المحتوى الرئيسى

عفواً .. أوروبا ليست وصية على تركيا أو غيرها

03/16 15:36

اقرأ أيضا: إنجازات أردوغان " المسكوت " عنها متى يعلنون وفاة العرب ؟!!! عصام دربالة صوت العقل الذى رحل شيماء قتلتها النحافة !!!! المجتمع المصرى وأزمة الهوية

الجدل بشأن التعديلات الدستورية التركية ، التي من المفترض أن يتم الاستفتاء عليها في السادس عشر من أبريل نيسان المقبل ، رفضاً أو قبولاً ، أمر يعكس المكانة الإقليمية والدولية الهامة التي باتت تحتلها تركيا بعد عقود من السجن داخل حدود الأناضول بفعل عوامل داخلية وخارجية .

من هنا يمكن تفهم ما ذهب إليه الزميل العزيز الأستاذ / فراج إسماعيل ، من رفض التعديلات ، في مقاله بجريدة المصريون والذي حمل عنوان " تعديلات إردوغان والاستبداد " ، لولا أن المنطلقات التي انطلق منها لتعزيز وجهة نظره الرافضة تحتاج إلى مزيد من الشرح والنقاش .

الفكرة الأساسية التي برزت في أكثر أجزاء المقال هو التنظير لمشروعية الموقف الأوروبي الرافض للتعديلات ، والذي ينظر إليه المقال باعتباره "حقها وليس تدخلا في شأن لا يخصها كما يعتقد كثيرون " كما أن لدى أوروبا " قلق فعلي من ردة إلى الخلف تسبب الفوضى والضعف سيما أن الشعب التركي متنوع ومنقسم وكانت الديمقراطية الجامع الأقوى له تحت سقف برلمان يملك الصلاحيات التي يدير بها الدولة " 

ولا أدري متى امتلكت أوروبا " الاستعمارية " هذا القلب الحاني ، الذي جعلها تفزع لمجرد " الظن " أن تعديلات في دولة ذات سيادة واستقلال ، وخارج نطاقها السياسي من الممكن أن تقود إلى نظام استبداد ، مع أن ذات الدولة – وأعني هنا تركيا – تعرضت لعدد من الانقلابات السابقة متنوعة الأساليب ، وأقدم أحدها على إعدام رئيس الوزراء " المنتخب " عدنان مندريس عام ١٩٦١ ، ولم نسمع لأوروبا همساً ولا ركزاً ، بل أثبتت الوثائق المفرج عنها مؤخرا من وكالة المخابرات الأمريكية أن واشنطن كانت على علم مسبق بالانقلاب !!، ولا يمكن أن ننسى كيف حبست القارة العجوز أنفاسها ليلة الخامس عشر من يوليو تموز الماضي انتظاراً لما ستسفر عنه محاولة الانقلاب الفاشل ، ولم تتحرك بالإدانة إلا عندما أسفر صباح اليوم التالي عن فشل ذريع ، وبالرغم من ذلك فإن هذا القلب " الحاني " لم يستح من إيواء بعض العناصر المشاركة في الانقلاب ، حيث ترفض اليونان حتى الآن تسليمهم إلى تركيا ، بل وتألمت عواصم أوروبية لإجراءات محاكمة الانقلابيين ولم يطرف لهم جفن تجاه حوالي ثلاثمائة شهيد من الأتراك تم دهسهم بالدبابات والمجنزرات ، وقتلهم بكل وحشية .

كيف يمكن أن أقتنع أن أوروبا حريصة على المسار الديمقراطي في تركيا ، أو غيرها ، وهي التي دعمت طغاة كباراً أمثال القذافي ومبارك وبن علي وغيرهم ، ومازالت تدعم بشار الأسد وأمثاله ، بل لم تجد غضاضة من الاصطفاف خلف الثورات المضادة في المنطقة، التي كانت سبباً رئيساً وربما أوحد ، لدخول المنطقة إلى نفق مظلم وتحول سكانها إلى لاجئين ومشردين ، يجري انتهاك آدميتهم على الأسوار الشائكة التي أقامتها دول أوروبا " المتحضرة " منعاً لمرورهم ، أو يموت منهم الآلاف في عرض البحر أثناء مغامرة هروب غير مأمونة العواقب .

ولولا الدعم اللامحدود الذي قدمته أوروبا ، إلى الثورات المضادة ، لبقى أمثال هؤلاء في بلادهم أعزة كرماء . 

الحقوق التي يمنحها المقال لأوروبا للتدخل في الشأن الداخلي لدولة ذات سيادة واستقلال ، أمر لا محل له من الإعراب مع تركيا بصفة خاصة لأن عينها ليست مكسورة كما يقول المثل العامي ، وهذا ما قاله لهم الرئيس أردوغان في خطاب جماهيري منذ أيام ، حيث أكد أن بلاده سددت ديونها بالكامل إلى صندوق النقد بل وأقرضته فلم يتدخلون الآن في شأنها ؟! والتساؤل من عند أردوغان وليس من عندي .

كما أن تركيا وريثة امبراطورية من أعظم الامبراطوريات التي شهدها التاريخ الإنساني وتمتلك من المقومات التاريخية والبشرية والثقافية والجيوسياسية ما يجعلها تحتل مكانتها في " متن " حركة التاريخ وليس مناطق " الحواف " أو " الهوامش " أو أن تتحول إلى إحدى جمهوريات الموز التي تدار بوساطة سفارات الدول الكبرى وأجهزتها الأمنية .

إن من الخطأ البين الدفع بخطأ التحول إلى النظام الرئاسي، ( وأسجل هنا أنني كنت مصطفاً مع خيار النظام الرئاسي أثناء إعداد دستور ٢٠١٢)  بالخوف من عودة الديكتاتورية  قياس للواقع التركي الحالي على المجتمعات العربية ، فالفرق الجوهري بين الواقعين هو وجود مجتمع مدني فعال ، في الأول وانعدامه في الثاني ، فتركيا حققت خلال الخمس عشرة سنة الماضية طفرة هائلة في مجال العمل الأهلي ، والتي تمكنت من إحداث حراك هائل داخل المجتمع التركي على جميع الأصعدة الثقافية والخدمية والدعوية والفنية .. إلخ ، توازى معها اهتمام كبير من الدولة بالإنفاق على مجالي التعليم والصحة ما انعكس إيجاباً على المواطن وفعاليته داخل المجتمع ، وقد ظهر ذلك بالوضوح بالتحرك السريع للشعب التركي لمواجهة الانقلاب لأول مرة في تاريخه ما أدى إلى دحره بعد ساعات قليلة ، كما أن الدولة التركية تتمتع بنظام حكم لا مركزي كبير عن طريق البلديات المنتخبة ، والتي تعد انتخاباتها الأشد شراسة بين مجموع الاستحقاقات الانتخابية التي عاينتها بنفسي .

كما أن تركيا تتمتع بصحافة قوية تمارس حقها في النقد وكتابة ما تشاء ، وتحسب لها الحكومة ألف حساب ، إضافة إلى أن جهاز القضاء في طريقه إلى التعافي بشكل نهائي من إرث مأساوي تحول معه إلى أداة سياسية استخدمت في الماضي لحلِّ الأحزاب ، وسجن قادتها وحرمانهم من العمل السياسي ، كما حدث مع أردوغان نفسه ، ومن قبله مع أربكان وديميريل وغيرهم.

 ضمان عدم عودة الطغيان ، لا يكون إلا بإنشاء أدوات مجتمعية تتمكن من الحيلولة دون ذلك ، وهو ما اجتهد حزب العدالة والتنمية في إيجاده على مدار خمسة عشر عاماً ونجح فيه نجاحاً كبيراً ، حتى إنه وبالرغم من المكانة الهائلة التي بات يتبوأها أردوغان في مسار تاريخ الجمهورية التركية ، إلا أن الشعب لم يمنحه " تفويضاً " أو صكاً مجانياً لإتمام رؤيته ، بل يجوب أردوغان الآن الولايات المختلفة ومعه رئيس الحكومة بن علي يلدرم وبقية الوزراء ، من أجل إقناع الشعب بأهمية هذه التعديلات .

لنكن أكثر صراحة ووضوحاً ، إن مشكلة أوروبا الأساسية مع أردوغان ليست الخوف من تحوله إلى ديكتاتور فهؤلاء ما أسهل السيطرة عليهم !!، ولكن من مشروع "الإحياء" الذي يعمل أردوغان على إتمامه والقائم على أسس واضحة أهمها استعادة الهوية ، والتخلص من الوصاية الخارجية ، والقضاء على ترهل الجهاز الإداري للدولة وبعثرته وتخلل الفساد بين جنباته ، ومحاربة التنظيمات السرية والانفصالية ، وبناء دور إقليمي جديد للدولة التركية يتناسب مع تاريخها ومكانتها .

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل