المحتوى الرئيسى

الصراع بين القبيلة والإسلام ٣ .. علي بن أبي طالب الخليفة الذي جاء متأخراً

03/16 08:13

تحدثنا في الأجزاء السابقة عن الإرهاصات الخاصة بالصراع بين القبلية والإسلام ، او بمعني أدق الحرب الأهلية بين المسلمين والتي شهدنا فصلاً من فصولها المآساوية عند مقتل الخليفة الثالث عثمان .

كان من الصعب علي المسلمين أن يروا خليفتهم محاصراً من بعض الغاضبين من سياسته ، ويصل بهم الأمر إلي مقتله ، إلا أن السياسة العامة لعثمان بن عفان رضي الله عنه كانت بها من الأخطاء بحيث تصل الأمور إلي هذا الحد .

حركة الغضب تزايدت علي عثمان وحكمه ، خاصة في مصر حيث تجمع عدد من الغاضبين قاصدين المدينة ، لحصارها ولمواجهة عثمان بن عفان بالرسالة التي وجدوها تحرض والي مصر من قتل هؤلاء الثوار علي عثمان ، وقد تضاربت الأمور عندئذ ، هل بالفعل عثمان بعث بهذه الرسالة ، أم أن أحد مستشاريه المقربين هو من دبر لهذا الأمر ؟

مروان بن الحكم مستشار عثمان تشير أصابع الإتهام حوله ، لكن لا يوجد دليل قاطع علي تدبير تلك المؤامرة ، فالروايات متضاربة لحد الضبابية ، لكن نتائجها كانت في غاية الخطورة ، فقد أدت تلك الرسالة غلي حصار بيت الخليفة .

لكن أين الصحابة من حصار بيت عثمان ؟

لقد شارك الصحابة عثمان محنته ، فأخلاقهم الجمة حتمت عليهم حماية الخليفة ، فلم يكن فكرهم عنيف ، فهم مختلفون مع عثمان نعم ، لكن ليس لدرجة الحصار والقتل والتشنيع ، لذلك سنجد علي بن أبي طالب الذي كان ينحاز إلي صف الفقراء وهو الصف المعارض لبني أمية يدافع عن عثمان ، فهم في النهاية أخوة ، هكذا كان يفكر علي ، بل يندب ولدين الحسن والحسين أحفاد النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام في الدفاع عن بيته في مشهد مهيب ، والكثير من الصحابة قاموا وهبوا للدفاع عن عثمان .

أما عثمان فقد ادرك النهاية ببصيرته ، ففي رواية تاريخية مشهورة ، انه صام في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من العام 35هـــ ، وهو يوم مقتله ، لأنه أحب أن يموت صائما ، فهو أدرك ان حركة المحتجين مسلحة وانهم سيقومون بقتله ، ورواية أخري يحكيها أهل بيت عثمان بعد إستشهاده انه رأي النبي عليه الصلاة والسلام يبشره بالشهادة وانه سيكون عنده صائماً محتسباً .

أما مشهد القتل ، فقد دخل المحتجون الغاضبون علي عثمان وكان يقرأ القرآن وطعنوه بل وحاول عثمان وهو الشيخ الكبير أن يدافع عن نفسه ، بل دافعت زوجته عنه أيضا مما أدي إلي بتر بعض أصابعها، وأستشهد أخيراً ، وأصيب في مشهد القتل أيضاً الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ، بل يقال أن مروان بن الحكم أصيب ايضاً .

مالم يعلمه الكثير من الناس أن حصار عثمان طال وأمتد لأكثر من عشرين يوما وفي رواية أربعين يوما ، فبدأ الحصار في أواخر شوال وأنتهي بذي الحجة ، ولكن أين أهل المدينة من كل ذلك ؟

لقد امر عثمان الجميع بضبط النفس وعدم الدخول في معارك وقتال بين المسلمين ، فقد آثر التضحية بنفسه علي قتل العديد من المسلمين في معركة لا جدوي لها سوي المزيد من الحرب الأهلية ، لذلك نقول أن عثمان كان يدرك بسياسته أن السياسات الخاطئة أدت إلي ذلك حتي لو كان إجتهاداً منه في النهاية ، لكنها أدت إلي هذا المشهد غير المقبول والمعقول في حياة المسلمين .

علي أية حال ، أستشهد عثمان وبدأت مرحلة جديدة من المنازعات والحرب الأهلية ، لقد دخلت في طور الجدية ، فلم يكن السابق إلا إرهاصات بين تيارات سياسية بل قل إجتماعية بين المسلمين ، لقد كانت هذه البداية الحقيقية لتحزب هذه الأمة وتفرقها ، وبداية شرعية الدم فيها ، وبداية شرعنة الحكم لمن غلب .

فهناك تيارين الأن علي الساحة ، تيار علي بمبادءه الإسلامية الخالصة ، وتيار بني أمية القوي النفوذ الذي أعتمد علي الرجال والسلاح والقبلية والقوة ، فمن الذي ينتصر ، القوة ام الحق ؟

هذا ما سنعرفه في السطور القادمة ، تتحدث الروايات التاريخية أن قتلة عثمان كانوا معروفين أنهم من أهل مصر الغاضبين ، لكنها أختلطت في تحديد شخص بعينه ، لقد قام هؤلاء الذين ثاروا علي عثمان بمبايعة علي بن أبي طالب لكنه رفضها لأنه لم يرض عن طريقة المعارضة تلك ، بل رفضها أيضا الزبير بن العوام عندما ذهبوا إليه لذات الغرض .

إلا أن الخلافة آلت إلي علي بعد إجتماع أهل الشوري من المدينة وأهل الحل والعقد في إجتماع لينقذ الموقف ، وقام علي بمحاولة رأب الصدع وذلك بعزل ولاة عثمان الذين لم يرض عليهم الناس ، لكن هل ترك بني أمية الخلافة لعلي علي هذه الصورة؟

هنا تبرز إشكالية قميص عثمان الشهير ، وهو المطالبة بالثأر لعثمان ، لقد كان معاوية أقوي من في الحزب الأموي ووالي الشام ، يرفض أن تكون هناك خلافة إلا بعد تحقيق في مقتل عثمان ، لكن علي رفض ذلك وآثر المصلحة العامة علي مصلحة القبيلة ، فقد رأي الخليفة علي أن تسيير الخلافة أولي من الثأر ثم سيكون هناك تحقيقاً فيما جري ، وهنا برز الخلاف لكن كان ذلك علي السطح .

أما جوهر الخلاف فقد كان قديما وتحدثنا عن إرهاصاته القبلية ، فعلي يمثل الفئة التي تريد أن تطبق منهج الإنحياز إلي الفقراء والمساواة بين الجميع ، أما معاوية وحزبه فهو ينظر إلي مصلحة القبيلة والتحزب لأصحاب النفوذ .

أما المعركة الفعلية بدأت عندما أصدر علي القرار الأول بعزل كل الولاة الذين عينهم عثمان من قبل وهو ما رفضه معاوية ، فقد كان واليا علي الشام منذ فترة طويلة وأنشأ بها إمارة خاصة به ، له رجاله ، وأمواله ونفوذه ، وعليه فقد رفض مثل هذه القرارات وأستعد للحرب بسفور واضح .

أما ثاني القرارات التي أتخذها علي فقد كان ترك الحجاز والذهاب إلي العراق ، والمكوث في مدينة الكوفة العراقية والتي أصبحت العاصمة بدلا من المدينة وهو ما أثار غضب أهل المدينة من هذه السياسة ، أما علي فقد ان جل تفكيره إنقاذ الموقف والإقتراب من معسكر معاوية ، فقد أصبح الشام معسكرا ، والعراق معسكرا آخر ، هنا معاوية وهناك علي بن أبي طالب .. الخليفة الذي جاء متأخراً …

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل