المحتوى الرئيسى

يا حكومة.. هذه كنوزنا الأثرية التى لا تعرفونها

03/15 20:30

- ألف ضريح فى «المقطم» منها مدفن ابن الفارض.. ومقبرتا ابن خلدون والمقريزى عند بابا النصر.. كلها غير مدرجة على قوائم «الآثار»

- أثريون يفسرون إهمال الآثار الإسلامية بالخوف من «التشيع» والمشاكل الطائفية

- منتجعات مهملة بأسوان لعلاج الروماتيزم والعظام والجلدية لا يوجد مثيل لها سوى فى فرنسا وسويسرا

تخيل أن رب عائلة كبيرة توفى وترك خلفه كنزا ثمينا لأبنائه وأحفاده من بعده، ثم ما لبث هؤلاء الورثة أن يهملوا هذا الكنز ولا يبذلوا أى جهد للاحتفاظ به أو الحفاظ عليه على الرغم من أن حالتهم الاقتصادية متردية للغاية فهم غارقون فى ديونهم الخارجية ومنهم من لا يجد قوت يومه ومع ذلك لا يحأولون استخدام ما تحت أيديهم إلا فى أضيق الحدود. فى الحقيقة لا يوجد فارق كبير بين العائلة السابقة وبين موقف القائمين على الشأن الأثرى والتراثى فى بلادنا، فمصر بها أكثر من ثلث آثار العالم ومع ذلك فالأماكن المتاحة للسياحة قليلة جدا وهناك آلاف المناطق الجميلة والتى تنافس المعابد والأماكن المشهورة لكنها لا تحظى باهتمام وزارة الآثار وبالتالى لا تدرج على قائمة المزارات السياحية.

فى مصر ما يقرب من 90 متحفا، الموجود على الخريطة السياحية لا يتجاوز الـ10 متاحف وهناك مناطق أثرية داخل الواحات والقرى الصغيرة لا يسمع عنها كثيرون، فعلى سبيل المثال لا الحصر منطقة الواحات البحرية يوجد بها مقابر الأسرة السادسة والعشرين وجبانة الطيور المقدسة وبقايا قوس النصر الرومانى وأطلال معبد إيزيس وأطلال معبد آخر يرجع إلى عصر الإسكندر الأكبر، ووادى المومياوات الذهبية ويضم نحو 10 آلاف مومياء يحمل عدد كبير منها أغطية ونقوش ذهبية.

وفى الوادى الجديد لدينا جبانة البجوات و6 معابد هى هيبس ووالناضورة والغويطة ووالزيان والدوش وبربيعة وآثار البشندى ومصاطب بلاط الفراعنة، وقرية القصر الإسلامية، ومقابر المزوقة ومعبد دير الحجر، وفى المنوفية هناك مقابر قويسنا والتى تم الكشف عنها عام 1990 وكانت عبارة عن 365 فدانا آثار بها ثلاثة آلاف قطعة أثرية ما بين توابيت ومومياوات ولوحات أوامر عسكرية وعملات ذهبية ترجع لعصور مختلفة ومئات القطع من التمائم والتعاويذ والجعارين من الذهب المضغوط بالأثاث الجنائزى، والكثير من الرقائق الذهبية على شكل معبودات الجبانة إيزيس وحابى وأوزوريس وحورس وخواتم ذهبية بنقوش هيروغلوفية، تم نقلها إلى مخازن كفر الشيخ وطنطا والشرقية والمتحف المصرى بالقاهرة وترك الموقع الأثرى مرتعا للإهمال والسرقة والنهب دون رقابة عليها.

باتت مصر فى عيون العالم ليست إلا منطقة الأهرامات والقلعة والمتحف المصرى وشارع المعز والقليل من آثار الأقصر وأسوان، وأهملت باقى المناطق والآثار الأخرى حتى صارت فى حالة يرثى لها بالرغم من أن الكثير منها فى مناطق سكنية حولها فنادق ومطاعم ولها شبكة طرق ومواصلات جيدة وتصلها المرافق كاملة وبالتالى فلا تحتاج لمبالغ كبيرة حتى تصبح مزارًا سياحيًا وإنما تحتاج للقليل من الاهتمام فقط، حسب الأثرى سامح الزهار الباحث فى شئون الآثار الإسلامية.

يقول الزهار لـ«اليوم الجديد»، بحكم تخصصه، إن قطاع الآثار الإسلامية لا يحظى باهتمام كبير من وزارة الآثار مثل الآثار الفرعونية واليونانية والرومانية على الرغم من أن لدينا مزارات أكثر من رائعة مثل جبانة المماليك بشرق القاهرة وهى تضم عددا كبيرا وهاما من الأضرحة والمساجد بها قبة الإمام الشافعى أحد الأئمة الأربعة، وبعض المقابر الملكية القديمة.

ووفقا للزهار، فلدينا منطقة آثار المقطم وهى غير مدرجة على قائمة الآثار على الرغم من أنها تضم أكثر من ألف ضريح لعدد كبير من أقطاب الصوفية وأولياء الله الصالحين، منهم ضريح ابن الفارض، أحد كبار شعراء الصوفية، وهو لا يقل أهمية عن جلال الدين الرومى ولكن الأخير تمكنت بلاده من تسويقه جيدا ما بين روايات وسينما فى حين يبقى ضريح ابن الفارض ومسجده الصغير بالمقطم لا يعلم أحد عنهما شيئًا.

وتقى الدين المقريزى وهو واحد من أهم مؤرخى العصر الإسلامى على مستوى العالم وأستاذه ابن خلدون مدفونان فى مصر فى مقابر الصوفية بباب النصر، وبالرغم من ذلك لا نستطيع زيارتهما لأن الحكومة غيرت شكل هذه الأماكن بالكامل فطمست ملامح ما بها من أضرحة ومقابر حتى تم مسحها من على وجه الكرة الأرضية.

فى المحافظات تأتى رشيد فى المرتبة الثانية بعد القاهرة من حيث الآثار الإسلامية فهى تضم عشرات المنازل التى تعود للعصر الإسلامى والمسجلة لدى الآثار ولكن حالتها يرثى لها فهى مهملة وغير مفتوحة أمام الزيارة.

وفى قرية بلقاس بالدقهلية يوجد دير القديسة دميانة وهى تتمتع بمكانة دينية كبيرة عند الأقباط ومدفون معها 40 من تلميذاتها العزارى وبالرغم من أهمية هذا المكان لدى الأقباط إلا أنه لا يعرفه سوى القليل من الشخصيات الدولية التى جاءت لزيارته على فترات متباعدة دون أن يدرى أحد، فى حين أنه لو تم الاهتمام به وتسويقه سياحيا سيحظى بمكانة كبيرة وسيشكل مصدرا كبيرا لجذب السياحة العالمية.

أما المنصورة فبها دار ابن لقمان، المكان الذى أسر فيه لويس التاسع، وهذا المكان يدرس فى الجامعات الأوروبية خاصة الفرنسية، ومع ذلك لا يحظى بمكانة كبيرة لدى وزارة الآثار المصرية، كذلك قصر محمد بك الشناوى الذى كان يسمى فى وقت من الأوقات بيت الأمة حيث كان يجتمع فيه التحالفات الوطنية وقت الاستعمار وكانت تقام فيه حفلات لكبار الفنانين أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب حتى إنه فى عام 1930 مدحه المعمارى الشهير مارسيلو قائلًا: «فى مصر قصر هو أعظم عمل معمارى شيده المعماريون الإيطاليون بأيديهم خارج إيطاليا». وبالرغم من أنه كان هناك اتجاه منذ ثلاث أو أربع سنوات لتحويل هذا القصر إلى متحف إلا أنه لم يتم اتخاذ أى خطوة فى هذا الصدد حتى الآن.

ويرى أثريون أن السبب الرئيسى لإهمال وزارة الآثار لآلاف الأضرحة والمساجد هو الخوف من «التشيع» والمشاكل «الطائفية» التى لن تنتهى إذا انتشرت الأضرحة والمقابر على اختلاف مذاهب أصحابها بحجمها الحقيقى.

لكن الواقع يؤكد أن هذا ليس السبب الحقيقى لأن الإهمال لم يقف عند الأضرحة والمقامات فقط وإنما امتد إلى باقى القطاعات الأثرية الأخرى.

الأثرى محمد يوسف على يقول إن زيارة 20 معبدا فى وقت واحد يترك حالة من الملل لدى الزائر ولذلك فلا بد من تغيير نوعية المزارات وأن يكون هناك مئات البرامج السياحية حتى نتيح للسائح الواحد زيارة مصر أكثر من مرة ويكون لديه يقين أنه فى كل مرة سيأتى فيها للبلاد سيشاهد أشياء جديدة لم يرها من قبل وآثارنا وتاريخنا يساعد على ذلك.

ويشير إلى أن مصر تمتلك معابد فى الواحات غير موجودة على خريطة المزارات السياحية، كما أن لدينا طريق العذراء والمسيح الذى اتخذته العائلة المقدسة بسيناء من الممكن أن يكون هذا الطريق مصدر جذب كبيرا للسياحة، كذلك جبل الطور الذى تجلى فيه الخالق لسيدنا موسى عليه السلام.

ويوجد أيضا بمنطقة دهشور أول هرم كامل فى التاريخ وهو الهرم المنحنى والذى لا يزال يحتفظ بكسوته الخارجية حتى الآن، وأيضا بها الهرم المدرج والهرم الشمالى الذى أسسه الملك سنفرو ويسمى بالهرم الأحمر وهو ثانى أكبر هرم فى مصر بعد هرم خوفو، وبركة الملك فاروق وهى عبارة عن مساحة 600 فدان يتم ملؤها بالمياه فى شهر سبتمبر من كل عام فتعطى المياه مع الخضرة والأهرامات مشهد لا مثيل له فى العالم كله ومع ذلك لا توجد هذه المزارات بقوة داخل البرنامج السياحى.

الطريق من الجيزة إلى الأقصر يكتظ بالأماكن والمزارات السياحية ومع ذلك يزور السائح الجيزة والقاهرة ثم يستقل الطائرة إلى الأقصر مباشرة دون المرور على كل المناطق السياحية بين المدينتين، فالفيوم كانت عاصمة الدولة الوسطى وبها أهرامات ومقابر للدولة القديمة والوسطى، وأسيوط بها أديرة مرتبطة بمسار العائلة المقدسة، كذلك المنيا عاصمة إخناتون بها القصر الخاص به ومعبد إخناتون ومقابر بنى حسن.

الأثرى سيد حسنى حسين، مرشد سياحى بأسوان، يرى فى حديثه لـ«اليوم الجديد» أن السياحة فى العالم تنقسم إلى أربعة أنواع، ثقافية وترفيهية وعلاجية ودينية، وفى مصر وتحديدًا فى أسوان لدينا الأربعة أنواع، فالسياحة الدينية متمثلة فى كاتدرائية الأقباط وموجودة بوسط البلد بالمدينة ومكانها مناسب ومع ذلك غير موجودة على قائمة المزارات، أيضًا جامع الطابية ودير الأنبا سمعان «سان سيمون» لا يعلم أحد عنها شيئًا.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل