المحتوى الرئيسى

جهاز العروسين.. روبابيكيا!

03/15 21:58

العريس: أنا زيك فقير لا أنا ساحر ولا أمير

العروسة: أنا مش عايزة جهاز غير نجفة وبوتاجاز

الغلاء يقهر الحب.. وسوق «المستعمل» يقهر الأسعار

«زينب»: صبرت حتى أصبح عندى 40 سنة.. وآخرتها العريس عجوز والموبيليا خَرْج بيت

أم محمد: عملت جمعية بـ4 جنيه ساعدتني على شراء أدوات المطبخ

«صفية»: اشتريت «الكيتشن ماشين» بدون سكاكين .. والانتظار يضيع فرحة العمر

أم نعيمة: التنجيد يتكلف 7 آلاف جنيه.. وشراء المستعمل فضيحة وسط الجيران

ما أصعب أن تحقق فرحة العمر وكل ما يمكنك أن تشتريه «نص عمر»، وما أضعف الإنسان أمام أحلامه ولا سيما إذا كانت بسيطة وعادلة ولكن الرضا بالمقسوم عبادة. وفى ظل جنون أسعار السلع ومستلزمات تأثيث بيت جديد يلجأ البسطاء من العرايس والعرسان لسوق المستعمل وما أكثره فى بلادنا الآن وأشهرها سوق المنيب والتونسى وغيرها من الأسواق التى تبيع كل شىء «خرج بيت» أو «فرز تانى» ليحقق الشباب أحلامهم فى بناء «عش الزوجية» حتى ولو بجهاز روبابيكيا.. والرضا بالمقسوم عبادة.. ولقمة صغيورة تشبعنا وعش العصفورة يقضينا.. ولو كان الأمر أمرى.. لو كان فى شىء بيدى كنت أقدر اشتريلك جزيرة ويخت فضى!! وشعارات متفائلة من هذا القبيل وعلى طريقة «راح أشيلك فى عينى يا عينى لو على لمبة جاز. وهنعيش سوى على كنبة وقلة وكباية».. تندفع الفتيات الفقيرات لشراء كل مستلزمات البيت السعيد من أكوام المستعمل التى تغطى ملامح الأسواق المزدحمة دائماً بالزبائن على كل شكل ولون.

وسط سحابة من الغبار تعم الشوارع الضيقة المتفرعة من السوق الرئيسى بالمنيب يفرش الباعة كل ما يحتاجه العرايس والعرسان.. أدوات مطبخ، حلل ألومنيوم واستانلس «فرز تانى»، ويعلق الباعة أقمشة الستائر والتنجيد تتطاير مع الرياح المحملة بالأتربة والأحلام الصغيرة المخنوقة بالفقر وقلة الحيلة. يتخلل المشهد خناقات سائقى التوك توك وتتطاير الألفاظ البذيئة والسباب تتعانق مع نظرات حسرة الفتيات المرعوبات من أن يفوتهن قطار «العدل» ويلحقن بطوابير العنوسة الممتدة بطول أيام الليالى المظلمة وبوحشة الوحدة.. تتعالى صيحات الباعة على البضائع «اللقطة» من أطقم الملايات وبطاطين قطيفة «محفورة» وارد مصانع بير السلم منسوجة بكتل الألياف الصناعية المغموسة بشحنات الكهرباء كلما لامست الجسد.. وعلى الجوانب تلاجات نص عمر وشاشات تليفزيون «محروقة» وغسالات «شغالة» لكن محتاجة موتور وتبقى «فلة».

ما زالت أصوات باعة «الكوارع وفواكه اللحوم» تنافس صيحات باعة الملابس «الاستوك» والأجهزة «خرج البيت» والموبيليا استعمال طبيب!

على استحياء أخذت زينب تقلب فى أكوام «اللانجيرى» يعنى قمصان النوم الأساسية فى جهاز أى عروس الألوان صارخة والباعة يعرضونها بشكل يخدش حياء البنات اللائى يخبئن وجوههن فى الأكوام بينما تنبش الأيادى فى كل الأرجاء بلهفة وأمل وفرحة مكبوتة..

ده جديد أول لابسة مش قديم. لو ماعكيش نقى من الكوم التانى الحتة بـ10 دى حاجات أمريكانى.

نظرت إلى الفتاة بحزن شديد وقالت لا بصراحة إلا دى مش كفاية العفش كله «خرج بيت» أنا مابحبش ألبس حاجة حد. هعمل جمعية وأشترى كام واحد من اللى بـ15 يا رب ما يغلاش تانى على ما أقبض.

«زينب» عروس أربعينية ابنة بائعة الخضراوات التى ورثت منها المهنة بعد أن أهلك الأم المرض فلم يعد أمامها سوى انتظار ابن الحلال الذى ينتشلها من الفقر لترى معه الجانب المضيء من الدنيا التى لم تر منها سوى سنوات طويلة من الشقاء ومضى بها العمر دون أن يأتى وأخيرا ظهر رجل متزوج ويكبرها بعشرة أعوام وهذه ليست المشكلة، لكنه جاء خالى الوفاض لا يحمل الكثير مما صبرت من أجله فهو أيضا «على قد حاله» بائع «سريح» ويا دوب استأجر لها حجرة بـ500 جنيه فى الشهر وألزمها بفرشها وتدبير باقى احتياجات الزواج فأمضت عامين أخريين اختصاراً من عمر فرحتها لتجهز نفسها قالت «اشتريت من السوق سرير حلو ودولاب مش شبه بعض لكن جامدين بـ700 جنيه والمرتبة سوست بـ300 جنيه وسجادة من الواد محمود على العربية بـ70 جنيه، والحمد لله لسه هدومى وحاجتى لكن دى بقى لازم تبقى جديدة إن شالله أستنى سنة كمان».

زينب مثل فاطمة وسلوى ونادية، يعشن على مبدأ الرضا بالمقسوم عبادة وتظل الواحدة منهن تفتش عن أمل ضائع فى كومة ستائر ملونة رخيصة.. وأجهزة كهربائية عطلانة وماكياج يضر البشرة، الشباب أيضاً يشقون طريقهم إلى الأمل فى استكمال نصف دينهم يبحثون فى موبيليا روبابيكيا عن أوضة نوم خرج بيت أو أنتريه نص عمر أو ثلاجة استعمال طبيب!

فى سوق المنيب ينشد العرايس والعرسان الفرحة فى الحلال بعيداً عن دنيا الفيلات والكامباوند والصالون المدهب والدولاب البلاكار.. كل ما يحتاجه الأمر شوية شطارة وصبر وفصال وطبعاً جمعية تعملها الأم الشاطرة مع الجيران مثلما فعلت أم محمد تماماً وقالت: هنعمل إيه الدنيا غالية وأنا عندى أربع بنات وولد وأبوهم على قده والله بنعمل مع الجيران جمعية بـ4 جنيه فى اليوم ونيجى نشترى مرة حلتين ومرة طقم ملايات وربنا اللى بيستر.

سالت أم محمد: كان زمان بيجهزوا البنت من صغرها علشان يخف الحمل. هل يمكن عمل ذلك الآن؟

ردت بغضب شديد: منين يعنى إحنا لاقيين ناكل هنجهز كمان عنهم ما اتجوزوا. لو العريس معاه يشيل لو مش قادر إن شالله عنهم ما اتجوزوا.

التقط أطراف الحديث «محمود» الذى يعرفه الزبائن ويسألونه عن أطقم الحلل الاستانلس التى يؤكد أنها جديدة، لكنها درجة تانية وبها أخطاء صناعة غير واضحة أصلاً، والحلة تبدأ من 70 وتصل لـ250 جنيهاً وسعرها الأصلى 500 جنيه، وفيه عرايس بتطلب أكملها طقم 6 قطع بـ650 جنيهاً وفى المحلات بـ2800 جنيه.

جاءت سيدة تسأل البائع عن طقم الملايات الجديدة فأكد لها البائع أنها قطن و10 جنيهات 5 قطع وكل الألوان.

قالت لى السيدة بصوت منخفض: أنا عارفة إنه مش قطن طبعاً القطن 3 قطع بـ500 جنيه لكن هنعمل إيه الناس تعبانة واللى عنده بنت ماشى يكلم نفسه.

سيدة أخرى قالت: أربى ثلاث بنات أيتام والمعاش يا دوب مايكفيش اللقمة ولما ربنا يكرمنى بنزل السوق واشتريت للبنت الكبيرة بوتاجاز 4 عيون «مصانع» قديم لكن معقول والراجل جربه عاوز مفاتيح وبنتى التانية مشبوكة واشترينالها انتريه مستعل بـ400 جنيه واشتريت قماش جديد من السوق برضه وهنجده ويبقى تمام، ونظرت السيدة إلى البضائع المتراصة فى السوق وقالت: الحمد لله أن فيه تصريف للفقراء لأن الحاجة فى المحلات نار وعلشان تجهزى بنت عايزة 100 ألف جنيه.

أمام أحد المحلات لبيع الموبيليا المستعملة وجدته يقف بجوار أبيه العجوز يقلب عينيه فيما عرضه صاحب المحل من دواليب مدهونة بأصباغ رديئة تحاول إخفاء العيوب أو فعل الزمن.

«حسين» يعمل سائقاً ولا يكفيه دخله لأنه يحاول أن يساعد أباه لأنه وكما قال: حمله تقيل ويا دوب بيوفر الطعام لإخواتى.

 قال: بصراحة لا لكن بحاول «أستلقط» حاجة علشان لما يحصل أبقى جاهز والحاجة كل يوم بتغلى حتى المستعملة.

كان من الواضح أن الشاب يخفى شيئاً أيقنت أنه شبه مرتبط ويريد أن يكمل نصف دينه لكن العين بصيرة واليد قصيرة.. ثم نظر الرجل إلى ابنه وقال: يعنى الشباب يعمل إيه إحنا مش قد المعارض، قال والد حسين: نحن لا نشترى القديم لكن هناك حجرات جديدة على قدنا يعنى فيه أوضة نوم بـ2000 جنيه علشان تعيش، حتى المناصرة أقل أوضة بـ15 ألف جنيه والأجهزة نار أقل بوتاجاز بـ3 آلاف جنيه وتسألى عن الحاجة النهارده بسعر وبكرة بسعر تانى. والتلاجة بـ7 آلاف جنيه في هنا تلاجة بـ2000 وتتظبط وتمشى.

الفصال هنا هو القانون السائد فى عملية البيع والشراء وفى ساحة كبيرة فى أقصى يمين السوق تعرض مجموعة كبيرة من الموبيليا المتواضعة الذوق والخامات، سألنا المعلم محمود صاحب البضاعة: عاوزين قديم ولا جديد؟!

مشيراً بيديه إلى مجموعة دواليب وأنتريهات ومطابخ مستعملة.. سأله شاب بكام الصالون؟ فرد البائع بـ700 جنيه، وقال رجل آخر «بـ300 كويس لسه الاستورجى وهنحتاج تنجيد يعنى هيكلفنا ولا 700 جنيه علشان يقول أنا صالون» رد البائع: لا دى حاجة نضيفة وخشب زان والله خارج من بيت عروسة ماحصلش نصيب ومالحقتش تقعد عليه. وأشار إلى تاجر آخر يقلب فى البضاعة وقال: هناك تجار يشترون هذه البضائع ويبيعونها فى محافظات الصعيد وهى حجرات قديمة ومتوضبة. أخذ التاجر يقلب فى ضلف الدواليب ويقول للبائع هاخدهم كلهم الواحد بـ200 جنيه وأضاف: لنا محلات فى الصعيد تعرض فيها هذه البضاعة وهى قديمة ولكن النجار والاستورجى يجعلانها أحسن من الجديدة! وبكم تبيعها فى البلد؟! بـ4 آلاف جنيه أو 3500 جنيه أنا وشطارتى، ثم أكد لى أن هناك حجرة نوم كاملة قديمة متوضبة بـ700 جنيه عبارة عن دولاب وسرير وتسريحة وهى خرج بيت لكن خشبها متين ويعيش، وقال الرجل إن البضاعة أحياناً تأتى من بيوت كلاس فى مصر الجديدة ومدينة نصر وأكتوبر وأحياناً حجرات خشب زان وتباع بـ2000 جنيه.

تركت عالم الموبيليا إلى عالم الأجهزة، حيث كل ما هو قديم يعاد إصلاحه واستخدامه فهناك الخلاط الكهربائى والغسالة والبوتاجاز حتى «الكيتشن ماشين» فرنساوى كما قالت «صفية» وفيها كل حاجة الكبة والمطحنة ومضرب البيض. وجربتها لاقيتها شغالة وبـ500 جنيه فقط وبرة بـ5 آلاف جنيه لكن هغيرلها السكاكين وهى موجودة فى السوق وحاجة بسيطة. وأضافت صفية: يعنى عروسة بتشتغل فى محل ملابس بـ350 جنيه زى حالتى أجيب منين. ربنا يعيننا وأى عريس بيتقدم عاوز عروسة تساعده وإلا هنقعد من غير جواز؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل