه من الطرق على باب منزل شقيقه، فقرر أن يكسر الباب ويقتحم غرفتها، فوجد «ألطاف» زوجة أخيه، صريعة، والسلاح بجانبها.

وجاء والد زوجها وأهل البيت، وجاءت قوات الشرطة ومأمور القسم، وعاينت النيابة التى لم تصدق فى أول الأمر أن يكون الحادث انتحاراً وأن القضية جنائية، قبل أن يسلم والد زوج المنتحرة الفيديوهات إلى وكيل النيابة.

فى المستشفى الذى خرجت منه «ألطاف» إلى مثواها الأخير ليواريها الثرى، اتشح محيط مستشفى الوسطى العام باللون الأسود، فكل الحضور يبدو عليهم الوجوم لا يصدقون أن امرأة صعيدية فى مقتبل العمر لديها 3 أبناء، تقدم على الانتحار رمياً بالرصاص دون أسباب معروفة.

فتوجه وكيل النيابة إلى المستشفى ليبحث عن رواية أخرى لدى عائلة ألطاف بعيداً عن عائلة الزوج التى انتحرت فى بيت أبيه، إلا أنه لم يجد أى قصة أخرى، فهما فى نهاية المطاف عائلة واحدة.

فأخرج الهاتف المحمول الذى يحوى الرسائل الثلاث، وسمح لوالدها المسن الذى بدت عليه علامات الحزن الشديد والتماسك فى نفس الوقت، بمشاهدة مقاطع الفيديو، فقال: إذن ابنتى انتحرت.

وأمام النيابة قال عبدالعال حرمبش، والد زوج المنتحرة: إن ألطاف كانت متدينة ومهذبة، وأنها لم تكن تعانى من أى اضطرابات نفسية، مضيفاً أنها قبل حادث الانتحار قد أجرت كشفاً طبياً حيث ظهرت فيه بصحة جيدة، وأخذ فى مدحها، مؤكداً أنها كانت تحافظ على بيته ويستعين بها فى تجارته وحساباته، لأنها كانت أمينة على أسراره وكاتمتها.

ليسأله ممثل النيابة عن تفاصيل الحادث ليرد «سمعنا يوم الجمعة الساعة السادسة صباحاً، إطلاق نار وعثروا على جثة ألطاف، وجدوها أطلقت الرصاص على نفسها ومانزلش منها ولا نقطة دم».

وقال ويداه ترتعشان: «وقت الحادث أنا شكيت فى عيالى، وأول واحد شكيت فيه ابنى اللى كسر عليها الباب لكن لما لقيت التليفون متسجل عليه 3 فيديوهات، قدمته لوكيل النيابة، الأمر الذى حسم أمر انتحارها وأنهى الشكوك أن تكون الحادثة جنائية».

أهم أخبار حوادث

Comments

عاجل