المحتوى الرئيسى

تشكيل الوجدان المصرى | المصري اليوم

03/15 22:29

منذ أن بدأت قناة «ماسبيرو زمان» البث، كان من المهم الإشادة بها، لمجرد أننا سوف نشاهد جزءاً من الماضى، إلا أنه بدا واضحاً الآن أن القضية أكبر من ذلك بكثير، فمع كل مشاهدة للقناة وجدت نفسى أردد عبارة: كان الله فى عون الأجيال الحالية والقادمة، ذلك أن برامج القناة أصبحت بمثابة تقليب للمواجع، هى تؤرخ وتُشير فى الوقت نفسه إلى كيفية تشكيل الوجدان المصرى لمواليد زمن تليفزيون الأبيض والأسود من القرن الماضى، منذ أن بدأ هذا المارد نشاطه فى بر المحروسة، عام ١٩٦١، ومن قبله صناعة الإذاعة والسينما، ومن قبلهم صناعة الصحافة، والمقارنة مع أداء المرحلة الراهنة.

لنا أن نتخيل أن تشكيل ذلك الوجدان كان من خلال مذيعين من أمثال فريدة الزمر، وفريال صالح، ونجوى إبراهيم، وسلوى حجازى، أيضاً من أمثال أحمد سمير ومحمود سلطان وحلمى البلك، أيضاً من خلال برامج مثل العلم والإيمان للراحل مصطفى محمود، أو عالم البحار للراحل حامد جوهر، أو عالم الحيوان للراحل محمود سلطان، أيضاً من خلال برامج نادى السينما والأوسكار، والموسيقى العربية، أيضاً من خلال برامج للطفل والمرأة والسيرك وعجائب وطرائف، إلى غير ذلك من قائمة لا تنتهى.

المثير أيضاً هو نوعية الضيوف من العقاد وتوفيق الحكيم وأنيس منصور، إلى صلاح جاهين ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، ومن الراحل مصطفى أمين والكبير يوسف وهبى والسيدة فاتن حمامة، إلى الشيوخ الأجلاء عبدالحليم محمود والباقورى والغزالى، أيضاً كل ذلك من خلال مذيعين من أمثال طارق حبيب وسمير صبرى وأحمد فراج، وغيرهم ممن أثروا هذه الأعمال التليفزيونية بلغة حوار راقية وممتعة، كان أطرافها يتبادلون أطراف الحديث بمفردات محددة، لا تخرج عن كونها محترمة: من فضلك، حضرتك، سعادتك، جنابك، معاليك، لو سمحت، لو تكرمت.

لن تسمع أبداً خلال هذه البرامج صوتاً مرتفعاً، أو لفظاً خارجاً، أو تصرفاً مشيناً، مثلما هو الحال الآن، لا من المذيع، ولا من الضيف، سوف تجد أن الخطاب الموجه للجمهور يتصف بأقصى درجات الاحترام، على خلاف السائد الآن أيضاً، البرامج الحوارية، كما الإخبارية، كما الدينية، كما العلمية، تستهدف أولاً وأخيراً الارتقاء بالجانب المعرفى والثقافى للمواطن، يحب أن نتوقف أيضا طويلاً، أمام الهندام والشكل العام، سواء للمذيع أو الضيف، والذى كان فى أبهى صوره، على خلاف ما هو الآن أيضاً.

فى الوقت نفسه، كان للإذاعة المصرية رونقها وأهميتها، بدءاً من السادسة صباحاً، بالافتتاح بالقرآن الكريم، مروراً بكل البرامج الهادفة فى ذلك الوقت، والتى من بينها همسة عتاب، طريق السلامة، كلمتين وبس، أخبار خفيفة، مروراً بأبلة فضيلة، وبرامج المرأة والطهى، وحتى البرامج الأسبوعية، على الناصية، للرائعة آمال فهمى، والغلط فين، للرائع على فايق زغلول، وغير ذلك من كثير كان المواطن ينتظره بشغف، من خلال أجهزة استماع قد يصل وزنها إلى عدة كيلوجرامات، وقد تكون بحجم كف اليد فيما بعد.

حتى على مستوى الكتابة الصحفية، كان الزمان أيضاً غير الزمان، من خلال كُتّاب عظام، ومقالات لها ما لها من الأثر فى نفوسنا وذاكرتنا حتى الآن، وكانت للشِّعر مكانته من خلال شعراء تعجز الذاكرة عن الإلمام بهم جميعاً، وكانت الرواية غير الرواية، حتى النفاق لم يكن بهذا القدر من التزلف والرياء، بالتأكيد كانت هناك خطوط حمراء لا تجعل القارئ ينفر من الصحيفة، أو ربما يهرب من القراءة إلى غير رجعة، كما هو الحال الآن، خطبة الجمعة أيضاً كان لها ما لها من أثر، على الرغم من أنها فى معظمها كانت من خلال الورقة، التى نعترض عليها الآن، إلا أنها كانت تُعنى بالدين، ولا شىء غيره، لم تكن أبداً تبرر قرارات الحاكم، ولا تُروج للفقر، ولا تستعدى طائفة على أخرى.

لنا أن نتصور ذلك الوجدان الذى يمكن تشكيله فى ذلك الوقت، على الرغم من أن التعبير عن الرأى فى الجانب السياسى تحديداً كان ممنوعاً بفعل الرقيب، أو شبه حرام فى معظم الأحوال، وتحديداً منذ ما بعد ١٩٥٢، كما محاولات التغييب والتعتيم فى ظل نظام لم يكن يؤمن بالتعددية أو الحرية، إلا أن السياسة، كما الثقافة، كما الروح الوطنية، كما الانتماء، كانت تشكل فى ذلك الوقت جزءاً أصيلاً من الاهتمام الخاص والعام، فى أعقاب قرون طويلة من الاستعمار الأجنبى، وهو ما ألقى بظلاله على تخريج أجيال، كان لها من الأثر على الأمم حولنا أكثر من أثرها على الوطن الأُم لأسباب عديدة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل