المحتوى الرئيسى

ما تبقى من ميراث فنان الشعب في ذكرى ميلاده - ثقافة وتراث

03/16 15:18

كتب : نيفين سراج الدين

إسطورة ولدت في حي التراث

مكان له تاريخ شهد ميلاد فنان صنع تاريخ , كوم الدكة من أقدم أحياء مدينة الإسكندرية متفرع من أقدم شوارع الإسكندرية شارع فؤاد

شهد حي كوم الدكة ميلاد فنان الشعب سيد درويش ففي هذا الشهر تحل ذكرى ميلاده _ ولد  في 17 مارس عام “1892 وتوفي 1923 _, به ترعرع وأبدع أعظم ألحانه التي أصبحت ميراث تتناقله أجيال وراء أجيال فقد ترك مايزيد عن 250 إبداع لحنيا   تنوعت بين الموشحات والأدوار إضافة إلى الأغاني الوطنية وحاولي  20 أوبريت.

حيث بدأ الشيخ سيد تظهر مواهبه الموسيقية بعد أن تعلم قراءة القرآن و أصبح مؤذنا لمسجد الشوربجي و في حي التراث “كوم الدكة  مسقط رأسه كان يجد لذة في الاجتماعات الشعبية في الحي و كان يلقي بعد القصائد و يرتل القرآن نظير مقابل مادي رمزي للتسلية المدعوين و هذا بحسب ما ورد في كتاب ” إدوارد لويس في كتابه “سيد درويش و الموسيقى العربية الحديثة”

تزوّج وهو وفى السادسة عشرة من عمره فأصبح مسؤولاً عن إعالة أسرة كاملة وتوفير متطلبات الحياة له ولغيره ممن يتحمّل مسؤوليتهم، فعمل فترة قصيرة مع الفرق الموسيقية وجوقات الأفراح ولكن لم يحالفه الحظ فاضطر إلى تكسُّب رزقه كعامل بناء، لكن لم يستطع أن يترك عشقه الأول الموسيقى و تعرف على الأخوين أمين وسليم عطالله، صاحبى إحدى الفرق المسرحية الشهيرة فى الشام و من خلال رحلاته إلى بلاد الشام تعرف و تتلمذ على الموسيقى العراقى الشيخ عثمان الموصلى الذي لقب بشيخ الموسيقيين العرب، وعلى أيدى عدد من فنانى وأساتذة الموسيقى فى الشام

رابط على اليوتيوب لتسجيل نادر للشيخ عثمان الموصلي

و بعد عودته إلى مصر أحدث نقلة في الألحان و الأغاني  فكانت كثير منها مقاوم للاحتلال في ذلك الوقت حيث كان سيد درويش من المجددين في الموسيقى في وقته وكان أغانيه ليست على قوالب و النمط السائد في ذلك الوقت  وعبرت أغانيه عن طبقات الشعب الكادح و و جاءت الألحان بسيطة يمكن أن يتغنى بها العامة  و منها “أنا هويت وانتهيت  , “اهو ده اللي صار” ,”زوروني كل سنة مرة”,”الصهبجية”, “محسوبكوا انداس”  و العديد من الأغاني و التوشيح و الأوبريتات

فكما يوضح محمد قابيل في كتابه“الأغاني الحلوة و الأغاني المرة و أساليب التلحين العربي “-عن سيد درويش أنه استخدم في أعماله المسرحية والغنائية ما يعرف بالأسلوب التعبيري في التلحين كما لحن أغنيات يشارك فيها أصوات عديدة مثل “ياحلالك يابلالك بيها يا حلالها يا بلالها بيك” فمسرحه كما يذكر المؤلف تعبيرا عن المعاني بالنغم العربي

على هذا الرابط على موقع يوتيوب تجميع لبعض أعمال سيد درويش من اوبريتات و ادوار و أغاني

سيد درويش و المسرح الغنائي

لا يخلو كتاب يتحدث عن تاريخ المسرح المصري في الربع الأول من القرن الماضي إلا و يذكر فيه إسم سيد درويش كأحد رواد المسرح الغنائي بعد الشيخ سلامة حجازي و الذي كان الرائد الأول في هذا القالب الفني في مصر

كان لثورة 1919 -و التي شاركت فيها جميع طوائف الشعب بقيادة سعد زغلول – دور في  التأثير على الحركة المسرحية

فلم يكن أمام الفرق المسرحية إلا أن تسير مع الثورة فقد وجدت الثورة وقودها من الأغاني التي يمكن بها خلق مسرح غنائي يواكب هذه الثورة و كان من له الفضل في نهضة المسرح الغنائي الشيخ سيد درويش و هذا حسب ما ورد في كتاب”المسرح و التغيير الإجتماعي في مصر  تأليف دكتور كمال حسين     تقديم مختار السويفي ”

حيث وجد سيد درويش نفسه في الثورة المصرية بعد أن كاد يقتله الركود في فرقة جورج أبيض و فرقة سليم عطا الله و انضم اليه نجيب الريحاني وبديع خيري بعد أن جرفهم تيار الثورة”

حيث قدمت فرقة الريحاني  اعمالا استعراضية تشعل الثورة و تغذي الوعي مثل استعراض “قولوله”  و “كشكش بيه” و “إش ” و لا ننسى ذكر دور أغاني و موسيقى سيد درويش في هذه المسرحيات  و من اشهرهم استعراض في مسرحية  “إش” وفي نفس المسرحية تغنت أغنية “قوم يا مصري ”

كما لحن لفرقة علي كسار” راحت عليك ولسه” “وأم أربعة وأربعين “والبربري في الجيش” والهلال   وجزء من “أوبريت الانتخابات” ولحن لفرقة منيرة المهدية كلها يومين والفصل الأول من أوبريت كليوباترا وأنطونيو ولحن لأولاد عكاشة الدرة اليتيمة .

و أيضا كان لتعاون بديع خيري في كتابة الأوبريتات مع سيد درويش و نجيب الريحاني أثره على إثراء الأوبريتات المسرحية في تلك الفترة و من أبرز الأوبريتات التي قدمها بديع خيري

العشرة الطيبة ,الفلوس , البرنسيس , مجلس الأنس.

رابط أوبريت العشرة الطيبة على اليوتيوب

كان الأوبريتات و مسرحيات هذه الفترة نوع من رفع الوعي للشعب المصري و التنديد بالاحتلال و تشعل حماسة الشعب في مواجهة المحتل حيث كان للمسرح دور واضح في الحياة الإجتماعية.

إذا تجولت بين دروب و أزقة هذا الحي ستجد قهوة تحمل اسم “سيد درويش ” و تعلوها صورته تخليدا له على حد قول مالك القهوة و قد تجد أحاديث جانبية للرواد القهوة عن الزيارات اليومية من مختلف الجنسيات لهذا الحي لما يحمله من بعد تاريخي و ثقافي

و عندما تتجاذب معهم أطراف الحديث خاصة كبار السن منهم من عاصروا هذا الفنان عائلتهم تجد علامات السعادة و الفخر وهم يتحدثون عن ذكرياتهم عن هذا الفنان و عائلته ,و منهم من يؤكد أنه كان يجلس على هذا المقهى و آخرون ينفون مؤكدين أنه فقط تحمل اسمه تخليدا لذكراه

مرتديا قبعة تشبه قبعة ” الخواجة” بدأ شعبان حمزة حديثه مفجرا مفاجأة عن أسماء المقاهي داخل الحي التي تحمل إسم فنان الشعب أن أغلبها أنشأ بعد وفاته وتحديدا بعد ثورة  و 1952 و أن المقاهي القديمة التي كان يجلس عليها بالفعل سيد درويش أسفل الحي و هما “مقهى  حافظ” و ” مقهى دكة الدرويش ” و مضيفا أن أغلب رواده الآن من الصعيد و النوبة .

و هذا  يدفعك الفضول  إلى أن تسأل وتبحث بشغف عن منزل هذا الفنان الذي تشم رائحة فنه في كل ركن من أركان هذا الحي

أين منزل “سيد درويش” بعد مرور أكثر من 100 عام على وفاته

“لا وجود للمنزل سيد درويش الآن  ” أحد الأطفال من سكان الحي مشيرا إلى مكان وجود المنزل

فمنذ أكثر من عشر سنوات تم هدم منزل سيد درويش و أصبحت القمامة هي الساكن الوحيد به و كل ماتبقى لافته بالقرب من المنزل المهدم كتب عليها “شارع سيد درويش,كوم الدكة سابقا”

أما عن منزل أولاده وأحفاده و الذي يقع في نفس الحي بشارع “الوردي” كان يسكن فيه محمد البحر درويش والد الفنان ايمان البحر درويش ولكن بعد وفاة محمد البحر وزوجته والدة إيمان البحر درويش أغلق المنزل منذ تسع سنوات على حد قول سكان العمارة التي كان يسكن فيها عائلة البحر و مؤخرا هدم منزل العائلة ضمن سلسلة هدم المباني التي تشهدها الإسكندرية لكن هنا بالتراضي بين سكان العقار و الملاك

ريتاج طفلة تسكن أمام منزل فنان الشعب أطلت برأسها  من الشرفة المطلة على المنزل المهدم بجوار والدتها  تتأمل القمامة التي أصبحت هي الساكن الوحيد لحطام هذا المنزل و كأن لسان حالها يقول ماذا تبقى ينتظر جيلي من تراث فنان حفر إسمه في تاريخ مصر بإبداعه

فقد أوضحت والدة ريتاج أن المنزل تم هدمه منذ فترة طويلة فقد كان يسكن المنزل أسرة لا تنتمي بصلة قرابة للفنان الشعب و المنزل هو ملك ورثة عائلة الشيتوي من سكان منطقة كوم الدكة و ملاك قهوة الشيتوي

و في السياق قص عبدالسلام محمد صاحب ورشة و من سكان حي كوم الدكة  المراحل التي سبقت هدم المنزل , موضحا أن المنزل كان في البداية كان يسكنه رجل مسن ونجله يدعى “عم عبد الله” ثم بدأ جدار المنزل يتشقق بعد ذلك سكن المنزل ساكن آخر يدعى فوزي و مكث فترة يعاني من المرض بعد تشقق السقف أكثر ورغبة ملاك العقار إخراج سكان المنزل و حدث هذا بعد نزاع إنتهى بإستخراج مالك العقار قرار بالهدم .

و عن فكرة تحويل منزل سيد درويش للمتحف الذي ت تداولته وسائل الإعلام قبل الهدم بعدة سنوات أضاف عبد السلام أن هذا بالفعل كان حديث متداول لكن لم ينفذ و كانت يقام هنا حفلات لإحياء تراث فنان الشعب للكثير من المطربين  و منهم حفيده الفنان إيمان البحر درويش الذي كان يريد أن تحويل منزل جده إلى متحف يحمل مقتنياته لكن لم تنجح جهوده لإقناع مالك العقارو كنا نتمنى بالفعل أن يقام متحف يحمل مقتنيات سيد درويش خاصة أن هذا الحي يعتبر مزار سياحي لقيمته الثقافية و التاريخية .

بينما قال حسن البحر درويش –أستاذ بكلية هندسة جامعة الإسكندرية و الحارس القضائي مع إبن عمه الفنان إيمان البحر درويش على تراث جدهما- أن لديه اسطوانات و مقتنيات نادرة لجده كان يحلم أن يحول منزله متحف يحوي هذه المقتنيات و بالفعل حاولوا التفاوض مع مالك العقار – ورثة السيد الشيتوي أحد سكان الحي و مالك قهوة الشيتوي- لكنه أصر على الهدم .

على الجانب الآخر قال محمد الشيتوي إنه لم يأتي أحد من أسرة البحر للتفاوض معه بشأن منزل سيد درويش و أنه أراد الهدم للإستفادة من الأرض في بناء عقار سكني و قد استخرج أوراق قانونية للهدم من الحي و تم الهدم

وعن القمامة التي أصبحت تملأ الأرض أضاف الشيتوي أنه حاول أكثر من مرة رفعها و قام بناء سور يحيط بالأرض لمنع إلقاء القمامة بها لكن لم تفلح جهوده.

بينما قالت داليا عزت – مفتشة آثار و مسؤولة الوعي الأثري غرب الإسكندرية- أن التراث في القانون حتى يصبح أثريا يجب أن يمر عليه أكثر من 100 عام حتى يدخل في المباني الأثرية و لذلك قد يكون مالك العقار استخرج قرار الهدم قبل مرور ال100 عام على وفاة الفنان.

على الرغم من أنك عندما تسير في منطقة محطة الرمل وشارع فؤاد و حتى داخل كلية الفنون الجميلة ستجد تمثال أو مدرسة حتى الأوبرا و جدارية تحمل صورة و اسم سيد درويش فهو يعتبر من أعمدة التراث الفني و الموسيقي في مصر و من المعالم و التراث الفني والثقافي بالإسكندرية و على الرغم من إحياء ذكراه كل عام بإقامة حفلات في المراكز الثقافية و قصور الثقافة و الأوبرا

و قيام حسن البحر بالحرص على إقامة حفل يحيي ذكراه كل عام بقيادته الموسيقية و مشاركته بالغناء إلا أن كثير من سكان الإسكندرية لا يعلم أين منزل سيد درويش أو ماذا حدث له رغم إرتباط إسمه بحي كوم الدكة و حتى من يعرف مكان منزله لم يصل  إلى علمه ما وصل إليه حاله .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل